1 بدون عنوان

 

الدكتورة /قذلة بنت محمد آل حواش القحطاني

ضمن برنامج نحو تدبر أفضل2

12شعبان عام 1437

المقام بمعهد معلمات القرآن بشرق الرياض

رابط الموقع الرسمي

رابط الموقع الرسمي

www.d-gathla.com

بسم الله الرحمن الرحيم
منزلة العلم بأسماء الله وصفاته

قالَ الإمام المبجَّل ابن قيِّم الجوزيَّة (ت: 751هـ) ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ ـ في كتابه النَّفيس «الفوائد»: «مَنْ أرادَ عُلُوَّ بُنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدَّة الاِعتناء به، فإنَّ عُلُوَّ البُنيان على قدر توثيق الأساس وإحكام، فـ«الأعمال والدَّرجات» بُنيان وأساسها الإيمان، ومتى كان الأساس وثيقًا حمل البُنيان واعْتلى عليه.


وإذا تهدَّم شيء مِنَ البُنيان سَهُلَ تداركه، وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البُنيان ولم يثبت، وإذا تهدَّم شيء مِنَ الأساس سقط البُنيان أو كاد.


فالعارف همّته تصحيح الأساس وإحكامه، والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بُنيانه أنْ يسقط. قالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ ﴿التَّوبة: 109﴾. فالأساس لبناء الأعمال كالقوَّة لبدن الإنسان، فإذا كانت القوَّة قويَّة حملت البدن ودفعت عنهُ كثيرًا مِنَ الآفات، وإذا كانت القوَّة ضعيفة ضَعُفَ حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء، فاحمل بُنيانك على قوَّة أساس الإيمان، فإذا تشعَّث شيء مِنْ أعالي البناء وسطحه كانَ تداركه أسهل عليك مِنْ خراب الأساس.

وهذا الأساس أمران: صحَّة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته.


والثَّاني: تجريد الاِنقياد لهُ ولرسوله دونَ ما سواه، فهذا أوثق أساس أسَّس العبد عليه بُنيانه، وبحسبه يعتلي البناء ما شاء.

فاحكم الأساس، واحْفظ القوَّة، ودُم على الحمية، واسْتفرغ إذا زاد بك الخلط، والقصد القصد وقد بلغت المراد، وإلَّا فما دامت القوَّة ضعيفة والمادَّة الفاسدة موجودة والاِستفراغ معدومًا:


فاقر السَّلام على الحياة فإنَّها قد آذنتك بسرعة التَّوديع، فإذا كَمُلَ البناء فبيِّضه بحُسن الخُلق والإحسان إلى النَّاس، ثمَّ حطه بسُور مِنَ الحذر، لا يقتحمه عدوّ، ولا تبدو منه العورة، ثمَّ ارخ السُّتور على أبوابه، ثمَّ أقفل الباب الأعظم بالسُّكوت عمَّا تخشى عاقبته، ثمَّ ركّب لهُ مفتاحًا مِنْ ذكر الله به تفتحه وتغلقه، فإنْ فتحت فتحت بالمفتاح وإنْ أغلقت الباب أغلقته به، فتكون حينئذٍ قد بنيت حصنًا تحصَّنت فيهِ مِنْ أعدائك إذا طافَ بهِ العدوّ لم يجد منهُ مدخلاً فييأس منك.


ثمَّ تعاهد بناء الحصن كل وقت، فإنَّ العدوّ إذا لم يطمع في الدُّخول مِنَ الباب نقَّب عليك النُّقوب مِنْ بعيد بمعاول الذُّنوب، فإنْ أهملت أمره وصل إليك النُّقب، فإذا العدوّ معك في داخل الحصن فيصعب عليك إخراجه؛ وتكون معه على ثلاث خلال:

إمَّا أنْ يغلبك على الحصن، ويستولي عليه.


وإمَّا أنْ يساكنك فيه.

وإمَّا أنْ يشغلك بمقابلته عَنْ تمام مصلحتك، وتعود إلى سدّ النّقب ولم شعث الحصن.


وإذا دخل نقبه إليك نالكَ منهُ ثلاث آفات: «إفساد الحصن»؛ و«الإغارة على حواصله وذخائره»، و«دلالة السُّراق مِنْ بني جنسه على عورته»، فلا يزال يبلى منه بغارة بعد غارة حتَّى يضعفوا قواه ويُوهنوا عزمه فيتخلَّى عَنِ الحصن ويُخلي بينهم وبينه!.



