الهدي النبوي في رمضان

فرض الله تعالى الصيام في السنة الثانية من الهجرة، فصام عليه الصلاة والسلام تسع رمضانات.

وكان له عليه الصلاة والسلام في رمضان شأن آخر، فكان يتزود من العبادات ما لا يتزود به في غيره.

وكان صلى الله عليه وسلّم يبلغ في الجود غايته، فكان جبريل يدارسه القرآن في كل ليلة من رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة.

وكان من هديه أنه يفطر قبل الصلاة على رطب، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء.

وكان من هديه صلى الله عليه وسلّم أنه يدعو عند الإفطار، ومما يؤثر عنه أنه صلى الله عليه وسلم  يقول عند فطره: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".

ومن الأدعية أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى".

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنّه يفطر في السفر، ويصوم أحياناً، ويخيّر أصحابه بين الأمرين.

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يدركه الفجر ويصوم.

وكان يستاك وهو صائم، ويغتسل، ويصب الماء على رأسه وهو صائم.

ومما ورد من حال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيها كما أخرج البخاري في صحيحة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الثلث الأخير من رمضان شد مئزره واحي ليله وأيقظ أهله".

ولا شك أنّ في هذا الحديث تصوير لما كان عليه الصلاة والسلام من شدة الهمة في العبادة، وبذل غاية ما يستطيع من إحياء الليل كله، وتلاوة القرآن الكريم، وكان جبريل عليه السلام يدارس الرسول صلى الله عليه وسلم  القرآن في كل ليلة من رمضان.

كذلك ينبغي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الجود والعطاء؛ فقد كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان؛ حيث كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

فليُري المسلمُ الله تعالى من نفسه خيراً، فإنها نفحات.

وقد سألت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟! قال: قولي: اللهمّ إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني".

ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم إفراد ليلة العيد بعبادة خاصة.

وأمّا حديث: "من أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب" فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: "الأحاديث التي تُذكر في ليلة العيدين كذب على النبي صلى الله عليه وسلم".

ولكن ليس معنى هذا أن ليلة العيد لا يستحب قيامها، بل قيام الليل مشروع في كل ليلة. ويسن التكبير المطلق في ليلتها وإظهار ذلك في البيوت والأسواق والمساجد كما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنه.

وينبغي للمسلم أن يشتغل بالذكر والتكبير والشكر لله تعالى الذي منَّ عليه بإتمام الشهر، فلا يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة.

 كيف نجعل من رمضان مدرسة تربوية للنفس الإنسانية؟!

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). [سورة البقرة، الآية: 183].

فالهدف إذاً من الصيام كما تجلى في هذه الآية هو تحصيل التقوى.

وفي أمر التقوى يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "اتقوا الله حق تقاته، أي: أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر".

ويقول ابن عمر رضي الله عنه : "لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر".

والتقوى أكثر ما يُدخل العباد الجنة كما في الحديث عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: "تقوى الله وحسن الخلق".

ولذلك ينبغي أن تبرز معاني التقوى في صيامنا، فليصم القلب ولتصم الجوارح. فبالتقوى تسمو النفس وترتفع الهمة باغتنام فضيلة الشهر بطول القيام وحفظ الجوارح؛ فتُحفظ العين عن النظر الحرام، وتُحفظ الأسماع عن استماع الحرام، ويصوم اللسان عن كل كلمة لا يرضاها الله من آفات اللسان. ويلزم النفس بالذكر وكثرة الطاعات والانقطاع إلى الله تعالى، والاعتكاف إن أمكن.

فإذا صام العبد فليصم سمعه وبصره ولسانه وجميع جوارحه؛ فيعقد العزم مع الله تعالى أن يكون هذا الشهر بداية تحول في حياته وتغيير شامل لكل ما كان عليه من التقصير والتفريط مع الله.

وعلى العبد أن يختبر نجاحه في هذا الاختبار، وذلك بالنظر في حاله بعد رمضان، وينظر لحال السلف في رمضان، فقد كان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن في كل يوم مره.

وكان بعض السلف يختم كل ثلاثة، وبعضهم كل سبع، وكان للشافعي - رحمه الله - في رمضان ستون ختمه، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات وأقبل على تلاوة القرآن.

قال ابن رجب رحمه الله: "إنما ورد النهي عن قراءة القرآن الكريم في أقل من ثلاث على المداومة، فأمّا في الأوقات المفضلة كشهر رمضان فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن واغتنام فضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة".

