إن الإيمان بالله جل وعلا ويشمل الإيمان بربوبيته وألوهيته وما يجب له من صفات وأسماء تليق بجلاله جل وعلا مما أخبر به في كتابه، أو ثبت من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهذه هي أقسام التوحيد الثلاثة، التي تشمل القسم الخبري العلمي الاعتقادي وتشمل توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والقسم الإنشائي الطلبي العلمي وهو توحيد الألوهية توحيد القصد، والإرادة، الذي دعت إليه الرسل، ومن أجله أنزلت الكتب، وأبى المشركون قبوله والاعتراف به (1) .

والرب في اللغة: "المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم، والمنعم" (2) .

وقال ابن الأنباري (3) :

"والرب ينقسم على ثلاثة أقسام: يكون الرب المالك، ويكون الرب السيد المطاع، قال تعالى:( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ{41)[يوسف:41]، ويكون الرب المصلح، رب الشيء إذا أصلحه .. "ا.هـ (4) .

والله عز وجل هو المالك، المتصرف، الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المدبر، السيد، المطاع .. الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. له صفات الكمال المطلق، ولـه تصرف العبادة، وهو الإله الحق، الذي يحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون.

والإيمان بربوبية الله جل وعلا، مركوز في الفطرة لا ينكره إلا معاند مكابر، والاستدلال عليه يكون من قبيل التنبيه وإيقاظ الفطر الغافلة وقد اعترف به المشركون، قال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ{31}) [يونس:31] .

وقوله تعالى: (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{85} قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{86} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ{87} قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ{89}) [المؤمنون:84-89].

وقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ{38}) [الزمر:38].

ومع اعترافهم به فلم يدخلهم في الإسلام، ولم ينجهم من عذاب الله وسخطه وذلك لعدم اعترافهم بلازمه،وصرفهم العبادة لغير الله.

والمتأمل في هذا الكون الهائل بأرضه وسمائه، الناظر في بره وبحره، أجرامه وكواكبه، يعلم يقيناً أنه لا يمكن أن يوجد هذا العالم إلا بموجد أوجده، حي قادر لا يعتريه الحدوث والتجدد وهو الرب جل وعلا. قال تعالى: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{10} [إبراهيم:10].

وقوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ{35} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ{36}) [الطور:35-36].

وقولـه تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ{101}) [يونس:101].

 

 الاستدلال بالآيات الكونية على الربوبية:

1-     خلق السماوات والأرض.

2-     تدبير الأمر.

3-     خلق الشمس والقمر.

4-     اختلاف الليل والنهار.

5-     ما خلق الله في السماوات والأرض.

6-     جريان الفلك في البحر.

7-     الرياح.

8-     الرزق.

9-     خلق السمع والبصر.

10-   إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي.

11-   بدء الخلق وإعادته.

 

 

 

1- خلق السماوات والأرض

قال تعالى:  (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ{3}) [يونس:3].

وقولـه تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ{31}) [يونس:31].

مما لا شك فيه أن خلق السماوات والأرض من أعظم الدلائل على ربوبية الله عز وجل فلو نظرنا إلى:

أ- السماء:

لرأينا هذا البناء الشامخ الذي ليس به خلل ولا فطور، قد رفعه الله تعالى بلا أعمدة، وزينة بالنجوم، وجعلها فيه كالمصابيح المضيئة.

قال ابن جرير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{164}) [البقرة:164]

إن الله تعالى ذكره، ونبه عباده على الدلالة على وحدانيته، وتفرده بالألوهية، دون كل ما سواه من الأشياء بهذه الآية. ا.هـ ( 5) أي آية خلق السماوات والأرض.

ب- الأرض:

وهاهي الأرض آية أخرى، دلالة ثانية على إبداع البارئ جلا وعلا، وعلى ربوبيته فقد جعلها قراراً ومستقراً لجميع الكائنات، وسخرها للإنسان، ثم اقتضت حكمته تعالى أن يجعل الجبال لها أوتاداً، ولو لم يجعل عليهاالجبال الشامخات لم تكن مستقرة كما نشاهد، ولأصبحت تتكفأ تكفؤ السفينة، فلا يمكن أن يستقر عليها بنيان أو كائن.

وتأمل في خلق هذه الأرض من جوهر التراب، ولم تكن من الذهب أو الفضة أو الياقوت .. أو غير ذلك من الجواهر النفيسة، إذ لو كانت منها لفاتت مصالح الإنسان عليها وكذلك الحيوان ( 6) .

وتأمل ما أودعها الرب تعالى من الكنوز الثمينة التي ينتفع بها الخلق في أمور معاشهم، وأهم ذلك (البترول) الذي يتدفق من باطنها ملايين الأطنان.