قال تعالى : { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } [ الحديد : 3 ] .
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( اللهم أنت الأول ، فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ... ))
فإن اللَّه هو الأول فلم يسبقه شيءٌ ، وكل شيء دونه إنما هو من خلقه ومن ثمرة أفعاله ومن آثار أسمائه وصفاته .
قال ابن القيم رحمه اللَّه : وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده ، فوجود من سواه تابع لوجوده ، تبع المفعول المخلوق لخالقه ، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه ، فالعلم بأسمائه تبارك وتعالى وإحصاؤها أصل لسائر العلوم ، فمن أحصى أسماءَه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم ؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم ؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها
 ومن أمثلة ذلك :
الأصل في الخلق أن اللَّه هو (( الخالق )) ، فلا يوجد خلقٌ غير خلقه ، ولا يوجد خالق سواه . قال تعالى : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الرعد : 16 ] .
والأصل في الرزق أن اللَّه هو الرزَّاق . قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذاريات : 58 ] . فهو الرزَّاق ولا رازق سواه ، وكل رزق إنما هو رازقه ، وما من عطاءٍ إلا وهو الذي أعطاه ، قال تعالى على لسان نبيه موسى : { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [ طه : 50 ] .
والأصل في الرحمة أن اللَّه تبارك وتعالى هو الرحمن والرحيم ، فكل رحمة مشتقة من رحمته

وكتاب الله فيه الدعوة إلى معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا ، وبيان ما يترتب على هذه المعرفة من الآثار الحميدة والنهايات الرشيدة والمآلات الطيبة

يقول الله تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180] ،

ويقول الله تعالى: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110] ، ويقول الله تعالى: { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [طه:8] ، ويقول الله جل وعلا: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الحشر:22–24] .

إن من مقامات دين الإسلام العظيمة ومنازله العلية الرفيعة معرفةَ الرب العظيم والخالق الجليل بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا وما تعرَّف به إلى عباده في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل إنّ هذا أساسٌ من أسس الدين العظيمة ، وأصل من أصول الإيمان المتينة ، وقِوام الاعتقاد وأصلُه وأساسُه .

وما أعظمَه من مقام وما أجلَّها من منزلة وما أعلاها من رتبة حين يعرف المخلوق خالقه وربه وسيده وموجده

ومولاه ، فيتعرف على عظمته وجلاله وجماله وكبريائه ، ويتعرف على أسمائه الحسنى وصفاته العلا»فقه الأسماء الحسنى ص16

حقيقة دعوة الرسل

وفي هذا يقول العلَّامة ابن القيِّم:  «إنَّ دعوة الرسل تدور على ثلاثة أمور: تعريف الربِّ المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله، الأصل الثاني: معرفة الطريقة الموصلة إليه، وهي ذكره وشكره وعبادته التي تجمع كمال حبّه وكمال الذلّ له، الأصل الثالث: تعريفهم ما لهم بعد الوصول إليه في دار كرامته من النعيم الذي أفضله وأجله رضاه عنهم وتجلّيه لهم ورؤيتهم وجهه الأعلى وسلامه عليهم وتكليمه إياهم»[«الصواعق المرسلة» (4/1489)].
معرفة الله هي الطريق للعبودية الحقة

 

        قال أبو القاسم التيمي الأصبهاني في بيان أهمية معرفة الأسماء الحُسنى : قال بعض العلماء : أول فرض فرضه اللهُ على خلقه معرفته ، فإذا عرَفه الناس عبدوه ، وقال تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } [ محمد : 19

ومتى كان العبد عارفًا بربِّه محبًّا له قائما بعُبُوديَّته ممتثلا أمره مبتعدا عن نواهيه؛ تحقّق له بهذه المعرفة والعبودية اللتين هما غاية الخلق والأمر كمالَ الإنسان المرجو وسموَّه المنشود، بل «ليست حاجة الأرواح قطّ إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها ومحبَّتِه وذكرِه والابتهاج به، وطلبِ الوسيلة إليه والزُّلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلَّا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد، والله ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه»

[«الكافية الشافية» (ص/3 ـ 4)].

