بسم الله الرحمن الرحيم

تقريب واختصار  الرسالة التدمرية

 

: تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، لشيخ الإسلام ابن تيمية المتوفي سنة (728 هـ) - رحمه الله تعالى

 

-         أسباب تأليف التدمرية: أمران:
أ) أن شيخ الإسلام سُئل ممن تعينت إجابتهم بأن يكتب لهم مضمون ما سمعوه منه في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات وفي الشرع والقدر.
ب) أهمية ما سألوا عنه بسبب:
- لمسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين.
-كثرة الاضطراب فيهما
-حاجة كل أحد لهما..
-أن أهل النظر والعلم والإرادة والعبادة لابد أن يخطر فهم في ذلك من الخواطر والأقوال ما يحتاجون معه إلى بيان الهدى من الضلال.

·       ما يعتري القلوب في ذلك من الشبه التي توقعها في أنواع الضلالات.-

 كلامه في هذه الرسالة مبنياً على أصلين:
الأصل الأول: توحيد الصفات، قدم له مقدمة

ثم ذكر أصلين شريفين ومثلين مضروبين وخاتمة جامعة اشتملت على سبع قواعد يتبين بها ما قرره في مقدمة هذا الأصل.
الأصل الثاني: توحيد العبادة المتضمن للإيمان بالشرع والقدر جميعاً..

 

* الفرق بين الكلام في التوحيد والصفات وبين الكلام في الشرع والقدر

الكلام في التوحيد والصفات

هو من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات، أي أنه مما أخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم به، فيجب تصديقه ويحرم تكذيبه،

 و الكلام في الشرع والقدر هو من باب الطلب الذي يجب اتباعه والعمل به،

 

2-أنه لا بد للعبد في باب التوحيد والصفات أن يثبت لله ما يجب إثباته من صفات الكمال وينفي عنه ضده.
أما في الشرع والقدر فلا بد للعبد أن يثبت خلقه (قدره) المتضمن كمال قدرته وعموم مشيئته.
وأن يثبت أمره (شرعه) المتضمن ما يحبه ويرضاه من القول والعمل


3-أن التوحيد والصفات يتضمن التوحيد في العلم والقول، كما دلت عليه سورة( الصمد)
أما توحيد الشرع والقدر فيتضمن التوحيد في القصد والإرادة والعمل كما دلت عليه سورة (الكافرون)

 

ماهي طريقة السلف في إثبات الصفات؟
 والأصل في توحيد الصفات أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، وينفى عنه سبحانه ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وإذا كان كذلك فلا بد للعبد أن يثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال، وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال، ولا بد له في أحكامه من أن يثبت خلقه وأمره، فيؤمن بخلقه المتضمِّن كمال قدرته، وعموم مشيئته، ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من القول والعمل، ويؤمن بشرعه وقدره إيماناً خالياً من الزلل

أن الله سبحانه وتعالى بعث رسله (بإثبات مفصل ونفي مجمل)
وهي قاعدة أغلبية وإلا قد يأتي الإثبات مجمل والنفي مفصل.
فمن شواهد الإثبات المفصل آية ( الكرسي بكاملها) وقوله ( هو الأول والآخر ..) الآية. (قل هو الله أحد)
ومن شواهد الإجمال في النفي

 ( ليس كمثله شيء)

 ( ولم يكن له كفوا أحد)


مذهب غلاة الفلاسفة والقرامطة الباطنية:

وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات فغلاتهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين وهذا ممتنع في بداهة العقول وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول فوقعوا في شر مما فروا منه فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات ((مجموع الفتاوى)) (3/ 7 – 8)

 

 

مذهب المعتزلة في الصفات:

 
وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم ; فأثبتوا لله الأسماء دون ما تتضمنه من الصفات - فمنهم من جعل العليم والقدير ; والسميع ; والبصير ; كالأعلام المحضة المترادفات ومنهم من قال عليم بلا علم قدير بلا قدرة سميع بصير بلا سمع ولا بصر فأثبتوا الاسم دون ما تضمنه من الصفات

 

 

بيان الأصلين والمثلين والخاتمة

الأصل الأول :

القول في بعض الصفات كالقول في بعض وفي هذا رد على الأشاعرة ونحوهم .

الأصل الثاني : القول في الصفات كالقول في الذات ، وهذا رد على الجهمية والمعتزلة ونحوهم .

قول الإمام مالك رحمه الله : ( الاستواء معلوم .والكيف مجهول .والإيمان به واجب.والسؤال عنه بدعة)

أي معلوم المعنى من حيث اللغة فنزل بها القرآن .

(الكيف مجهول ) لأن الله لم يخبرنا عن كيفية استوائه, ولأن العلم بكيفيه الصفة فرع عن العلم بكيفية الموصوف ، وهو ذات الله ولأن الشيء لا تعلم كيفيته إلا بمشاهدته أو مشاهدة نظيره أو الخبر الصادق عنه .

(الإيمان به واجب ) لأن الله أخبر به عن نفسه .