وتأمل العيون التي تتفجر من باطنها، على نحو لا يعلمه إلا الله تعالى، ثم انظر إلى تلك الأراضي المتجاروة، ومع ذلك فبعضها يختلف عن بعض فمنها ما يصلح للنبات والمرعى، ومنها قيعان لا تصلح لشيء من ذلك (7 ) .

وفي سورة يونس – عليه السلام – يبين الرب تعالى، ويلفت أنظار العباد إلى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ولاشك أن ذلك من دلائل ربوبيته، وألوهيته وأنه الإله المستحق للعبادة، ولذلك قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ{3}) [يونس:3].

ويقول أيضاً: (إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ{6}) [يونس:6].

ويقول جل ذكره في سورة النحل: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{3}) [النحل:3].

ويقول تعالى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{10}) [إبراهيم:10].

إلى غير ذلك من الآيات التي لوتتبعتها لطال المقام، وكلها تشير إلى عظيم خلق السماوات والأرض، وما خلق فيها الله تعالى من عظيم الآيات وبين المعجزات الدالة على ربوبيته.

 

2- تدبير الأمر:

قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ{3}) [يونس:3].

وقوله تعالى: ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ{31}) [يونس:31].

إن تدبير الأمر في هذا العالم لمن آيات الله الباهرة. فمن الذي سخر الشمس أن تطلع صباحاً وتغرب مساءً؟! ومن الذي أجرى القمر في فلك معين لا يحيد عنه قيد أنملة؟! ومن الذي أجرى الأفلاك بما لا يعلم كنهه إلا خالقه؟! ومن الذي أحيا وأمات؟! وأوجد من العدم؟! وأغنى وأفقر؟! ومن الذي أنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها؟! ومن الذي أخرج لنا من الأرض ثمرات مختلفاً ألوانها مع تساوي التربة والغذاء؟! من الذي يدبر أمر السماء والأرض ..؟! إنه بلا شك ولا ريب الله سبحانه وتعالى، وهو مع هذا لا يشغله شأن عن شأن، بل هو محيط بعلم كل شيء ليس معه شريك ولا ند.

قال تعالى: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ{2}) [الرعد:2].

قال الإمام الشوكاني في تفسير قوله تعالى: (يدبر الأمر):

"قيل يبعث الأمر، وقيل ينزل الأمر، وقيل يأمر به ويمضيه، واشتقاقه من الدبر، والأمر الشأن، وهو أحوال ملكوت السماوات والأرض والعرش وسائر الخلق" ( 8) .

وإذا كان الرب جل وعلا هو مدبر جميع أمور الدنيا والمعاش فله الحق في تدبير أمور الآخرة، وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتشريع الشرائع، فلا أحد غيره يستحق أن يتفرد بتلك الأمور العظيمة.

 

3- خلق الشمس والقمر:

وهاهي آية خلق الشمس والقمر، آية أخرى، ودلالة عظيمة على ربوبية الله عز وجل، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{5}) [يونس:5].

ونستطيع أن نعدد بعض الآيات الباهرات في خلق الشمس والقمر لنرى عظمة الرب تعالى في خلق هذين النيرين.

فمن الآيات: طلوع الشمس وغروبها على نمط معين، وكذلك القمر بنظام دقيق، لا يتخلف ولا يعتريه اضطراب.

وتأمل ماذا سيحصل لو طال النهار ولم تغرب الشمس، أو العكس فلو حصل ذلك لأحرقت الشمس ما على الأرض من نبات، ولو حصل العكس لتجمد كل ما على الأرض (9 ) .

قال تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ{39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{40}) [يس:38-40].

ومن الآيات ما احتوته الشمس في خلقها من الآيات الباهرات حيث "يبلغ قدر الشمس كما أثبته العلم الحديث حوالي (864000) ميل ويبلغ وزنها حوالي (ألفي بليون بليون طن) وكلها مكونة من الغازات الملتهبة الشديدة السخونة، وذراتها الغازية الملتهبة تتجول داخل الشمس بحرية مطلقة .. وتتحمل الشمس ما يقع عليها من هصر بسبب تفجير الطاقة النووية فوق ما يخطر بالبال، أو يتصوره العقل البشري. إن ذلك الطوفان الطاغي من تفجير النَّوى يرفع درجة حرارة الشمس إلى ما لا يقل عن (14 مليون درجة مئوية) وتسخن هذه الحرارة لا كرتنا الأرضية فحسب بل تسخن جميع المجموعة الشمسية" ( 10) .

ومن الآيات أيضاً ما يخزن من أشعة الشمس في النبات بواسطة ما يسمى (عملية التمثيل الغذائي) في النبات حيث يتم تصنيع الغذاء في الورقة الخضراء بواسطة أشعة الشمس، وبإيقادنا لهذه الأجزاء الشجرية تنطلق الطاقة المخزونة.

