بسم الله الرحمن الرحيم

خوف السلف من النفاق

لقد كان السلف الكرام يخشون النفاق على أنفسهم ولم يكونوا كحالنا آمنين، إذ لا يخشى أحدنا النفاق في الوقت الذي ربما يكون قد انغمس في أوحاله وصعب عليه الخروج منه وإلى الله المشتكى. لقد قَطَّع خوف النفاق قلوب السابقين الأولين. لعلمهم بدقهِ وجِله وتفاصيله وجُمَله، ساءت ظنونهم بنفوسهم حتى خشوا أن يكونوا من جملة المنافقين. قال عمر بن الخطاب لحذيفة  رضي الله عنهما : يا حذيفة نشدتك بالله، هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم– قال: لا ولا أُزَكي بعدك أحداً.

وقال ابن أبي مليكه " أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل "ذكره البخاري(1)

وعن الحسن: كان يقول: " إن القوم لما رأوا هذا النفاق يقول في الإيمان لم يكن لهم همٌّ غير النفاق(2) "

وعن محمد بن سليم  وهو أبو هلال  قال:" سألت أبان الحسن فقال: هل تخاف النفاق– قال: وما يؤمنني وقد خاف عمر رضي الله عنه "(3).

وقال الحسن البصري: "النفاق نفاقان، نفاق الكذب، ونفاق العمل. فأما نفاق الكذب فكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما نفاق العمل فلا ينقطع إلى يوم القيامة (4)"

وروي عن معاوية بن قُرّة قوله:" أن لا يكون فيَّ نفاق أحَبُّ إلي من الدنيا وما فيها. كان عمر رضي الله عنه يخشاه، وآمنُه أنا؟(5)"

وروى الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: " لا تكن ولياً لله في العلانية، وعدوّه في السّر (6) "

وروى عن الحسن انه حلف: " ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق غير آمن، وما مضى منافق قط ولابقي إلا وهو من النفاق آمن. وكان يقول: من لم يخف النفاق فهو منافق (7)"

وقد ورد أيضاً في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي أنه مر به أبو بكر  رضي الله عنهما  وهو يبكي، فقال:" ما لك، قال: نافق حنظلة يا أبا بكر، نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذكرنا بالجنة والنار كأنهما رأي العين، فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والصبية فنسينا كثيراً، قال أبو بكر: فوالله إنا لكذلك، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا حنظلة– قال: نافق حنظلة يا رسول الله وذكر له مثل ما قال لأبي بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في  مجالسكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة"

وهذا مما يدل على شدة خوفهم من النفاق رضي الله عنهم وأرضاهم إلى درجة  أن ظنوا أن الاسترسال في أمور دنياهم من النفاق.

 

(1) مدارج السالكين 1/ 358

(2) صفة النفاق ص 119

(3) المرجع السابق

(4) أحكام القرآن: 8/ 214

(5) صفة النفاق ص 120

(6) المرجع السابق ص 125

(7) جامع العلوم والحكم، لابن رجب ص 433