من أعظم أسباب دخول الجنة


لمن عرفها وآمن بها وأدَّى حقَّها . فعن أبي هريرة (( رضي اللَّه عنه )) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (( لله تسعةٌ وتسعون اسمًا مائة إلاَّ واحدة لا يحفظها أحدٌ إلا دخل الجنة )). وفي رواية : (( من أحصاها دخل الجنة "
ثانيًا : الأسماء الحسنى تعرِّفك باللَّه عزَّ وجلَّ :
عن أبي بن كعب رضي اللَّه عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ

الأسماء الحسنى أعظم الأسباب لإجابة الدعاء :
قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] .
فدعاء الله بأسمائه الحسنى هو أعظم أسباب إجابة الدعوة وكشف البلوة ، فإنه يرحم ؛ لأنه الرحمن ، الرحيم ، ويغفر ؛ لأنه الغفور ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل اللَّه بأسمائه الحُسنى ويتوسل إليه بها ، فكان يقول : (( أسألك بكل اسم هو لك ، سمَّيت به نفسك ، أو علَّمته أحدًا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي ... ))
وقد دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسجد ، فسمع رجلاً يقول : اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت اللَّه لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد الذي لم يَلد ولم يُولد ولم يكن له كفوًا أحد . فقال : (( لقد سألت اللَّه بالاسم الذي إذا سُئِل به أعطى ، وإذا دُعي به أجاب )) . وفي رواية فقال : (( والذي نفسي بيده ، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِي به أجاب ، وإذا سُئِل به أعطى )) . وفي رواية لأحمد : أنه سمع رجلاً يقول بعد التشهد : اللهم إني أسألك يا اللَّه الأحد الصمد ، الذي لم يَلد ولم يُولد ولم يكن له كفوًا أحد أن تغفر لي ذنوبي ، إنك أنت الغفور الرحيم . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( قد غُفِرَ له ، قد غُفِرَ له )). ثلاثًا

معرفة الله سبب صلاح القلوب

فمعرفة الله تقوِّي جانب الخوف والمراقبة وتعظم المحبة والرجاء في القلب، وتزيد في إيمان العبد، وتثمر أنواع العبادة، وبها يكون سير القلب إلى ربه وسعيُه في نيل رضاه أسرعَ من سير الرياح في مَهابِّها، لا يلتفت يمينا ولا شمالا، والتوفيق بيد الله، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله.

فهي غاية مطالب البرية، وهي أفضل العلوم وأعلاها، وأشرفها وأسماها، وهي الغاية التي شمَّر إليها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون، وجرى إليها المتسابقون، وإلى نحوها تمتد الأعناق، وإليها تتجه القلوب الصحيحة بالأشواق، وبها يتحقق للعبد طيب الحياة «فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبدالرزاق البدر

«فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلبه إلَّا بمعرفة فاطره ومحبته وعبادته وحده والإنابة إليه والطّمأنينة بذكره والأُنس بقربه، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كلَّه، ولو تعوَّض عنها بما تعوض من الدنيا، بل ليست الدنيا بأجمعها عوضا عن هذه الحياة، فمِنْ كلِّ شيءٍ يفوت عوضٌ، وإذا فاته الله لم يُعوِّض عنه شيءٌ البتَّة» [«الجواب الكافي» لابن القيِّم (ص/132 ـ 133)].

سبب لمحبة الله

إن اللَّه يحب من أحب أسماءَه الحسنى :
عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سَريَّة ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم بـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ )) فسألوه ، فقال : (( لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحبُّ أن أقرأ بها )) . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أخبروه أن الله يحبه )).
وفي حديث آخر ، قال الرجل : إني أحبها . فقال : (( حُبُّك إياها أدخلك الجنة )).

سبب لتفريج  الكروب وزوال الهموم

عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما أصاب أحدًا قط همٌ ولا حزنٌ ، فقال : اللهمَّ إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أَمتك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكُمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤُك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميَّت به نفسك ، أو علَّمته أحدًا من خلقِك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيبِ عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب اللَّه همَّه وحزنه وأبدل مكانه فرحًا )) . فقيل : يا رسول اللَّه ، أفلا نتعلمها ؟ فقال : (( بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها )).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول : لا إله إلا اللَّه العظيمُ الحليمُ ، لا إله إلا الله ربُّ السماواتِ والأرضِ ورب العَرشِ العظيم.
وفي رواية للنسائي وصححه الحاكم عن علي: لقنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات وأمرني إن نزل كرب أو شدة أن أقولها .

هي أصل خشية الرب تبارك وتعالى

إن العلم بأسماء الله جل ثناؤه وصفاته ومعرفة معانيها يُحْدِثُ خشية ورهبة في قلب العبد ، فمن كان بالله أعرف فهو منه أخوف ، ومن كان به أعلم كان على شريعته أقوم ، قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] .