وقد تتحول هذه الطاقة إذا طمرت وتراكمت إلى فحم حجري، أو بترول ( 11) ، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ{80}) [يس:80].

ومن الآيات أيضاً في خلق القمر تقدير منازله، فهو أقرب الأجرام إلى الأرض، وقطره (3478 ك.م)، وهو يدور حول الأرض ببطء، ولـه كل ليلة منزل، وعدد منازله ثمانية وعشرون منزلاً، ويمكن رؤيته في جميع المنازل عدا ليلة أو ليلتين فيحتجب فيها عن الأنظار ( 12) .

وفي هذا حكمة عظيمة بيّنها جل وعلا في قوله: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{5}) [يونس:5].

وقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{189}) [البقرة:189].

4- اختلاف الليل والنهار:

إن في اختلاف الليل والنهار، وفي تعاقبهما لآية عظيمة لمن ألقى السمع وهو شهيد، ولهذا أكثر الله تعالى من ذكرها في القرآن العظيم، في آيات كثيرة، وبأساليب متنوعة.

قال تعالى: (إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ{6}) [يونس:6].

ويقول تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{19}) [آل عمران:190].

وقوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62})  [الفرقان:62].

وقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ{23}) [الروم:23].

فتأمل كيف جعل الله سبحانه وتعالى الليل سكناً تسكن فيه الخلائق، وجعل النهار لخروجهم وطلبهم الرزق في الأرض، فكيف كان الحال لو جعل الله تعالى النهار سرمداً، بلا ليل نسكن فيه؟

وتأمل لو جعل الله الليل سرمداً إلى يوم القيامة، كيف سيكون حالنا، والظلام يغطي الكون وأمور معاشنا متوقفة، ولهذا نبه الله سبحانه عباده إلى التأمل والنظر في هذه الآية بقوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ{71} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{72})  [القصص:71-72] .

لاشك أن ذلك آية على ربوبيته جل وعلا ( 13) .

وآية أخرى في النوم الذي لا يستطيع أحدٌ تفسيره، والوقوف على حقيقته، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يعيش الإنسان دون أن ينام ( 14) .

كما ثبت طبياً الفرق الكبير بين نوم الليل، ونوم النهار، إذ إن نوم الليل لـه فوائد صحية، وينال الجسم فيه راحته بعيداً عن الضوضاء والصخب (15 ) .

ومن الآيات أيضاً تعاون الليل والنهار على تحقيق مصالح الخلق. مع اختلافهما، وما بينها من التضاد، وهذه كلها آيات على ربوبية الخالق سبحانه وتعالى (16 ) .

 

5- ما خلق الله في السماوات والأرض:

قال تعالى: (إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ{6}) [يونس:6].

وهذه آية أخرى، وماذا عساك أن تحيط به مما خلق الله في السماوات والأرض؟! قال تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ{101}) [يونس:101].

أولاً: الدلائل السماوية:

من كواكب، وأفلاك، وأحوال المطر، والرعد، والبرق، والصواعق .. وغير ذلك مما هي آيات بينات على خالقها ومدبرها سبحانه وتعالى.

فتأمل تلك الكواكب العظيمة، التي تفوق حجم الأرض آلاف المرات، بل قد تبدو الأرض بالنسبة لها كحبة الرمل، ولاشك أن عظمتها تدل على عظمة خالقها سبحانه (17 ) .

وتأمل كذلك النجوم الزاهرة التي زين الله بها السماء الدنيا فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ{6}) [الصافات:6] ، ومع ذلك فهم يهتدون بها في ظلمات البر والبحر، ويستدلون بها على القبلة، ولهم فيها منافع أخرى. " وهذه الكواكب مختلفة في صفات كثيرة فبعضها سيارة، وبعضها ثابتة، والثوابت بعضها في المنطقة وبعضها في القطبين، وأيضاً الثوابت لامعة والسيارة غير لامعة، وأيضاً بعضها كبيرة درية عظيمة الضوء، وبعضها خفيفة قليلة الضوء" (18 ) وهذه النجوم والكواكب متباعدة بعضها عن بعض بمسافات هائلة، لا تحسب إلا بالسنة الضوئية ( 19) ، وهناك عدد كبير من النجوم لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.

ثم تأمل المطر النازل من السماء على شكل نقط صغيرة، لا تؤذي من سقطت عليه، ثم تتحول إلى أنهار وينابيع، عذبة طيبة المذاق (20 ) .

ومن الآيات في خلقه أيضاً كونه سبباً لحياة الأحياء، قال تعالى:

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ{30}) [الأنبياء:30].

كما جعله سبحانه من الأسباب في رزق العباد قال جل ذكره:

(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{22}) [الذاريات:22] .