(السؤال عنه بدعة ) يعني كيفية الاستواء لأن الصحابة لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أن السؤال عنه تنطع

أما المثلان :

المثل الأول :

نعيم الجنة / قد أخبرنا الشرع أن فيها طعاما وشرابا ، وهذا موافق لما في الدنيا من حيث المعنى لأن القرآن نزل بلغة العرب ، ولكنه مخالف له في الحقيقة لقوله تعالى [فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ] {السجدة:17} فإذا أظهر التباين بين المخلوقات كان بينها وبين الخالق أظهر وأولى .

فائدة : انقسم الناس في مقام الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر إلى ثلاث فرق وهي:

الأولى : السلف / فآمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر .

الثانية : أهل الكلام / آمنوا بما أخبر به عن اليوم الآخر ولم يؤمنوا بما أخبر به عن نفسه.

الثالثة : القرامطة والباطنية والفلاسفة لا يؤمنون بشيء من ذلك ، وهم أهل التخييل فيتخيلون ذلك ، وكذا تخيلوا في المأمورات والمنهيات فقالوا المراد بالصلاة : معرفة أسرارهم وبالحج السفر إلى شيوخهم .

المثال الثاني :

الروح التي بها الحياة .

فالفلاسفة عطلوها بقولهم لا هي داخل البدن ولا خارجه ولا تصعد ولا تهبط ,وطريق المتكلمين فيها تمثيل فجعلوها البدن أو صفة من صفات البدن , وقد جاء الوحي بوصفها بأوصاف من أنها تُقبض وتصعد ولا يُنْكَر وجودها حقيقة .

فإذا كانت العقول قاصرة عن كنهها وحقيقتها كما قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85

كان عجز أهل العقول عن أن يحدوا الله أو يكيفوه أبين من عجزهم عن حد

الروح وتكيفها

 

 

الخاتمة :

تشتمل على سبع  قواعد  

القاعدة الأولى‏:
‏‏ أن الله سبحانه موصوف بالإثبات والنفي، فالإثبات كإخباره بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك، والنفي؛ كقوله ‏{‏‏لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏‏.
‏‏ وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال، إلا إذا تضمن إثباتًا وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال، لأن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل‏:‏ ليس بشيء، فضلًا عن أن يكون مدحًا أو كمالا ولان النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال‏.‏ فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات مدح كقوله‏:‏ ‏{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏}‏‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏‏.
‏‏ فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام، فهو مبين لكمال أنه الحي القيوم وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏‏.
‏‏ أي لا يكرثه ولا يثقله، وذلك مستلزم لكمال قدرته، وتمامها بخلاف المخلوق القادر، إذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة، فإن هذا نقص في قدرته، وعيب في قوته، وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ‏}‏‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 3‏]‏ فان نفي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السموات والأرض، وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ‏}‏‏ ‏[‏ق‏:‏ 38‏]‏‏.
‏‏ فإن نفي مس اللغوب الذي هو التعب والإعياء دل على كمال القدرة ونهاية القوة بخلاف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلال ما يلحقه، وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 103‏]‏‏.
‏‏ إنما نفي الإدراك الذي هو الإحاطة، كما قاله أكثر العلماء ولم ينف مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يرى وليس في كونه لا يرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحًا وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رئي، كما أنه لا يحاط به، وإن علم فكما أنه إذا علم لا يحاط به علمًا‏:‏ فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية، فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحًا وصفة كمال، وكان ذلك دليلًا على إثبات الرؤية لا على نفيها لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة، وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها،

القاعدة الثانية‏:‏
أن ما أخبر به الرسول عن ربه، فإنه يجب الإيمان به سواء عرفنا معناه، أو لم نعرف، لأنه الصادق المصدوق، فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها، مع أن هذا الباب يوجد عامته منصوصًا في الكتاب والسنة، متفق عليه بين سلف الأمة، وما تنازع فيه المتأخرون نفيًا وإثباتًا، فليس على أحد بل ولا له أن يوافق أحدًا على إثبات لفظه أو نفيه؛ حتى يعرف مراده فإن أراد حقًا قبل، وإن أراد باطلًا رد، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يقبل مطلقًا، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ، ويفسر المعنى، كما تنازع الناس في الجهة والتحيز وغير ذلك، فلفظ الجهة قد يراد به شيء موجود غير الله، فيكون مخلوقا، كما إذا أريد بالجهة نفس العرش، أو نفس السموات، وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى، كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم، ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه، كما فيه إثبات العلو، والاستواء، والفوقية، والعروج إليه، ونحو ذلك‏.‏ وقد علم أن ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق مباين للمخلوق سبحانه وتعالى، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته‏.