قال ابن مسعود رضي اللَّه عنه : ليس العلم عن كثرة الرواية ، ولكن العلم الخشية ، { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] .
ولذلك فقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية للَّه تبارك وتعالى ؛ لأنه كان أعلم الناس به ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنا أعلمكم باللَّه وأشدكم له خشية )). وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم : (( إن أتقاكم وأعلمكم باللَّه أنا ))
فمعرفة الله عز وجل أساس تعظيمه وخشيته وأعظم أسباب البعد عمَّا يغضبه . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن اللَّه أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول : سبحانك ما أعظمك ربَّنا ، فيُرد عليه : لا يعلم ذلك من حلف بي كاذبًا )) . أي : لو عَلِمَ الحالفُ باللَّه كذبًا عظمة اللَّه جل جلاله لخَشِيَه واتقاه وما اجترأ على هذا الفعل وأمثاله

تورث صدق اليقين والتوكل

فمن عرف غِنى الله وفقر خلقه ، وقدرة اللَّه وعجز خلقه ، وقوة اللَّه وضعف خلقه ، عرف مقدار افتقار الخلق لغنى الله ، وضعفهم لقوته ، وتواضعهم لعظمته ، وذلتهم لعزته ، تبارك وتعالى .
فإذا تبين له ذلك على الحقيقة حال إذن يُعظِّم اللَّهَ وحده ويخافه ويصبح عبدًا له وحده ، فمن دخل قلبه اليقين على قدرة اللَّه ، خرج منه اليقين على قدرة الخلق ، ومن خشي اللَّه تبارك وتعالى خرجت من قلبه خشية مَنْ سواه ، فورث له ذلك حسنَ ظنه باللَّه عز وجل واعتصام به دون سواه وتوكل عليه دون غيره وسلم له في كل أمره ، وهذا بعينه ما حدث لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه في الغار حين أحاط بهم المشركون ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : لو نظر أحدهم أسفل قدميه لرآنا ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما )).

        لايضر مع اسم الله شئ

ومن فضائل أسماء اللَّه الحُسنى أنها يُستجلب بها الخير ويستدفع بها الشر. فاسم اللَّه يدفع الضرر ويرفعه.
فعن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه قال : سمعت رسول اللَّه ( عليه الصلاة والسلام ) يقول : (( ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ، ومساء كل ليلة : بسم اللَّه الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ، ثلاث مرات فيضره شيء

الأسماء الحسنى وأثرها في الحلال والحرام :


ولم تقتصر فضائل الأسماء الحسنى وبركتها على حياة القلوب وتفريج الكروب ، بل وكذلك كان لها أعظم الأثر في الفقه ،

 إن ذكر اسم اللَّه على شيء قد يفرق بين الحلال والحرام . فأحلّ اللَّهُ عز وجل الذبيحة التي ذُكِر اسمُه عليها ، بل وأمر بالأكل منها . قال تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } [ الأنعام : 118 ] . وعاتب من لا يأكل مما ذكر اسم اللَّه عليه ، قال تعالى : { وَمَا لَكُمْ أَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 119 ] .
وعن عدي بن حاتم قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت : أُرسِلُ كلابي المعلمة ؟ قال : (( إذا أرسلتَ كلابَك المعلمةَ وذكرتَ اسم اللَّه فأمسكن فكُل )).
وقد نهى عن أكل اللحم أو الصيد الذي لم يُذكر اسمُ اللَّه عليه ، قال تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ]

بركة أسماء الله الحسنى

في المعيشة :
قال تعالى : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن : 78 ]
ومن بركة الأسماء الحسنى أن الشيطان لا يقرب ما ذُكر عليه اسمُ الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ))

بركة الأسماء الحسنى تلحق الذرية :
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ابن عباس رضي اللَّه عنهما : (( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال : بسم اللَّه ، اللهمَّ جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يُقَدَّر بينهما ولدُ في ذلك لم يضره شيطان أبدًا )).

أسماء اللَّه أعظم أسباب شفاء :
فإن اللَّه تبارك وتعالى هو خالق البدن ويعلم بالداء والدواء ، وبيده وحده شفاؤه ، ودواؤه ، وخير دواء ، وأعظم شفاء هو أسماء اللَّه عز وجل ، ولذلك حين عاد جبريل عليه السلام رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه رقاه باسم الله
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، أشتكيت ؟ قال : (( نعم )) . قال : (( بسم اللَّه أرقيك ، من كل شيءٍ يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد ، اللَّه يَشْفِيك ، بسم اللَّه أرقيك )).
وجد ذلك في نفسه فليقل ( آمنت بالله ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق اللهُ الخلقَ ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ) رواه مسلم
فمن عرف الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى ثبت إيمانه وصدق يقينه ، كان على جهاد الشيطان أشد وعلى دفع الوساوس أقوى .