ومن الآيات أيضاً ذلك السحاب المحمل بكميات هائلة من الماء، ومن ذلك يظل معلقاً بين السماء والأرض إلى أن يأذن الله تعالى بنزوله، وهذا من أعظم الآيات (21 ) ، وتأمل هذا الماء الساقط تجده عذباً حلواً، فإذا خالط مياه البحار والمحيطات عاد مالحاً، وهذا من الحكم العظيمة الباهرة، إذ لو كان ماء البحر عذباً لصعب على الكائنات الحية من أسماك وغيرها أن تعيش فيه، وذلك بسبب العفونة والفساد الذي ينشأ من القاذورات الساقطة فيه، فلما كان مالحاً، صار وطناً صالحاً لما يعيش فيه من كائنات حية وما يستخرج منه من منافع. وتأمل حال البرق، والرعد، والصواعق، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ{12} وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ{13} لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ{14}) [الرعد:12-14].

فهذه من الآيات العظيمة الكثيرة، لم تأملها بعين البصيرة والتفكر، فهاهو البرق ضياء لامع، بارق يكاد يخطف الأبصار، وقد ذكر العلماء بأن له علاقة وثيقة بتسميد التربة، وتغذية النبات، وذلك بزيادة مركبات النتروجين فيها، وهو عبارة عن شحنات كهربائية يتم تفريغها بقدرة الله وعظمته، وعند التفريغ نسمع صوت الصواعق (22 ) .

فلنتأمل: هذه الشحنات الكهربائية ما مصدرها؟! وكيف تكونت؟! وما الذي جعل فيها هذه القوة؟! وما هو هذا التيار الكهربائي الذي لا نرى إلا آثاره؟! لاشك أنها عظمة الله تعالى.

ثانياً: الدلائل الأرضية:

بما في ذلك من أحوال النبات والحيوان والبحار والمعادن .. فتأمل أحوال النبات وما فيه من عيب صنع الله، إذ يسقى بماء واحد، ومع ذلك اختلفت ألوانه، وتباينت أشكاله، وتفاوت طعمه فهذا عنب، وهذا تمر، وهذا زيتون .. فسبحان الخالق الذي أتقن كل شيء خلقه ( 23) .

قال تعالى: (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{4}) [الرعد:4].

قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{99}) [الأنعام:99].

وتأمل ما خلق الله تعالى من أنواع الحيوانات، فمنها ما يركب ومنها ما يحلب، ومنها ما يتغذى عليه، ومنها ما يحرس الإنسان وغير ذلك ما هو آية دالة على خالقه تبارك وتعالى (24 ) .

وتأمل اللبن الذي يخرج طعاماً لذيذاً سائغاً للشاربين، مع أنه يخرج من بين الدم والفرث، مع اختلافه عنهما لوناً وصفة (25 ) ، قال تعالى:

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ{66}) [النحل:66] .

وانظر إلى البحار، والأنهار، والعيون وما أودعه الله فيها من عجائب الأسرار، حيث إن البحار تغطي حوالي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، ولولا إمساك الله جل وعلا الماء لطفح وغطى جميع أرجاء المعمورة ( 26) ، وتأمل الأرض، وما فيها من آيات كما سبق بيان بعض ذلك (27 ) .

لاشك أن هذه الدلائل السماوية والأرضية كلها تدل على ربوبية الله تعالى وعظمته.

 

6- جريان الفلك في البحر

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ{22}) [يونس:22].

ويقول تعالى في سورة إبراهيم: (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ{32}) [إبراهيم:32].

وقولــه تعالى في سورة الشورى: (مِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ{32}) [الشورى:32].

وهذه آية عظيمة من آيات الله، فلهذه المخلوقات خواص معينة، تجعلها تظل باقية على سطح الماء، ولو اختلفت هذه الخواص التي أودعها الله تعالى في هذه المخلوقات ما جرت السفن على الماء، ومن هذه الخواص كثافة الماء، وضغط الهواء، والتيارات المائية والهوائية، ودرجة الحرارة، وغير ذلك من الخواص التي ذكرها العلماء ( 28) وهذه الآية تدل على الربوبية من وجوه:

الأول:إن هذه السفن، وإن كانت من تركيب الناس غير أن الله تعالى خالق آلاتها، فلو لم يخلق آلاتها لم يكن هناك سفن أصلاً.

الثاني: إن الرب تعالى يحركها بواسطة الرياح التي لو سكنت، لسكنت السفن عن الحركة، كما ذكر تعالى في قوله:  ( إن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{33}) [الشورى:33] ثم إن هذه الرياح لو كانت ريحاً عاصفاً، لغرقت الفلك بمن فيها، فهذا من رحمة الله عز وجل.

الثالث: إنه عز وجل أودع هذه المواد من الخصائص، والصفات التي لو اختل ميزانها أو تغير لما استطاع أحد أن يركب البحر.