 

القاعدة الثالثة:

إذا قال القائل‏:‏ ظاهر النصوص مراد، أو ظاهرها ليس بمراد، فإنه يقال‏:‏ لفظ الظاهر فيه إجمال واشتراك، فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم، فلا ريب أن هذا غير مراد، ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرها، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفرًا وباطلًا، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر، أو ضلال،

والذين يجعلون ظاهرها ذلك، يغلطون من وجهين‏:‏ تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ، حتى يجعلوه محتاجًا إلى تأويل يخالف الظاهر ولا يكون كذلك، وتارة يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ لاعتقادهم أنه باطل فالأول كما قالوا في قوله‏:‏ ‏(‏عبدي جعت فلم تطعمني‏)‏ الحديث

فهو في الصحيح مفسرًا‏:‏ ‏(‏يقول الله عبدي جعت فلم تطعمنى فيقول‏:‏ رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين‏؟‏ فيقول‏:‏ أما علمت أن عبدي فلانًا جاع، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي‏.‏ عبدي مرضت فلم تعدني، فيقول‏:‏ رب كيف أعودك وأنت رب العالمين‏؟‏ فيقول‏:‏ أما علمت أن عبدي فلانًا مرض، فلو عدته لوجدتني عنده‏)‏ وهذا صريح في أن الله سبحانه لم يمرض، ولا يجع، ولكن مرض عبده وجوع عبده فجعل جوعه جوعه، ومرضه مرضه، مفسرًا ذلك بأنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، ولو عدته لوجدتني عنده، فلم يبق في الحديث لفظ يحتاج إلى تأويل، وأما قوله ‏(‏قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن‏)‏، فإنه ليس في ظاهره أن القلب متصل بالأصابع، ولا مماس لها، ولا أنها في جوفه، ولا في قول القائل هذا بين يدي ما يقتضي مباشرته ليديه، وإذا قيل‏:‏ السحاب المسخر بين السماء والأرض، لم يقتض أن يكون مماسًا للسماء والأرض، ونظائر هذا كثيرة،

 

القاعدة الرابعة:

وهو أن كثيرًا من الناس يتوهم في بعض الصفات أو كثير منها، أو أكثرها أو كلها أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه؛ فيقع في أربعة أنواع من المحاذير‏:‏
أحدها‏:‏ كونه مثل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل‏.
‏‏ الثاني‏:‏ أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطله بقيت النصوص معطلة، عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله‏.
‏‏ فيبقى مع جنايته على النصوص، وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله‏.‏ حيث ظن أن الذي يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل‏.‏
قد عطل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى‏.
‏‏ الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم، فيكون معطلا لما يستحقه الرب‏.‏
الرابع‏:‏ أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات أو صفات المعدومات، فيكون قد عطل به صفات الكمال التي يستحقها الرب، ومثله بالمنقوصات والمعدومات، وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات‏.
‏‏ فيجمع في كلام الله، وفي الله بين التعطيل والتمثيل؛ يكون ملحدًا في أسماء الله وآياته، مثال ذلك أن النصوص كلها دلت على وصف الإله بالعلو والفوقية على المخلوقات واستوائه على العرش، فأما علوه ومباينته للمخلوقات فيعلم بالعقل الموافق للسمع، وأما الاستواء على العرش فطريق العلم به هو السمع، وليس في الكتاب والسنة وصف له بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينه ولا مداخله، فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش، كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، كقوله‏:‏ ‏{‏‏وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ‏}‏‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 12‏]‏‏.‏
‏{‏‏لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ‏}‏‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 13‏]‏‏.‏
فيتخيل له أنه إذا كان مستويًا على العرش كان محتاجًا إليه، كحاجة المستوي على الفلك والأنعام، فلو غرقت السفينة لسقط المستوي عليها، ولو عثرت الدابة لخر المستوي عليها، فقياس هذا أنه لو عدم العرش؛ لسقط الرب سبحانه وتعالى، ثم يريد بزعمه أن ينفي هذا؛ فيقول‏:‏ ليس استواؤه بقعود ولا استقرار ولا يعلم أن مسمى القعود والاستقرار، يقال فيه ما يقال في مسمى الاستواء، فإن كانت الحاجة داخلة في ذلك‏:‏ فلا فرق بين الاستواء والقعود، والاستقرار، وليس هو بهذا المعنى مستويا ولا مستقرا ولا قاعدا، وإن لم يدخل في مسمى ذلك، إلا ما يدخل في مسمى الاستواء، فإثبات أحدهما ونفي الآخر تحكم، وقد علم أن بين مسمى الاستواء والاستقرار والقعود فروقا معروفة‏.‏
ولكن المقصود هنا أن يعلم خطأ من ينفي الشيء، مع إثبات نظيره، وكان هذا الخطأ من خطئه في مفهوم استوائه على العرش، حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك، وليس في هذا اللفظ ما يدل على ذلك، لأنه أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة، كما أضاف إليه سائر أفعاله وصفاته، فذكر أنه خلق؛ ثم استوى، كما ذكر أنه قدر فهدى، وأنه بنى السماء بأيد، وكما ذكر أنه مع موسى وهارون يسمع ويرى، وأمثال ذلك‏.
‏‏ فلم يذكر استواء مطلقا يصلح للمخلوق، ولا عاما يتناول المخلوق، كما لم يذكر مثل ذلك في سائر صفاته، وإنما ذكر استواء إضافة إلى نفسه الكريمة فلو قدر على وجه الفرض الممتنع أنه هو مثل خلقه تعالى عن ذلك، لكان استواؤه مثل استواء خلقه، أما إذا كان هو ليس مماثلا لخلقه، بل قد علم أنه الغني عن الخلق، وأنه الخالق للعرش، ولغيره وأن كل ما سواه مفتقر إليه، وهو الغني عن كل ما سواه، وهو لم يذكر إلا استواء يخصه، لم يذكر استواء يتناول غيره، ولا يصلح له كما لم يذكر في علمه وقدرته ورؤيته وسمعه وخلقه، إلا ما يختص به فكيف يجوز أن يتوهم أنه إذا كان مستويًا على العرش كان محتاجًا إليه، وأنه لو سقط العرش لخر من عليه‏!‏‏!‏‏.
‏‏ سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا، هل هذا إلا جهل محض وضلال، ممن فهم ذلك وتوهمه أو ظنه، ظاهر اللفظ ومدلوله، أو جوز ذلك على رب العالمين الغني عن الخلق؛ بل لو قدر أن جاهلًا فهم مثل هذا وتوهمه لبين له أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلًا، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه،

