( صار مثلاً سائراً يضرب به المثل في المحنة والصبر على الحق ، وأنه لم تكن تأخذه في الله لومة لائم ، حتى صار اسم الإمام مقروناً باسمه في لسان كل أحد ، فيقال : قال الإمام أحمد ، هذا مذهب الإمام أحمد ، لقوله تعالى { وَجَعلنا منهم أَئِمَّةً يَهدون بأمرِنا لَمَّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } ؛ فإنه أعطي من الصبر واليقين ما يستحق به الإمامة في الدين . 

وقد تداوله ”ثلاثة خلفاء” مسلطون من شرق الأرض إلى غربها ، ومعهم من العلماء المتكلمين ، والقضاة ، والوزراء ، والسعاة ، والأمراء ، والولاة من لايحصيهم إلا الله ، فبعضهم بالحبس ، وبعضهم بالتهديد الشديد بالقتل وبغيره ، وبالترغيب في الرياسة والمال ماشاء الله ، وبالضرب ، وبعضهم بالتشريد والنفي . 

وقد خذله في ذلك عامة أهل الأرض - حتى أصحابه العلماء ، والصالحون والأبرار ، وهو مع ذلك لم يعطهم كلمة واحدة مما طلبوه منه ، وما رجع عما جاء به الكتاب والسنة ، ولا كتم العلم ، ولا استعمل التقية ؛ بل قد أظهر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره ، ودفع من البدع المخالفة لذلك مالم يتأت مثله لعالم : من نظرائه ، وإخوانه المتقدمين والمتأخرين ؛ ولهذا قال بعض شيوخ الشام : لم يظهر أحد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما أظهره أحمد بن حنبل ) .

مجموع الفتاوى ١٢/ ٤٣٩