الرابع: إنه عز وجل خصَّ كل قطر من أقطار العالم بشيء معين، وأحوج الكل إلى الكل فصار ذلك داعياً إلى ركوب البحر وتحمل المشاق.

الخامس: تسخير الرب تعالى البحر لحمل السفن، مع قوة سلطانه، إذا هاج، وما فيه من أهوال.

السادس: ما في هذه البحار من الحيوانات والمخلوقات العظيمة، ومع ذلك يخلص منها السفن، ويوصلها بالسلامة ( 29) .

7- الريـاح:

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ{22}) [يونس:22] فهذه الرياح التي تملأ الكون، خلقها الرب عز وجل لحكم عظيمة وهي من آيات ربوبيته.

وهي أنواع ذكرها الله تعالى في آيات كثيرة، ومتفرقة في القرآن الكريم، بل وأقسم بها في مواضع، وذلك لشرفها، ولما فيها من بديع صنعه وكمال قدرته.

فمن أنواع الرياح، النوع الذي يسير الفلك في البحر، وهو مذكور في سورة يونس في الآية التي سبق ذكرها. والريح العاصف وهي مذكورة في الآية السابقة أيضاً. ومن أنواع الرياح أيضاً ما ذكره الله تعالى في أول سورة المرسلات – على اختلاف العلماء في تأويلها (30 ) قال تعالى:

(وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً{1} فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً{2} وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً{3} فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً{4} فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً{5}) [المرسلات:1-5] .

ومن أنواع الرياح، الرياح اللواقح التي تقوم بتلقيح الأزهار ( 31) فتكون بعد ذلك الثمار، قال تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ{22}) [الحجر:22].

وهذه الرياح كما أنها تأتي رحمة، وبشرى، فهي قد تأتي عذاباً ونقمة قال تعالى: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ{41} مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ{42}) [الذاريات:41-42].

لاشك أن هذا كله من آيات الله العظام.

8- الرزق

قال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ{31}) [يونس:31]. .

فالرزق من آيات الله العظيمة في هذا الكون، فانظر إلى رزق الأجنة في الأرحام، كيف يصل إليها عن طريق الحبل السري، وعندما تخرج من تلك الظلمات الثلاث، يفتق لها ثدي الأم فيخرج لبناً صافياً عذباً، يحوي جميع المواد الغذائية التي يحتاجها البدن، فإذا اشتد العود، نبتت الأسنان فتغذى البدن بعد ذلك على الخيرات العظيمة التي تخرج من الأرض، وكما رزق الإنسان رزق الأسماك في أعماق البحر والدود في جوف الصخر، وكذلك ساق غذاء الحشرات التي لا تكاد ترى بالأبصار، وخلق لها وسيلة التقاط الغذاء إما بالمنقار، وإما بالمخالب، أو الخراطيم كلٌ وما يناسب الخلقة التي خلقه الله عليها (32 ) ، ولهذا يقول جل ذكره: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{6}) [هود:6]. ويقول جل ذكره:  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{3}) [فاطر:3].

9- خلق السمع والبصر:

قال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ{31}) [يونس:31].

إن ما خلق الله عز وجل في هاتين الحاستين، لعالم وحده، وإن فيهما من دقيق وعجيب صنع الله، ما لا يمكن أن يخطر على بال.

وفي التعبير عنهما بالملكية مع أنه مالك لكل شيء فيه إشارة إلى أن الإنسان بهاتين الحاستين يتعلم، فهما من أظهر الحواس في الإنسان إذ بدونهما لا يمكن له المعرفة والتعلم، فهما وإن كانتا من أسباب تفضيل الإنسان، وترقيه في العلم والمعرفة، فهما تحت تصرف الرب تعالى وفي ملكيته، وهو قادر على سلبهما (33 ) .

والمتتبع لآيات القرآن الكريم يجد تقديم السمع على البصر في جميع المواطن التي ذكرت في القرآن، عدا ما جاء في سورة الكهف في قولـه تعالى: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً{26}) [الكهف:26] ومن الحكمة في هذا – والله أعلم – كما ذكرها بعض العلماء:

-      إن الآيات السمعية، إنما تدرك بالسمع دون البصر، وهي أعظم الآيات، ولذلك قدم السمع على البصر.

-      إن وظيفة السمع تبدأ قبل وظيفة الإبصار في الجنين كما ذكر ذلك الأطباء.

-      إن تعلم النطق يتم عن طريق السمع، وإذا ولد أصم فإنه يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي، بعكس البصر، فالإنسان قد يتعلم وهو أعمى، وكثير من عباقرة وأذكياء العالم كانوا عمياناً.

-      إن الأُذن تقوم بوظيفة السمع، وتقوم بوظيفة أخرى، وهي التوازن في الجسم، أما البصر فله وظيفة النظر والرؤية فقط ( 34) .

والأذن تتركب من الأذن الخارجية، والأذن الوسطى، والأذن الداخلية، وقد احتوت جميعاً على بديع خلق الله عز وجل، وعجيب صنعه، فتأمل الأذن الخارجية، كيف خلقها الله تعالى على شكل صدفة كثيرة التعاريج؟‍ لتجميع الذبذبات الصوتية وتكسر من حدتها، ثم تنقلها إلى القناة الغضروفية، ثم إلى غشاء الطبلة ثم إلى المخ فيترجمها إلى حروف وأصوات، فسبحان من أتقن كل شيء خلقه ( 35) .

ثم تأمل حاسة البصر وما فيها من دقيق الخلق فهي مكونة من ثلاث طبقات، تحوي من الأغشية، والأوعية الدموية، والأنسجة ما تحار فيه العقول، فمثلاً "العين الواحدة حوالي (140) مليون مستقبل حساس للضوء، وهي تسمى بالمخاريط والعصي، وطبقة المخاريط والعصي هذه هي واحدة من الطبقات العشرة (0.4مم). ويخرج من العين نصف مليون ليف عصبي فينقل الصورة بشكل ملون" (36 ) .

وتأمل أيضاً هذه الرموش والجفون التي تحيط بالعين، وذلك لحفظ العين ووقايتها، وانظر إلى هذه الغدة الدمعية، التي لم يخلقها الرب جل وعلا عبثاً، فقد ذكر العلماء من فوائد الدموع، تخفيف شدة الحزن، وترقيق القلب وتطهيره إذا كانت من خشية الله، بالإضافة إلى ترطيب العين وتنظيفها من الميكروبات والأتربة إذ تحوي مواد مطهرة (37 ) .

ومن الآيات أيضاً في خلق العين ما جعل الله لهذه العين من قوة الإبصار حتى في الضوء الخافت.

ومن الآيات أيضاً رؤية بعض المخلوقات لبعض الأشعة التي لا يراها الإنسان من ذلك مثلاً: رؤية النحل للأشعة فوق البنفسجية، ورؤية البومة للأشعة تحت الحمراء (38 ) ، فسبحان الخلاق العليم.

 

10- إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي:

قال تعالى:  (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ{31}) [يونس:31].

وهذا مشهد آخر من مشاهد هذا الكون، وهو مألوف لدينا، نراه ويتكرر أمامنا عشرات المرات، ولهذا تبلد الحس تجاهه، فضعف الشعور بمعاني العظمة ودلائل الربوبية فيه، وإخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي تتعدد معانيه كما ذكرها المفسرون:

فمنها: إخراج الإنسان الحي من النطفة، والعكس، وكذلك إخراج الطائر الحي من البيضة، والعكس.

ومنها: إخراج المؤمن من الكافر والعكس والمؤمن بمثابة الحي، والكافر بمثابة الميت.

ومنها إخراج النبتة الحية من البذرة الميتة ( 39) .

ولو قال قائل: إن النطفة،والبيضة، والنواة، تحتوي على مادة الحياة، كما ثبت في العلم الحديث، فالجواب على ذلك أن يقال: لنعد إلى نشأة الحياة فهل كان هناك مادة للحياة أصلاً؟ فالجواب قطعاً لا. ولا يستطيع أحدٌ الإجابة بنعم، إذ لو قال ذلك للزم الدور والتسلسل وهذا باطل.

ثم إن في حياتنا اليومية الكثير مما نشاهده دليلاً واضحاً على ذلك فمثلاً الطعام الذي يتناوله الحي أليس ميتاً؟، ومع ذلك يتكون منه المني والمبيض، ويتحول في الجسم إلى خلايا حية من جنس خلايا الجسم، فهذا إخراج الحي من الميت، وأما إخراج الميت من الحي فمثاله خروج اللبن وغيره من الحي، وهذه شبه يثيرها الملاحدة، ليشككوا في صحة الوحي وأقوالهم مردودة، كما أنه ليس شرطاً موافقة القرآن الكريم لكل نظرية علمية، فكثير من هذه النظريات التي اعتقد الناس صحتها، ثبت بطلانها ومخالفتها للواقع (40 ) .

وعلى العموم فإن ظاهرة إخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي من الدلائل الكونية، الدالة على وحدانية الرب وعلى قدرته على الخلق والإعادة.

 

11- بدء الخلق وإعادته:

قال تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{34}) [يونس:34].

ومعنى الآية "من ينشئ خلق شيء من غير أصل، فيحدث خلقه ابتداء ثم يعيده؟ يقول: ثم يفنيه بعد إنشائه، ثم يعيده كهيئته قبل أن يفنيه فإنهم لا يقدرون على دعوى ذلك ( 41) .