 

القاعدة الخامسة:

 أَنَّا نَعْلَمُ مَا أُخْبرنَا بِهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ،

فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)، وَقَالَ: ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ)،

وَقَالَ: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)،

وَقَالَ: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، فَأَمَرَ بِتَدَبُّرِ الْكِتَابِ كُلِّه.
وَقَدْ قَالَ: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الْأَلْبَابِ).
وَجُمْهُورُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ)، وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهمْ، وَرُوِيَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: تَفْسِيرٌ تَعْرِفُه الْعَرَبُ مِنْ كَلاَمِهَا، وَتَفْسِيرٌ لاَ يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَفْسِيرٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ مَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَطَائِفَةٍ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ، وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ: عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ أَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْ تَفْسِيرِهَا.
وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، فَإِنَّ لَفْظَ " التَّأْوِيلِ " قَدْ صَارَ بِتَعَدُّدِ الِاصْطِلاَحَاتِ مُسْتَعْمَلًا فِي ثَلاَثَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ اصْطِلاَحُ كَثِيرٍ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِه أَنَّ التَّأْوِيلَ: هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إِلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ لِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَنَاهُ أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ فِي تَأْوِيلِ نُصُوصِ الصِّفَاتِ وَتَرْكِ تَأْوِيلِهَا، وَهَلْ هَذَا مَحْمُودٌ أَوْ مَذْمُومٌ، وَحَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ؟
الثَّانِي: أَنَّ التَّأْوِيلَ بِمَعْنَى التَّفْسِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلاَحِ مُفَسِّرِي الْقُرْآنِ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَمْثَالُه مِنَ المُصَنِّفينَ فِي التَّفْسِيرِ: "وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ التَّأْوِيلِ". وَمُجَاهِدٌ إِمَامُ الْمُفَسِّرِينَ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا جَاءَك التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ. وَعَلَى تَفْسِيرِهِ يَعْتَمِدُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهمْ - فَإِذَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَعَلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِهِ.
الثَّالِثُ: مِنْ مَعَانِي التَّأْوِيلِ - هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي يُؤَوَّلُ إِلَيْهَا الْكَلاَمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ).
فَتَأْوِيلُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ الْمَعَادِ هُوَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ، مِمَّا يَكُونُ مِنَ القِيَامَةِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ لمَّا سَجَدَ أَبَوَاهُ وَأُخْوَتُه: ( وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَايَ مِنْ قَبْلُ) فَجَعَلَ عَيْنَ مَا وَجَدَ فِي الْخَارِجِ هُوَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا.

 

القاعدة السادسة:

بيان الضابط الذي يعرف به ما يجوز على تعالى مما لا يجوز في باب الأسماء والصفات.

الضابط الذي تعرف به صفات الله سبحانه وتعالى عن طريق

السمع ومعناه

 ان يوصف الله بماوصف به نفسه ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم مما صح نقله نفيا وإثباتا.

ويبنى عليه طريق عقلي ومعناه:

 أن يوصف الله بكل كمال على وجه الكمال وان ينزه عن كل نقص اتصف به المخلوق لا نقص فيه فالخالق اولى بالاتصاف به.

 

 

مفهوم التشبيه عند نفاة الصفات:

 

-

يفرق بين لفظ التشبيه والتمثيل‏.‏ وذلك أن المعتزلة ونحوهم من نفاة الصفات يقولون‏:‏ كل من أثبت لله صفة قديمة فهو مشبه ممثل، فمن قال‏:‏ إن لله علما قديمًا أو قدرة قديمة، كان عندهم مشبهًا ممثلا؛ لأن القدم عند جمهورهم هو أخص وصف الإله، فمن أثبت له صفة قديمة فقد أثبت لله مثلا قديمًا، ويسمونه ممثلا بهذا الاعتبار ‏... ". وفيه من شبه المعتزلة أن إثبات الصفات يستلزم تعدد القديم .