 المرأة ورمضان:

جديرٌ بالمرأة أن تكون حريصة على وقتها شحيحة به أن تهدره، ولا سيما في هذه الليالي المباركة فلتسارع بقضاء احتياجاتها المنزلية قبل رمضان لتتفرغ في هذه الأيام المعدودات للصيام والقيام ومناجاة العظيم، فلو يعلم العبد بفضيلة هذا الزمان لاحتقر أن يصرفه في الضروريات فكيف بمن يصرفه في الكماليات!.

أما ما تقضيه في الطبخ والإشراف على المنزل فعليها أن تحتسبه عند الله تعالى، وعليها أن تحاول الاستفادة من وقتها الذي تصرفه في المطبخ في الذكر وسماع القرآن الكريم وسماع إذاعة القرآن الكريم والأشرطة النافعة. فتكون بهذا حصّلت الأجرين إن شاء الله.

وينبغي على المرأة أن تحاول تغيير بعض العادات التي لازالت تلازم هذا الشهر، كالمبالغة في الأطعمة والأشربة بشكل يؤدي إلى الإسراف والتبذير وهدر الوقت بدون فائدة.

فلنكتفِ بالقليل من الزاد، فرمضان زاد روحي، وفرصة لتزكية الروح وتهذيبها، وليس مناسبة لملء البطون بما لذ وطاب من الأطعمة.

ومن فضل الله ونعمته أن شرع لنا أبواب كثيرة من الخير في هذا الشهر وغيره، فليست العبادة في رمضان مقصورة على الصيام والصلاة وتلاوة القرآن، فينبغي على المسلمة إذا حاضت أن تستغل وقتها في أبواب الخير المشروعة، ولا تفتر ولا تنقطع عن العبادة في هذا الشهر المبارك الذي تضاعف فيه الأجور، فتبذل قصارى الجهد في الذكر والتسبيح والتهليل والدعاء والتضرع.

وعليها أن تجتهد في الدعوة إلى الله تعالى في جميع مجالاتها.

كذلك من الأعمال الفاضلة في هذا الشهر: تفطير الصائمين، وإطعام الطعام، وإغاثة المساكين والأرامل والمحتاجين، فهذه الأعمال على ما ورد في فضلها قد لا تتمكن منها المرأة أثناء رمضان إلا في وقت الحيض لانشغالها بالصلاة والعبادة، فتكون بهذا قد ملئت شهرها بالأعمال المتعددة.

 أدعو ربكم:

لا شكّ أنّ الدعاء من أعظم العبادات. وقد أمر الله سبحانه عباده به، فقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). [سورة البقرة، الآية: 186].

وفي الحديث: "إنّ ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عباده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبين".

 وللدعاء آداب أوجزها فيما يلي:

·          الإخلاص لله تعالى، فلا يريد بذلك إلا وجه الله تعالى.

·          البدء بالحمد والثناء على الله تعالى، والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم.

·          تحري أوقات الإجابة ومنها:

=           تحري ليلة القدر.

=           بين الأذان والإقامة.

=           جوف الليل ووقت السحر.

=           دبر الصلوات المكتوبة.

=           عند نزول المطر.

=           يوم الجمعة، ففيه ساعة لا يوافقها عبد يدعو الله فيها إلا اُستجيب له.

=           في السجود.

=           دعاء الحاج والمعتمر.

=           الدعاء عند المريض.

=           عند الفطر.

·          اليقين بحصول الإجابة وعدم الاستعجال والملل، بأن يقول: دعوت فلم يستجب لي. بل عليه أن يلح على الله تعالى، ويعلم أنه في عبودية حتى وإن لم يتحقق له مراده، وبهذا يرغم إبليس كلما جاءه وقال له: لا فائدة من الدعاء!.

·          حضور القلب والخشوع والتضرع.

·          أكل المال الحلال, أي: إطابة المطعم، فإنّه سبب عظيم في إجابة الدعاء.

·          الحذر من الظلم ورد المظالم والتوبة النصوح وكثرة الاستغفار.

·          استقبال القبلة ورفع الأيدي وتكرار الدعاء.

·          عدم الاعتداء في الدعاء بأن يدعو بظلم أو قطيعة رحم.

 

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وأسأله تعالى أن يجعلنا جميعاً ممن صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً.