تنتابنا مشاعر القلق والحزن عندما نعلم بطلاق أختٍ عزيزةٍ.. وربما اجتاحتها هي أيضاً نوبة من الأسى والاكتئاب والعزلة, ولا شك أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله, والإسلام درأ أسبابه بشتى الطرق والأساليب التي تحول دون اللجوء إليه ...

لكن أقول : إذا سدت الطرق ونفذت وسائل الإصلاح والتوفيق بين الزوجين.. فهنا يكون الطلاق هو الحل الأخير .. بل لعله يكون فرجاً.. فهاهي أختٌ عزيزةٌ يأتيها نبأ طلاقها فتسجد شكراً لله الذي يسر أمر فكاكها.. وهاهي أخرى تدفع مالها لتطلب من القضاء الفسخ.. وثالثة تتصل لتبشر أقاربها بالطلاق!!

ولتعلم المرأة المسلمة أن ما اختاره الله لها فيه الخير, وقد يحزن العبد على أمر فيه هلاكه وفتنته.. وإليكِ أختي المطلقة بعض الحِكم العظيمة والأسرار الخفية فيما أصابك ونزل بك.. وكما يقول الشاعر:

          العبد ذو ضجر والرب ذو قدر ..والدهر ذو دول والرزق مقسوم

           والخير أجمع فيما اختار خالقنا .. وفي اختيار سواه اللؤم والشؤم

ومن هذه الحكم :-

-       أنه قضاء وقدر, قدره الله وشاءه قبل أن يخلقك فلابد من الرضا بالقدر وهذا ركن من أركان الإيمان.

-       يقول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- لقد تركتني هؤلاء الدعوات، وما لي في شيء من الأمور كلها أرب، إلا في مواقع قدر الله، وكان كثيرا ما يدعو: اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته. ولا تأخير شيء عجلته.

-       وقال بعض السلف: ذروا التدبير والاختيار تكونوا في طيب من العيش فإن التدبير والاختيار يكدر على الناس عيشهم.

ومن الحكم: تفريغ القلب لله, وصدق اللجوء له.

ومن الحكم: حصول الرضا والصبر على أقدار الله فتحقق المحبة والإخلاص لأن المحبة والإخلاص والإنابة لا تقوم إلا على ساق الرضا.

ومنها: سلامة الدين فأحياناً تقع المرأة في فتنة عظيمة ومصيبة في دينها حين تعجز عن القيام بحق زوجها أو الصبر عليه لسوء خلقه أو لعدم محبتها له أو لعدم التوافق وصعوبة الالتقاء فهنا تطلب الطلاق لنجاة دينها كما قالت الصحابية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ( إني أكره الكفر في الإسلام).

ومنها: حصول السعة والفرج يقول الله تعالى (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) (النساء:130) .

يقول ابن سعدي- رحمه الله- يغني الزوج بزوجة خير له منها , ويغنيها من فضله وان انقطع نصيبها من زوجها فإن رزقها المتكفل بأرزاق جميع الخلق القائم بمصالحهم ولعل الله يرزقها زوجاً خيراً منه..أ.هـ

فهو الحكيم الذي يعطي بحكمه ويمنع بحكمه..

فقد يعوضها الله بعوض عظيم لم يخطر على بالها وهذا العوض قد يكون إما زوجاً آخر خير من الأول كما في شأن أم سلمة - رضى الله عنها - حين قالت :( اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها ) فأخلف الله عليها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما أعظمه من خلف!!

وقد يكون الخلف راحة وطمأنينة تجدها بعد اليأس من هذه الحياة البئيسة مع هذا الزوج!!

وقد يكون انصرافاً إلى ما هو خير من ذلك من تعليم العلم ونشره ومن حفظ القرآن الكريم والانشغال به أو التفرغ للدعوة وأعمال البر والخير, وهذا رأيناه كثيراً من أخوات نذرن أنفسهن لدين الله وبذلن لذلك أوقاتهن وراحتهن بعيداً عن الحقوق الزوجية التي عجزت عن القيام بها.

وقد يكون خلفاً في ذريتها فترزق من البر والعناية والاهتمام من أولادها ما لم تكن تحظى به لو لم يحصل الطلاق.

 ومن هنا أقول لكل مطلقة : اصنعي من الليمون عصيراً حلو المذاق, وتفاءلي, وانطلقي في إرضاء ربك ومولاك, الذي خلقك وهو معك ولو تخلى عنك الخلق , واجعلي من هذه المصيبة عزيمة وقوة في قلبك ويقين بما كتب الله عليكِ, وأسدلي عليها ستار الماضي واحفظي لسانك عن ذكر معايب شخص لم تعد تربطك به رابطة, واحفظي لسنوات العشرة حقها , وتذكري قوله تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:21)

وانهجي نهج مريم -عليها السلام- عندما اتهمت بالزنا فأمسكت لسانها وقالت (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً) (مريم:26)

وايقنت بأن الله سيدافع عنها , فكان لها ذلك.

وإن كان لك أولاد فلا يسمعوا منك في أبيهم ما يكرهون, ولا تحمليهم ذنب غيرهم , وثقي أن الله حافظهم ومتوليهم, كما حفظك وحفظهم وانتم نطف في بطون أمهاتكم.. وهذا كله يرجع لقوة الإيمان في القلب .. وصدق اليقين.. وهذا غالباً تظهر آثاره في أوقات المحن والمصائب.. .

أسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق ويرزقنا الصدق والإخلاص.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.