 

تحقيق الكلام في اللفظ المشترك:

 

كل صفة من صفات الكمال فهو متصف بها على وجه لا يماثله فيه أحد؛ ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها إثبات ما وصف به نفسه من الصفات، ونفي مماثلته بشيء من المخلوقات‏.
‏‏ فإن قيل‏:‏ إن الشيء إذا شابه غيره من وجه جاز عليه ما يجوز عليه من ذلك الوجه، ووجب له ما وجب له، وامتنع عليه ما امتنع عليه‏.‏
قيل‏:‏ هب أن الأمر كذلك، ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع على الرب سبحانه، ولا نفي ما يستحقه لم يكن ممتنعًا، كما إذا قيل‏:‏ إنه موجود حي عليم سميع بصير، وقد سمى بعض المخلوقات حيًا سميعًا عليمًا بصيرًا‏.‏ فإذا قيل‏:‏ يلزم أنه يجوز عليه ما يجوز على ذلك من جهة كونه موجودًا حيًا عليما سميعًا بصيرًا‏.
‏‏ قيل‏:‏ لازم هذا القدر المشترك ليس ممتنعًا على الرب تعالى، فإن ذلك لا يقتضي حدوثًا ولا إمكانًا، ولا نقصًا ولا شيئًا مما ينافي صفات الربوبية‏.‏
وذلك أن القدر المشترك هو مسمى الوجود أو الموجود، أو الحياة أو الحي، أو العلم أو العليم، أو السمع أو البصر، أو السميع أو البصير، أو القدرة أو القدير، والقدر المشترك مطلق كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر، فلم يقع بينهما اشتراك لا فيما يختص بالممكن المحدث، ولا فيما يختص بالواجب القديم، فإن ما يختص به أحدهما يمتنع اشتراكهما فيه‏.‏
فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركا فيه صفة كمال، كالوجود والحياة، والعلم والقدرة، ولم يكن في ذلك شيء مما يدل على خصائص المخلوقين، كما لا يدل على شيء من خصائص الخالق، لم يكن في إثبات هذا محذور أصلًا، بل إثبات هذا من لوازم الوجود، فكل موجودين لابد بينهما من مثل هذا، ومن نفي هذا لزمه تعطيل وجود كل موجود‏.‏
ولهذا لما اطلع الأئمة على أن هذا حقيقة قول الجهمية سموهم معطلة، وكان جهم ينكر أن يسمى الله شيئًا، وربما قالت الجهمية‏:‏ هو شيء لا كالأشياء، فإذا نفي القدر المشترك مطلقًا لزم التعطيل العام‏.‏
والمعاني التي يوصف بها الرب تعالى كالحياة، والعلم والقدرة، بل الوجود والثبوت، والحقيقة ونحو ذلك تجب لوازمها، فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم، وخصائص المخلوق التي يجب تنزيه الرب عنها ليست من لوازم ذلك أصلا، بل تلك من لوازم ما يختص بالمخلوق من وجود وحياة، وعلم ونحو ذلك‏.‏
والله سبحانه منزه عن خصائص المخلوقين وملزومات خصائصهم‏.‏
وهذا الموضع من فهمه فهمًا جيدًا وتدبره، زالت عنه عامة الشبهات، وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام‏.

 

 

فساد الاعتماد في ضابط النفي مجرد التشبيه أو التجسيم:

لا يصح الاعتماد في ضابط النفي على مجرد نفي التشبيه وأنه طريق فاسد، فإن أفسد منه ما يسلكه بعض الناس حيث يعتمدون فيما ينفى عن الله تعالى على نفي التجسيم والتحيز... ونحو ذلك، فتجدهم إذا أرادوا أن يحتجوا على من وصف الله تعالى النقائص من: الحزن، والبكاء، والمرض والولادة... ونحوها يقولون له: لو اتصف الله بذلك لكان جسماً، أو متحيزاً، وهذا ممتنع، هذه حجتهم عليه!
وهذه طريقة فاسدة لا يحصل بها المقصود لوجوه:
الأول: أن لفظ "الجسم" و "الجوهر" و "التحيز" ونحوها عبارات مجملة مشتبهة لا تحق حقاً، ولا تبطل باطلاً، ولذلك لم تذكر فيما وصف الله وسمى به نفسه؛

 

