1 بدون عنوان

الحمد لله يأمر وينهى ..ويقضي ويحكم .. لا رادَّ لما قضى ولا معقّب لما حكم .. والصلاة والسلام على رسوله..

أما بعــــــــــد ..

فإن من أعمال القلوب التي يتقرّب المؤمنون بها إلى ربهم جلّ وعلا ..الصبر وعدم الجزع ..

فإن الصبر من أخلاق النفوس الأبيّة ، ومن صفات القلوب المخلصة ، والصبر حبس النفس عن التجزّع سواءً في أوامر الله الشرعية أو أقداره الكونية .

 قال عبيد ابن عُمير :[ ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ، ولكنّ الجزع القول السيئ والظن السيئ ] وقد قال الله  عن أم موسى (وَلَولا أن رَبَطنَا عَلَىَ قَلبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المُؤمِنِين) أي ثبتناها بالصبر وبإبعاد الجزع عنها فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر ولم يجزع زاد ذلك من إيمانه ، فدلّ على أن استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف إيمانه ، وفي الخبر إذا أحب الله قومًا ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع  .

ومن طرق علاج الجزع .. نسيان المصائب مع اليقين بأن ما عند الله أفضل وأبرك ، وعند الله  الخلف لكل مصيبة .

ومن علاج الجزع .. التخلّق بخلق الصبر وعدم الشكوى إلى الخلق من أقدار الله المؤلمة ، وإنما يشكوا العبد إلى ربه جلّ وعلا .

ومن علاج الجزع .. ملاحظة صنع الله في عباده ، مما يتمكن المرء معه من علاج جزعه .

ومن طرق علاج الجزع .. أن يتذكر المرء مقارنة الظفر والفوز بالصبر، فإن الله  قد وعد الصابرين بالفوز والظفر .

ومن أعظم علاج الجزع .. الإكثار من الصلاة ، فإن النبي  كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، وقد قال الله تعالى ( إنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعَا إذَا مَسَّهُ الشَرَُ جَزُوعَا وإذا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعَا إلاالمُصَلّين الّذِينَ هُم عَلَىَ صَلاتِهِم دَائِمُون)وفي الحديث أن النبي  قال : (يا بلال أرحنا بالصلاة ) .

ومن أنواع علاج الجزع .. الإكثار من ذكر الله تعالى كما قال سبحانه ( ألا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُ القُلُوب ) .

وكذلك من طرق علاج الجزع .. الإيمان بالقضاء والقدر ، بأن يعلم العبد أن ما قدّره الله عليه فلا مناص له منه ،ولا مهرب منه مهما فعل من الأسباب .

ومن علاج الجزع .. أن يعرف العبد أن الجزع يضرّه ولا ينفعه ، وقد جاء في حديث محمود ابن لبيد أن رسول الله  قال :إذا أحب الله قومًا ابتلاهم ، فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع  وكتب محمود ابن لبيد لمعاذ :[ إن احتسبته (يعني ولده الذي مات ) فاصبر ولا يُحبط جزعُك أجرك فتندم ، واعلم أن الجزع لا يردُّ شيئا ولا يدفع حُزنا ]

 وقال عمر ابن عبد العزيز :[ الصبر أقرب إلى الله وسيلة ، وليس الجزع بمحيي من مات ، ولا برادِّ ما فات ] .

وليعلم المصاب بأي مصيبة أن الجزع لا يرد المصيبة التي قدّرها الله ، بل إن الجزع يُضاعف المصيبة ، والجزع في الحقيقة يزيد في مصيبة العبد ، فالجزع يُشمت العدو ويسوء الصديق ، ويُغضب الربَّ ، ويُسرُّ الشيطان ، ويُحبط الأجر ، ويُضعف النفس .. ولذلك جاءت النصوص الشرعية بالأمر بالصبر ./span>

إن لترك الجزع مع التخلّق بالصبر .. فــوائــــــــــد عـــظــيـمـــة : ـــ

1-فهو من صفات الصادقين المتقين كما قال سبحانه ( والصَابِرِينَ فِي البَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأس أولَئِكَ الّذِينَصَدَقُوا وَأولَئِكَ هُمُ المُتَّقُون)

2-الصابر يعظم أجره عند ربه كما قال تعالى (إنما يُوفَّىَ الصَابِرُونَ أجرَهُم بِغَيرِ حِسَاب ) .

3-الصابر محبوب عند الله ، كما قال سبحانه ( واللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين ) ، ولذا كان من صفات المفلحين التواصي بالصبر كما قال  (وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وتَوَاصَوا بِالصَّبر).

4-الإمامة في الدين إنما تُنال بصفات منها الصبر، كما قال سبحانه (وَجَعَلنَا مِنهُم أئِمَّةٍ يَهدُونَ بِأمرِنا لَمَّا صَبَرُواوَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون ).

5- وقد وعد الله الصابرين بأن يكون الله معهم مؤيدًا وناصرا ، قال تعالى ( يَا أيُّهَا الّذِينَآمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين )وقال  (وَبَشِّرِ الصَّابِرِين)، ومن هنا فقد بشّر الله جلّ وعلا الصابرين بالرحمة والهدى كما قال سبحانه ) وبَشّرِ الصَّابِرِين الّذينَ إذَا أصَابَتهُم مُصِيِبَةٌ قَالُوا إنَّا للهِ وإنَّا إلَيهِ رَاجِعُون أولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ من رَبِّهِم وَرَحمَة وَأولَئكَ هُمُ المُهتَدُون ) .

6-الصبر من أسباب دخول الجنّة كما قال تعالى (إنِّي جَزَيتُهُمُ اليَومَ بِمَا صَبَرُوا أنَّهم هُمُ الفَائِزُون ) وقال  ( سَلامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبرتُم فَنِعمَ عُقبى الدَار ) .

7-الصبر من أسباب الظفر والنصر في الدنيا ، جاء في حديث ابن عباس أن النبي  قال : واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرا ، وأن النصر مع الصبر  .

8-الصابرون يجعلهم الله يُفكّرون في العواقب ، ويُدركون مآلات الأمور كما قال سبحانه (إنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّصَبَّارٍ شَكُور ).

9-الصبر مع التقوى .. يحصل بهما فوائـــــد عــظيـــــمة ، وثمرات جزيلة كما قال سبحانه ( وإن تَصّبِرُوا وَتَتّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور )وقال(إنَّهُ من يَتَّقِي ويَصبِر فإنَّ اللهَ لا يُضيِعُ أجرَ المُحسِنِين )وقال (وإن تَصبِرُواوتَتَّقُوا لا يَضُرّكُم كَيدَهُم شَيئَا ) وفي الحديث أن النبي  قال :(من يصبر يُصبِّره الله ، وماأعطيَ العبد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر)  متفق عليه ، وفي صحيح مسلم (الصبر ضيــــــــاء)  وقال سبحانه ( ولَمَن صَبَرَ وَغفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزمِ الأمُور ).

 

سلسلة قلوب الصائمين

لفضيلة الشيخ د.سعد الشثري