الجهل بأسماء الله الحسنى طريق الضياع والحرمان

قال بعض السلف: «مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه»

«الجواب الكافي» (ص/123)]

كلام نفيس لابن القيم رحمه الله

وهذه حال أكثر النُّفوس مع هذا العدوّ، ولهذا تراهم يسخطون ربّهم برضا أنفسهم، بل برضا مخلوق مثلهم لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، ويضيعون كسب الدِّين بكسب الأموال، ويهلكون أنفسهم بما لا يبقى لهم، ويحرصون على الدُّنيا وقد أدبرت عنهم، ويزهدون في الآخرة وقد هجمت عليهم؛ ويخالفون ربَّهم باتِّباع أهوائهم، ويتَّكلون على الحياة ولا يذكرون الموت، ويذكرون شهواتهم وحظوظهم وينسون ما عهد الله إليهم، ويهتمون بما ضمنه اللهُ لهم، ولا يهتمون بما أمرهم به، ويفرحون بالدُّنيا، ويحزنون على فوات حظّهم منها، ولا يحزنون على فوات الجنَّة وما فيها، ولا يفرحون بالإيمان فرحهم بالدِّرهم والدِّينار، ويفسدون حقَّهم بباطلهم وهُداهم بضلالهم ومعروفهم بمنكرهم، ويلبسون إيمانهم بظنونهم، ويخلطون حلالهم بحرامهم، ويتردَّدون في حيرة آرائهم وأفكارهم، ويتركون هُدى الله الَّذي أهداهُ إليهم، ومِنَ العجب أنَّ هذا العدوِّ يستعمل صاحب الحصن في هدم حصنه بيديه».اهـ.

مِن ([«الفوائد» ص: (155، 157)])

أصول الأسماء الحسنى

الأسماء الثَّلاثة: الله، الربُّ، الرحمن: هي أصول الأسماء الحُسْنى، فاسم الله: متضمِّنٌ لصفات الألوهيَّه.

واسم الرَّبِّ: متضمِّنٌ لصفات الرُّبوبيَّة.

واسم الرَّحمن: متضمِّنٌ لصفات الجود والبرِّ والإحسان.

فالرُّبوبية: من الله لعباده. والتَّأليه: منهم إليه.

والرَّحمة: سببٌ واصلٌ بين الرَّبِّ وعباده.

وقد اجتمعت في الفاتحة

        الله

قال السعدي رحمه الله تعالى: "الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هى صفات الكمال

وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده المحمود وحده المشكور وحده المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام(واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والله أعلم)
فإذا تدبر اسم الله عرف أن الله تعالى له جميع معاني الألوهية، وهي كمال الصفات والإنفراد بها، وعدم الشريك في الأفعال لأن المألوه إنما يؤله لما قام به من صفات الكمـال فيحب ويخضع له لأجلها، والباري جل جلاله لا يفوته من صفات الكمال شيء بوجه من الوجوه، أو يؤله أو بعبد لأجل نفعه وتوليه ونصره فيجلب النفع لمن عبده فيدفع عنه الضرر،

ومن المعلوم أنَّ الله تعالى هو المالك لذلك كله، وأنَّ أحداً من الخلق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا فإذا تقرر عنده أنَّ الله وحده المألوه أوجب له أن يعلق بربه حبه وخوفه ورجاءه، وأناب إليه في كل أموره، وقطع الإلتفات إلى غيره من المخلوقين ممن ليس له من نفسه كمال ولا له فعال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»

هو الله

فاسم ((الله)) دالٌّ على جميع الأسماء الحُسنى والصفات العُلا بالدلالات الثلاث ((المطابقة، والتضمن، واللزوم)).

فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه. وصفات الإلهية - يعني أن الله الإله الحق وحده لا شريك له - هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والتمثيل، وعن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحُسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى: ] وَلله الأَسْمَاءُ الـْحُسْنَى [ ويقال: ((الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم)) من أسماء الله ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز. ونحو ذلك.

فعُلِمَ أن اسمه ((الله)) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال، والأسماء الحُسنى تفصيل، وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم ((الله))، واسم ((الله)) دالٌّ على كونه مألوهاً معبوداً، تألَّـهَهُ الخلائق محبةً، وتعظيماً، خضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد. وإلهيته وربوبيته، ورحمانيته، وملكه، مستلزم لجميع صفات كماله. إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعَّالٍ لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.