ص -91-         لا نفياً ولا إثباتاً، لا في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يسلكه أحد من سلف الأمة وأئمتها، وإنما هي عبارات مبتدعة أنكرها السلف والأئمة.
الثاني: أو وصف الله تعالى بهذه النقائض أظهر فساداً في العقل والدين من وصفه بالتحيز والتجسيم، فإن كفر من وصفه بهذه النقائص معلوم بالضرورة من الدين، بخلاف التحيز والتجسيم لما فيهما من الاشتباه والخفاء.
وإذا كان وصف الله تعالى بهذه النقائص أظهر فساداً من وصفه بالحيز والجسم، فإنه لا يصح الاستدلال بالأخفى على الأظهر؛ لأن الدليل مبين للمدلول ومثبت له فلابد أن يكون أبين وأظهر منه.
الثالث: أن من وصفوه بهذه النقائص يمكنهم أن يقولوا نحن نصفه بذلك، ولا نقول بالتجسيم والتحيز كما يقوله من يثبت لله صفات الكمال مع نفي القول بالتجسيم والتحيز، فيكون كلام من يصف الله بصفات الكمال ومن يصفه بصفات النقص واحداً، ويبقى الرد عليهما بطريق واحد وهو أن الإثبات مستلزم للتجسيم والتحيز، وهذا في غاية الفساد والبطلان.
والرابع: أن الذين اعتمدوا في ضابط ما ينفى عن الله على نفي التجسيم والتحيز نفوا عن الله تعالى صفات الكمال بهذه الطريقة. واتصاف الله تعالى بصفات الكمال واجب ثابت بالسمع والعقل؛ فيكون كل ما اقتضى نفيه باطلاً بالسمع والعقل، وبه يتبين فساد تلك الطريقة وبطلانها.
الخامس: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون، فكل من أثبت شيئاً ونفى غيره ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات، وكل من نفى شيئاً واثبت غيره ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي.
مثال ذلك: أن من أثبتوا لله تعلى الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع

القاعدة السابعة:

أَنْ يُقَالَ : إنَّ كَثِيرًا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ " السَّمْعُ " يُعْلَمُ " بِالْعَقْلِ "

وَالْقُرْآنُ يُبَيِّنُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْعَقْلُ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ ؛ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : بَيَّنَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : مَا أَرْشَدَ الْعِبَادَ إلَيْهِ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ؛ كَمَا بَيَّنَ أَيْضًا مَا دَلَّ عَلَى نُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ ؛ وَمَا دَلَّ عَلَى الْمُعَادِ وَإِمْكَانِهِ فَهَذِهِ الْمَطَالِبُ هِيَ شَرْعِيَّةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ : - مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّارِعَ أَخْبَرَ بِهَا .

وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ بَيَّنَ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَيْهَا وَالْأَمْثَالُ الْمَضْرُوبَةُ فِي الْقُرْآنِ هِيَ " أَقْيِسَةٌ عَقْلِيَّةٌ " وَقَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَهِيَ أَيْضًا عَقْلِيَّةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَيْضًا

مثال:

الأمثال المضروبة في القرآن:

قوله تعالى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ }

 فهذا مثال للموحد وللمشرك فالموحد السلم لرجل والمشرك الذي فيه شركاء متشاكسون

 فهنا استدل على وحدانيته سبحانه وتعالى  بمثل مضروب  )

\وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ مِنْ " صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى " مَا قَدْ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ كَمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عَالِمٌ وَأَنَّهُ قَادِرٌ وَأَنَّهُ حَيٌّ ؛ كَمَا أَرْشَدَ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ }

الأصل الثاني ‏[‏وهو التوحيد في العبادات‏]‏‏.
‏‏ المتضمن للإيمان بالشرع والقدر جميعًا
‏.
‏‏ فنقول‏:‏ لا بد من الإيمان بخلق الله وأمره فيجب الإيمان بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله وقد علم ما سيكون قبل أن يكون وقدر المقادير وكتبها حيث شاء كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرض إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}‏‏ ‏[‏الحج‏:‏ 70‏]‏‏.
‏‏ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على

 الماء‏"‏‏‏.

مراتب الإيمان بالقدر

العلم:وأنه العليم بكل شيء فلا تخفى عليه خافية، يعلم ما كان قبل كونه وما لم يكن لوكان كيف يكون، علم ما العباد فاعلون

الكتابة:وكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض، فإنه لا يكون إلها المشيئة:وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا تحول للخلق من حال إلى حال ولا قوة لهم إلا به .

الخلق الإيمان بربوبية الله الشاملة وأنه خالق كل شيء ومليكه.

 

ولا يكون المعبود مستحقا للعبادة إلا من كان خالقا رازقا مالكا متصرفا مدبرا لجميع الأمور حيا قيوما سميعا بصيرا عليما حكيما موصوفا بكل كمال منزها عن كل نقص غنيا عما سواه، مفتقرا إليه كل ما عداه، فاعلا مختارا لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، ولا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، ولا تخفى عليه خافية.

الإسلام بمعناه العام والخاص:

فأمر الرسل بإقامة الدين وأن لا يتفرقوا فيه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد ، والأنبياء إخوة لعلات وإن أولى الناس بابن مريم لأنا ‏;‏ إنه ليس بيني وبينه نبي"‏‏‏,‏ وهذا الدين هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينًا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام قال الله تعالى عن نوح ‏{‏‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ‏}‏‏ ‏[‏يونس‏:‏ من الآية71‏]‏‏.‏
إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏وأمرت أن أكون من المسلمين }‏‏ ‏.
‏‏ وقال عن إبراهيم‏:‏ ‏{‏‏وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ }‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية130‏]‏‏.‏
إلى قوله ‏‏‏{‏‏إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏131-132‏]‏‏.‏
إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية‏:‏ 132‏]‏‏.
‏‏ وقال عن موسى‏:‏ ‏{‏‏وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ‏}‏‏ ‏[‏يونس‏:‏ 84‏]‏‏.‏
وقال في خبر المسيح‏:‏ ‏{‏‏وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}‏‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 111‏]‏‏.
‏وقال فيمن تقدم من الأنبياء‏:‏ ‏{‏‏يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}‏‏ ‏[‏المائدة‏:‏ من الآية‏:‏ 44‏]‏‏.‏
وقال عن بلقيس أنها قالت‏:‏ ‏{‏‏رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}‏‏ ‏[‏النمل‏:‏ من الآية‏:‏ 44‏]‏‏.
‏‏ فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده‏;‏ فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده‏.

‏‏فإن الاستسلام لله لا يتم إلا بالإقرار بما له على عباده من حج البيت ‏;‏ كما قال صلى الله عليه وسلم " ‏‏بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ‏,‏ وإقام الصلاة ‏,‏ وإيتاء الزكاة ‏,‏ وصوم رمضان ‏,‏ وحج البيت"‏‏ ولهذا لما وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة أنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}‏‏ ‏[‏المائدة‏:‏ من الآية‏:‏ 3‏]‏‏.‏
وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا‏؟‏ ‏[‏وهو نزاع لفظي‏]‏‏.‏
فإن الإسلام الخاص الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن‏:‏ ليس عليه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبيا فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء ورأس الإسلام مطلقا شهادة أن لا إله إلا الله وبها بعث جميع الرسل كما قال تعالى‏:‏‏{‏‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}‏‏ ‏[‏النحل‏:‏ من الآية‏:36‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏‏{‏‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏‏ ‏[‏الأنبياء‏

مسمى التوحيد عند أهل الكلام:

 عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم أن الخلق الإيمان بربوبية الله الشاملة وأنه خالق كل شيء ومليكه.

يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع فيقولون هو واحد في ذاته لا قسيم له وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث وهو توحيد الأفعال وهو أن خالق العالم واحد وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب وأن هذا هو معنى قولنا لا اله إلا الله حتى يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع

وكذلك أهل الفلسفة والطبع والنجوم الذين يجعلون أن بعض المخلوقات مبدعة لبعض الأمور هم مع الإقرار بالصانع يجعلون هذه الفاعلات مصنوعة مخلوقة لا يقولون إنها غنية عن الخالق مشاركة له في الخلق فأما من أنكر الصانع فذاك جاحد معطل للصانع كالقول الذي أظهر فرعون

وزاد عليهم غلاة الفلاسفة والقرامطة فنفوا أسماءه الحسنى وقالوا من قال إن الله عليم قدير عزيز حكيم فهو مشبه ليس بموحد وزاد عليهم غلاة الغلاة وقالوا لا يوصف بالنفي و لا الإثبات لأن في كل منهما تشبيها له وهؤلاء كلهم وقعوا من جنس التشبيه فيما هو شر مما فروا منه فإنهم شبهوه بالممتنعات والمعدومات والجمادات فرارا من تشبيههم بزعمهم له بالأحياء

وطائفة من أهل التصوف والمعرفة يقررون هذا التوحيد مع إثبات الصفات فيفنون في توحيد الربوبية مع إثبات الخالق للعالم المباين لمخلوقاته وآخرون يضمون هذا إلى نفي الصفات فيدخلون في التعطيل مع هذا وهذا شر من حال كثير من المشركين

 الرد عليهم

فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا فيه ما هو حق وفيه ما هو باطل ولو كان جميعه حقا فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم به في القرآن وقاتلهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بل لا بد أن يعترفوا أنه لا إله إلا الله وليس المراد بالإله هو القادر على الاختراع كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلين حيث ظن أن الإلهية هي القدرة على الاختراع دون غيره وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا هو فإن المشركين كانوا يقرون بهذا وهم مشركون كما تقدم بيانه بل الإله الحق هو الذي يستحق بأن يعبد فهو إله بمعنى مألوه لا إله بمعنى آله والتوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له والإشراك أن يجعل مع الله إلهًا آخر وإذا تبين أن غاية ما يقرره هؤلاء النظار أهل الإثبات للقدر المنتسبون إلى السنة إنما هو توحيد الربوبية وأن الله رب كل شيء ومع هذا فالمشركون كانوا مقرين بذلك مع إنهم مشركون وكذلك طوائف من أهل التصوف والمنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد وأن يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا سيما إذا غاب العارف بموجوده عن وجوده وبمشهوده عن شهوده وبمعروفه عن معرفته ودخل في فناء توحيد الربوبية بحيث يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلما فضلا عن أن يكون وليا لله أو من سادات الأولياء