فمن من الآلهة المزعومة يستطيع أن يفعل ذلك؟!:    (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ{7} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ{8} قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ{9}) [فصلت:7-9].

ومما يبين ما في بدء الخلق من الآيات العظام، إن الإنسان إلى الآن لم يستطع التوصل إلى مراحل نشأة الكون، وكل نظرية تظهر تتعارض مع سابقتها، فمنهم من قال: "ترجع نشأة السيارات (الكواكب وتوابعها) حول الشمس إلى صدام مروع حدث بين الشمس ونجم هائل أدى إلى تناثر أجزاء من الشمس بالانجذاب نحو هذا النجم، وبردت تدريجياً حتى صارت صلبة، ودارت حول نفسها من هول الصدام" ( 42) وهذه هي ما يعرف بنظرية التصادم، وظهرت بعدها نظرية أخرى تعرف بنظرية المدَّ الغازي، وتنص على: "أن مسألة انفصال الكواكب عن الشمس شيء سليم، ولكن ليس بالتصادم، وإنما تم الانفصال أثناء مرور نجم قريباً ( 43) من الشمس وجذبه إياها .." ( 44) .

وهناك نظريات أخرى تدل على مدى تخبط الإنسان وجهله في معرفة حقائق هذا الكون (45 ) . وتأمل في بدء الإنسان: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{21} [الذاريات:21] فقد بدأ خلقه من نطفة مهينة، لو تركت شيئاً من الوقت خارج الجسم لفسدت، فانظر كيف حفظها الباري، وأكمل خلقها حتى خرجت في أحسن تقويم، وهذه النطفة عبارة عن خلية واحدة نشأت من اتحاد الحيوان المنوي عند الذكر مع البويضة عند الأنثى، فنتج عن ذلك "الأمشاج" أي البويضة الملقحة، ثم تأمل ما يحصل لها من التطورات، حيث يزداد عدد الخلايا، وفي خلال خمسة أيام أو أسبوع تعلق بجدار الرحم في النصف العلوي منه، ثم تتوالى مراحل نمو الجنين متتابعة ( 46) كما صورها الله تعالى في القرآن الكريم في آيات كثيرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{5}) [الحج:5].

 وقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ{12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ{13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}) [المؤمنون:12-14] .

وفي الحديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكاً يقول: يا رب: نطفة. يا رب: علقة.    يا رب: مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ وما الأجل؟ فيكتب في بطن أمه" (47 ) وتأمل هذا الدم الذي يجري في عروقك، وما هي محتوياته؟ التي من ضمنها كريات الدم الحمراء التي ذكر العلماء بأنك لو وضعتها في صف بجانب بعض لأحاطت بالأرض (5-6) مرات، وتقطع في عروق البدن مسافة تصل حوالي 1150كم (48 ) "ويستهلك الجسم من خلايا (125) مليون خلية في الثانية الواحدة .. وبنفس الوقت يتشكل ويتركب نفس العدد من خلايا تقريباً .." ( 49) لاشك أن هذا كله يدلنا على الخالق العظيم، فسبحان من خلق فسوى، وقَدّر فهدى، لاشك أن من قدر على البدء قادر على الإعادة من باب أولى إذا اقترن الإيمان بالربوبية، بالإيمان بالبعث.

قال تعالى: (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{56}) [يونس:56].

وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ{116}) [التوبة:116].

والواقع أن دلائل الكون شاهدة بوجود الرب تعالى، وربوبيته، وهذا لا ينكره إلا الملاحدة، حتى الحيوانات تشهد بذلك، فهاهو الهدهد يستدل على صحة توحيده بإخراج الله تعالى الخبء وهو الماء من السماء والأرض.

ويخاطب سليمان – عليه السلام – بأعظم التوحيد في قوله تعالى:  (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ{25} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{26}) [النمل:25-26] ويستدل بذلك أيضاً على أن معرفة الله تعالى فطرية لا تحتاج إلى نظر أو استدلال.

 

 

ــــــــــــــــ

(1)   انظر اقتضاء الصراط المستقيم، ص464-465، ومدارج السالكين (3/449).

(2)   لسان العرب: مادة (ربب) وهو من كلام أحمد بن يحيى (1/399).

(3)   عبدالرحمن بن محمد بن عبيدالله الأنصاري، أبو البركات كمال الدين الأنباري: من علماء اللغة والأدب وتاريخ الرجال كان زاهداً عفيفاً .. سكن بغداد وتوفي فيها، الأعلام (3/327).

(4)   لسان العرب: (1/400-401).

(5)   جامع البيان لابن جرير (2/62).