 * وصفات الجلال والجمال: أخص باسم ((الله)).

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: ((أما خصائصه المعنوية فقد قال أعلم الخلق صلي الله عليه وسلم: ((لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك))، وكيف تُحصي خصائص اسم لمسماه كل كمال على الإطلاق، وكل مدح، وكل حمد، وكل ثناء وكل مجد، وكل جلال، وكل إكرام، وكل عز، وكل جمال، وكل خير وإحسان وجود وبر وفضل؛ فله ومنه.
فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند هَمٍّ وغَمٍّ إلا فرجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنيا، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه.
فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنزل به البركات، وتجاب به الدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات. وهو الاسم الذي قامت به السموات والأرض، وبه أنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه حقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وبه وضعت الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، وبه عبد رب العالمين وحمد، وبحقه بعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور، وبه الخصام، وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سعد من عرفه وقام بحقه، وبه شقي من جهله وترك حقه، فهو سر الخلق والأمر، وبه قاما، وثبتا، وإليه انتهيا، فالخلق والأمر به، وإليه، ولأجله، فما وجد خلق، ولا أمر، ولا ثواب، ولا عقاب، إلا مبتدئا منه، ومنتهيا إليه، وذلك موجبه ومقتضاه، ) رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( [آل عمران: 191])) اهـ

تيسير العزيز الرحيم

 *الرب

وصفات الفعل، والقدرة، والتفرّد بالضرّ والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة أخص باسم ((الربّ)).

وهو سبحانه رب كل شيء ومليكه، لا إله غيره ولا رب سواه، مالك كل شيء، ورب كل شيء.
له وحده ربوبية الخلق والإيجاد والتدبير: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزمر: 62].
وله وحده ربوبية التعليم والإرشاد: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 1 - 5].
وله وحده ربوبية التمليك والإمداد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29].
وله وحده ربوبية التسخير: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} ... [لقمان: 20].
وله وحده ربوبية التكريم والاستخلاف: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)} [الأنعام: 165].
فما أعظم هذا الرب العظيم الكريم الرحيم الذي هذا فعله .. وهذا خلقه .. وهذا فضله .. وما أكرمه .. وما أرحمه بعباده.
وهذا عطاؤه في الدنيا لمن أطاعه وعصاه، ومن آمن به ومن كفر به، فكيف يكون عطاؤه وإكرامه في الآخرة لأهل طاعته؟.

{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17].
وكيف يكون عذابه وجزاؤه في الآخرة لمن عصاه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].

الرحمن الرحيم

قال السعدي: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.

قال الشنقيطي في الأضواء[2]: "هما وصفان لله - تعالى - واسمان من أسمائه الحسنى، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشدُّ مبالغة من الرحيم؛ لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة، وعلى هذا أكثر العلماء"؛ اهـ.

الرحمن الرحيم

رحمن رحيم في ألوهيته وربوبيته، فالرحمة من صفات الله تعالى، وهي قريبة من المحسنين المهتدين التائبين .

قال سبحانه : "إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ" [الأعراف: 56] .

فمن تباعد عن الله بإحسانه، تباعد الله عنه برحمته .

قال سبحانه : "وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ" [الحجر: 56] .

فالمهتدون يطمعون في رحمة الله تعالى بمقتضى هدايتهم .

قال تعالى : "وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ" [الكهف: 58، والأنعام: 133] .

وقال أيضًا : "فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ "[البقرة: 64].

وقال جل شأنه : "كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ" [الأنعام: 54] .

وقال سبحانه : "إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" [البقرة: 143] .

وقال سبحانه وتعالى : "إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" [البقرة: 37] وغير ذلك من عشرات الآيات .

قال تعالى : "وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ" [المؤمنون: 118]، وقد وسع ربنا كل شيء رحمة وعلمًا "رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ" [غافر: 7] .

فبرحمته يهدي عباده إلى سبيل السعادة، وبرحمته يغفر للمسيئين، وبرحمته يُدخل المؤمنين الجنة، وبرحمته يجيب المضطر إذا دعاه، وقد كتب الله على نفسه الرحمة، ووصف نفسه بأنه أرحم الراحمين، وخير الراحمين، وأنه سبحانه ذو رحمة واسعة، وأن رحمته وسعت كل شيء .

في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحوش على ولدها، وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» (لفظ مسلم وانظر: «صحيح البخاري) .

وفي رواية البخاري : «جعل الله الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه»(«اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان» وهو في البخاري ومسلم ) .

وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها، تسعى، إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار، وهي تقدر أن تطرحه ؟ قلنا: لا، فقال : الله أرحم بعباده من هذه بولدها» («اللؤلؤ والمرجان» وهو في البخاري وفي مسلم ) .

فرحمة الله تعالى وسعت كل شيء، ولكن رحمته تعالى مقرونة بحكمته، وقد كتبها سبحانه للذين يتقون ويؤتون الزكاة، ويؤمنون بآيات الله جل وعلا، ويتبعون الرسول النبي الأمي : "قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ" [الأعراف: 156، 157] .

ومن رحمة الله تعالى بعباده أن رحمته سبقت غضبه، وأن من تقرب إلى الله شبرًا تقرب منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا تقرب منه باعًا، ومن أتى ربه يمشي أتاه هرولة .

ومن لقي ربه بقراب الأرض خطايا وهو لا يشرك به شيئًا لقيه بقرابها مغفرة .

مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات

ومن الإيمان بالله الإيمان بماوصف الله به نفسه في كتابه ،وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ،ومن غير تكييف ولاتمثيل ،بل يؤمنون بأن الله تعالى (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)

معنى التحريف:التأويل المذموم (صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح إلى الإحتمال المرجوح)مثاله تأويل صفة اليد بالقدرة

التعطيل:نفي الصفات

التكييف:طلب حقيقة الصفة والكنه

التمثييل:التسوية بين الله تعالى وغيره فيما يجب له سبحانه

وقد بعث الله رسله في صفاته بالنفي المجمل والإثبات المفصل .


الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها.
وهو أنواع:
الأول: أن ينكر شيئاً منها أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم. وإنما كان ذلك إلحاداً لوجوب الإيمان بها وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها.

الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين كما فعل أهل التشبيه، وذلك لأن التشبيه معنى باطل لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل هي دالة على بطلانه، فجعلها دالة عليه ميل بها عما يجب فيها.

الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له: (الأب)، وتسمية الفلاسفة إياه (العلة الفاعلة)، وذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، كما أن هذه الأسماء التي سموه بها نفسها باطلة ينزه الله تعالى عنها.


الرابع: أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام، كما فعل المشركون في اشتقاق العزى من العزيز، واشتقاق اللات من الإله، على أحد القولين، فسموا بها أصنامهم؛ وذلك لأن أسماء الله تعالى مختصة به، لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ).
وقوله: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)
وقوله: (لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض).

فكما اختص بالعبادة وبالألوهية الحق، وبأنه يسبح له ما في السموات والأرض فهو مختص بالأسماء الحسنى، فتسمية غيره بها على الوجه الذي يختص بالله - عز وجل - ميل بها عما يجب فيها.
والإلحاد بجميع أنواعه محرم؛ لأن الله تعالى هدد الملحدين بقوله: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ومنه ما يكون شركاً أو كفراً حسبما تقتضيه الأدلة الشرعية.

ذكر جملة من آيات الصفات       

إثبات العلم لله تعالى.

يقُولُ سبحانه وتعالى: ) اللَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (.

) هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (.

إثبات القوة والسمع والبصر والإرادة.

قوْلُهُ: ) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(.وقَوْلُهُ: )لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(. وقَوْلُهُ : ) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ( ، وَقَوْلُهُ : )  وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (

            إثبات صفة المحبة لله تعالى.

            (يحبهم ويحبونه)

قَوْلــُـهُ : ) وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(

            إثبات صفة الرحمة لله تعالى.

) بسم الله الرحمن الرحيم (،)  رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا(.

            إثبات الرضا والغضب لله تعالى.

قَوْلُهُ: )رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ(  ، وقَولُهُ )وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ (

            إثبات الإتيان والمجئ لله تعالى.

 وَقَولُهُ:)هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ (، وقَولُه )كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (

            إثبات الوجه واليدين والعينين لله تعالى.

وَقَوْلُهُ:) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (، وَقَولُهُ: )وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا(

             إثبات السمع والرؤية والقدرة والعزة.

وَقَوْلُهُ: ) قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( , ) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ( ، وَقَوْلُهُ: ) وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال( ، وَقَوْلُهُ: ) إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا(، وَقَوْلُهُ: ) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (

 

            نفي النقائص عن الله كالكفء والند والولد والشريك.

قَوْلُهُ: ) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ  (.

وَقَوْلُهُ: )  فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (، ) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (، وَقَوْلُهُ:) فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون (،  وَقَوْلُهُ: )وقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (

            إثبات استواء الله تعالى على عرشه.