فهؤلاء المتصوفون الذين يشهدون الحقيقة الكونية مع إعراضهم عن الأمر والنهي، شر من القدرية المعتزلة ونحوهم‏.‏
أولئك يشبهون المجوس وهؤلاء يشبهون المشركين، الذين قالوا‏:‏ ‏{‏‏لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 148‏]‏ ، والمشركون شر من المجوس‏.
‏‏ فهذا أصل عظيم،على المسلم أن يعرفه، فإنه أصل الإسلام الذي يتميز به أهل الإيمان من أهل الكفر، وهو الإيمان بالوحدانية والرسالة‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله‏.‏
وقد وقع كثير من الناس في الإخلال بحقيقة هذين الأصلين، أو أحدهما، مع ظنه أنه في غاية التحقيق والتوحيد، والعلم والمعرفة‏.‏
فإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء،ومليكه وخالقه، لا ينجيه من عذاب الله، إن لم يقترن به إقراره بأنه لا إله إلا الله، فلا يستحق العبادة أحد إلا هو، وأن محمدًا رسول الله، فيجب تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، فلا بد من الكلام في هذين الأصلين‏:‏

 

الأصل الأول‏:‏ توحيد الإلهية‏:‏
فإنه سبحانه أخبر عن المشركين كما تقدم بأنهم أثبتوا وسائط بينهم وبين الله، يدعونهم ويتخذونهم شفعاء بدون إذن الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرض سُبْحَانَهُ وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}‏‏ ‏[‏يونس‏:‏ 18‏]‏‏.
فأخبر أن هؤلاء الذين اتخذوا هؤلاء شفعاء مشركون‏

ومن تحقيق التوحيد‏:‏ أن يعلم أن الله تعالى أثبت له حقًا لا يشركه فيه مخلوق، كالعبادة والتوكل، والخوف والخشية، والتقوى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إلهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً‏}‏‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 22‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ }‏‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 2‏]‏‏.
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}‏‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 11‏]‏‏.
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}‏‏ إلى قوله‏:‏ {‏‏الشاكرين}‏‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 64-66‏]‏‏.
وكل من الرسل يقول لقومه‏:‏ ‏{‏‏اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ‏}‏‏ ‏[‏هود‏:‏ 61‏]‏‏.‏
وقد قال تعالى في التوكل‏:‏ ‏{‏‏وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}}}‏ ‏[‏المائدة‏

الأصل الثاني‏:‏ حق الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏
فعلينا أن نؤمن به ونطيعه ونتبعه، ونرضيه ونحبه ونسلم لحكمه، وأمثال ذلك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ‏}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 80‏]‏‏.
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ‏}‏‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 62‏]‏‏.
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ}‏‏ ‏[‏التوبة24‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 65‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}‏‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 31‏]‏‏.
وأمثال ذلك‏.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الثالث (العقيدة)

تم تلخيص الرسالة بحمد الله وفضله.

تيسيرا على طلبة العلم في فهمها وجمع أصولها وأهم مسائلها.

أسأل الله أن يجعلها علما نافعا خالصا لوجهه تعالى.

 

 

تلخيص وتقريب الرسالة التدمرية

جمع وترتيب /الفقيرة الى عفو ربها القدير

قذلة بنت محمد آل حواش القحطاني

مع تصرف يسير في بعض العبارات

في 28 /11 /1434هـ:

 

 



طبعت هذه الرسالة عدة مرات منها :ـ
1 ـ في مطبعة الإمام في مصر بتصحيح وتقديم الشيخ محمد زهري النجار سنة (1386هـ) .
2 ـ في المطبعة السلفية بمصر سنة (1387هـ) .
3 ـ طبعة المكتب الإسلامي بدمشق وهي مصورة من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية .
4 ـ طبعة المطابع الأهلية للأوفست في الرياض سنة (1396هـ) ، وهي مصورة عن طبعة المكتب الإسلامي .
5 ـ طبعة شركة العبيكان للطباعة والنشر في الرياض سنة (1405هـ) بتحقيق الشيخ الدكتور محمد بن عودة السعوي ، نال بتحقيق هذا الكتاب درجة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ كلية أصول الدين سنة (1399هـ) وهي أحسن طبعات هذه الرسالة .
6 ـ طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
7 ـ طبعة المطبعة الحسينية المصرية سنة (1325هـ) ومعها " الحيدة " لعبد العزيز الكناني و"عقيدة السلف" لأبي عثمان الصابوني .
8 ـ كما طبعت دون ذكر اسم المطبعة ولا تاريخ الطبع ، ويليها ألفية الحديث للعراقي في مجلد .
9 ـ ضمن فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع وترتيب الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه الشيخ محمد المطبوع في مطابع الرياض سنة (1381هـ) المجلد الثالث من ص (1) إلى ص(129

شروحها:
1 ـ " التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية " ، تأليف الشيخ فالح بن مهدي بن سعد آل مهدي الدوسري المتوفي سنة (1392هـ) رحمه الله تعالى  .
2 ـ " تقريب التدمرية" لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
3 ـ " شرح العقيدة التدمرية " تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك
الشروح المسجلة :
 ـ شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في (20) شريطاً ..
 ـ شرح فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك في (40) شريطاً .
 ـ شرح فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن عبد اللطيف آل عبد اللطيف في (37) شريط