(6)   انظر التبيان في أقسام القرآن لابن القيم، (ص186).

(7 )   انظر: المرجع السابق، (ص176)، ومفتاح دار السعادة لابن القيم (1/221).

( 8)   فتح القدير للشوكاني (2/423).

( 9)   انظر العلم يدعو للإيمان، أكريسي موريسون ص55، والله جل جلاله لسعيد حوى،ص40.

(10)   سبعون برهاناً عملياً على وجود الذات الإلهية (1/133).ٍ

(11 )   انظر كتاب التوحيد للزاندني (2/141).

( 12)   انظر تفسير المراغي (4/68)، وسبعون برهاناً على وجود الذات الذات الإلهية

(1/117).

( 13)   انظر مفتاح دار السعادة (1/203).

( 14)   أجرى د. (هارولد ويليامز) تجربة ملخصها أنه "قام بتجربة .. على جماعة مكونة من خمسة وعشرين رجلاً تطوعوا بالبقاء مستيقظين فترات تصل إلى مائة ساعة، أي أكثر من أربعة أيام. ودلت التجربة على أنه لم تطرأ عليهم أعراض خطر خلال اليومين الأولين .. ولكن المتاعب بدأت بعد يومين فقد تبين للمتطوعين أن أصبح من الصعب عليهم أن يركزوا انتباههم، وأصبحوا سريعي التهيج بدأ بعضهم يرى صور الأشياء مزدوجة، كما عانوا أيضاً من هلوسة غريبة .." ثقافة طبية (ص14)، نقلا عن كتاب سبعون برهاناً (1/128).

( 15)   انظر مع الطب في القرآن، (ص105-106).

(16 )   انظر تفسير الفخر الرازي (4/215).

( 17)   انظر العقيدة في الله، د. عمر الأشقر، (ص145).

( 18)   تفسير الفخر الرازي (13/106).

( 19)   السنة الضوئية حوالي: "6 مليون مليون وهي المسافة التي يقطعها الضوء في عام" هندسة النظام الكوني في القرآن، ص16.

( 20)   انظر المرجع السابق، ص15-16، وص 24، وكتاب التوحيد للزنداني (2/134).

(21 )   انظر تفسير الفخر الرازي (4/219).

( 22)   انظر: سبعون برهاناً علمياً (1/163-164، 171)، وانظر الله والكون د. محمد جمال (ص156، 159).

( 23)   انظر كتاب التوحيد للشيخ عبدالمجيد الزنداني (1/33).

( 24)   انظر مفتاح دار السعادة (1/206).

( 25)   انظر التفسير القرآني لقرآن لعبدالكريم الخطيب (14/321).

( 26)   انظر مفتاح دار السعادة (1/204)، وسبعون برهاناً (2/286-272).

( 27)   انظر ص(14-15).

( 28)   انظر تفسير الآيات الكونية د. عبدالله شحاتة، (217)، وطريق الإيمان لسميح عاطف، ص59.

(29 )   انظر تفسير الرازي (4/218).

( 30)   انظر تفسير ابن كثير (7/189).

( 31)   انظر جامع البيان (14/20، 22).

( 32)   انظر تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (12/12-13)، والإيمان للزنداني وآخرين، ص42-44.

( 33)   انظر التفسير القرآني للقرآن (11/100).

(34 )   انظر قطر الولي على حديث الولي للشوكاني ص439، ومع الطب في القرآن،

ص53-54.

(35 )   انظر تفصيل ذلك في كتاب خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد البار، ص324.

( 36)   مع الطب في القرآن، ص41.

( 37)   انظر خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص340 وانظر 338-339.

(38 )   انظر العقيدة في الله، د. عمر الأشقر، ص138.

( 39)   انظر زاد المسير (1/370).

( 40)   انظر فيما سبق: تفسير المنار (11/356-357)، ومجلة الأزهر العدد 8 شوال

1396هـ ص (1281-1282)، ومع الطب في القرآن، ص55.

( 41)   جامع البيان (11/115).

(42 )   هندسة النظام الكوني في القرآن، ص116.

( 43)   كذا بالأصل والصحيح قريب.

( 44)   المرجع السابق، ص117.

( 45)   انظر المرجع السابق، ص118.

( 46)   انظر خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص195، وما بعدها.

(47 )   رواه البخاري في كتاب الحيض، باب مخلقة وغير مخلقة رقم: 312 (1/121)، ورواه في كتاب الأنبياء باب قولـه تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" رقم: 3150 (3/1213) عن مسدد بنحوه، ورواه مسلم في كتاب القدر باب كيفية الخلق لآدمي في بطن أمه رقم: 2646 (4/2038)، واللفظ لمسلم.

( 48)   انظر مع الطب في القرآن، ص39.

(49 )   المرجع السابق، ص40.