قَوْلُهُ: ) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (

 

علو الله ومعيته لعباده.

قَوْلُهُ: ) يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ( ، وقَوْلُهُ:  ) أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ  $ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (، )لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ( ، ) وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (

§       إثبات صفة الكلام لله تعالى

قَوْلُـهُ :)وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا( ،)   وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً(، ) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (

 )وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ( ، )وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا( ) وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (

) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ (،)  وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(

§       ثبوت نزول القرآن من الله تعالى

)وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ( ، ) لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ  (

اعتقاد أهل السنة والجماعة في القرآن

إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة

وَقَوْلُهُ:)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ $ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(،)عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ( ، ) لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ(

القاعدة الأولى:
أسماء الله تعالى كلها حسنى:
أي بالغة في الحسن غايته، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى).
وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا احتمالاً ولا تقديراً.
* مثال ذلك: "الحي" اسم من أسماء الله تعالى، متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال. الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم، والقدرة، والسمع، والبصر وغيرها.
* ومثال آخر: "العليم" اسم من أسماء الله متضمن للعلم الكامل، الذي لم يسبق بجهل، ولا يلحقه نسيان، قال الله تعالى (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)
العلم الواسع المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلاً، سواء ما يتعلق بأفعاله، أو أفعال خلقه، قال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
 

ومثال ثالث: "الرحمن" اسم من أسماء الله تعالى متضمن للرحمة الكاملة، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، "لله أرحم بعباده من هذه بولدها"(6) يعني أم صبي وجدته في السبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته، ومتضمن أيضاً للرحمة الواسعة التي قال الله عنها: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(7)، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً)(8).
والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال.
مثال ذلك: "العزيز الحكيم". فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيراً. فيكون كل منهما دالاً على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة في العزيز، والحكم والحكمة في الحكيم، والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة.

القاعدة الثانية:
 أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف:
        أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله - عز وجل - وبالاعتبار الثاني متباينة لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص فـ "الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم". كلها أسماء لمسمى واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا.
       وهي أعلام وأوصاف، لدلالة القرآن عليه. كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(9). وقوله: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة)
فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة. ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن له علم، ولا سميع إلا لمن له سمع، ولا بصير إلا لمن له بصر، وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل.
الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة، مع أنه الواحد الأحد.
 فقال تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ). وقال تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى*  وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى* فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى).
ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد.

القاعدة الثالثة:
أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد، تضمنت ثلاثة أمور:
أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها.
ولهذا استدل أهل العلم على سقوط الحد عن قطاع الطريق بالتوبة، استدلوا على ذلك بقوله تعالى: (إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)؛ لأن مقتضى هذين الاسمين أن يكون الله تعالى قد غفر لهم ذنوبهم، ورحمهم بإسقاط الحد عنهم.
* مثال ذلك: "السميع" يتضمن إثبات السميع اسماً لله تعالى، وإثبات السمع صفة له وإثبات حكم ذلك ومقتضاه وهو أنه يسمع السر والنجوى كما قال تعالى: (وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
وإن دلت على وصف غير متعد تضمنت أمرين:
أحدهما: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
* مثال ذلك:"الحي" يتضمن إثبات الحي اسماً لله – عز وجل - وإثبات الحياة صفة له.


القاعدة الرابعة:
 دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام.
 مثال ذلك: "الخالق" يدل على ذات الله، وعلى صفة الخلق بالمطابقة، ويدل على الذات وحدها وعلى صفة الخلق وحدها بالتضمن، ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام.
ولهذا لما ذكر الله خلق السموات والأرض؛ قال تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً).
   
القاعدة الخامسة:
أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها:
وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). وقوله: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ). ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص.

القاعدة السادسة:
أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين:

        قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك". الحديث رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وهو صحيح.

        وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحدٍ حصره، ولا الإحاطة به.

        فأما قولـه صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها) دخل الجنة)
فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة: "إن أسماء الله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة" أو نحو ذلك.
   

أهم المصادر والمراجع

1-فقه الأسماء الحسنى   فضيلة الشيخ عبدالرزاق البدر

2-أسماء الله وصفاته فضيلة الشيخ د.عمر الأشقر

3-تفسير ابن السعدي

4-تفسير ابن كثير

5-الكافية الشافية  للإمام ابن القيم

6-الواسطية للإمام ابن القيم

7-القواعد المثلى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

8-الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي

9-موقع الكلم الطيب

10-موقع صيد الفوائد