بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 

ثم أما بعد:

اخواتي الفاضلات هذه الوجوه المباركة أحيكن بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة طيبة فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته

ويسعدني في هذا اللقاء أن أتحدث عن موضوع تشتاق له النفوس وتهفو له الأرواح وتتطلع له الهمم ألا وهو "سيدات المحراب"

كثيراً ما نسمع كلمة (سيدات) وقد يكون بعضهن لا يستحقون هذا الاسم أما اليوم فنحن مع سيدات المحراب ونتجاذب اطراف الحديث في صفات نساء اهل الجنة نسأل الله من فضله.

تهفو القلوب لمعرفة سيرهن ، فسيدات المحراب كثير ولكن للأسف غابت سيرهن وغاب ذكرهن في الاعلام وفي القنوات والمجلات!

امتلأت بسير من لا يستحقون الذكر! وليسوا بقدوه للنساء! 

فمن هن هؤلاء النساء وما هي سيرهن؟!

اقول يا أخواتي سيدات المحراب كثير  ومنهن من فاقت الرجال بإيمانها وقيامها وتقواها

قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف:111]

ومنهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد كن عابدات ذاكرات؛

ومنهن ‘أم المؤمنين الصديقة الطاهرة المبرئة من فوق سبع سموات

عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما تلك الفقيهة العالمة العابدة

  قال القاسم بن محمد: كنت إذا غدوت بدأت ببيت عائشة فأسلم عليها، يقول: فدخلت عليها يوماً وهي تصلي وتقرأ قول الله عزَّ وجلَّ وتبكي: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] قال: فنظرت إليها وانتظرت، فأعادت الآية: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] قال: فانتظرت مرة ومرتين، فإذا بها تردد الآية وتبكي، قال: فطال عليّ المقام، فذهبت إلى السوق لأقضي حاجة لي، قال: فرجعت فإذا هي قائمة كما هي تبكي وتصلي وتقرأ القرآن. تقول عائشة رضي الله عنها: [إنكم لن تلقوا الله عزَّ وجلَّ بشيء خير لكم من قلة الذنوب].

عند احتضارها، جاءها ابن عباس ، وكان عندها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال لها: [إن ابن عباس يستأذن عليك، يريد الدخول فقالت: ما لي ولـابن عباس -وهي تحتضر- فاستأذن مرة أخرى فأذنت له فدخل، فلما دخل أثنى عليها خيراً وأخذ يطريها، ويكيل لها المدائح، فقالت: دعك عني يـابن عباس ، دعك عني يـابن عباس ، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً]

ومن سيدات المحراب زينب بنت جحش رضي الله عنها

كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها تقوم تصلي حتى ما تستطيع أن تقف من طول القيام فتربط الحبل وتمسك به

عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد. ).

ولم يؤيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الفعل رضي الله عنها وأرضاها وما كانت تريد من هذا القيام إلا القرب من الله والخشوع والقنوت

قال تعالى:{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

ومن سيدات المحراب جويرية التي كانت تجلس في مصلاها حتى تشرق الشمس وترتفع ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمر عليها وهي في مصلاها كما في الحديث عن جويرية رضى الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ قالت : نعم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد قلت بعدك أربع كلمات  ثلاث مرات  لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته)

من سيدات المحراب نساء التابعين ومنهن حفصة بنت سيرين رحمها الله

أبوها سيرين مولى الصحابي أنس بن مالك، ووالدتها مولاة الصديق أبو بكر، وأخوها التابعي الجليل محمد بن سيرين. ولدت حفصة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان سنة 31 هجرية.

كانت حريصة منذ صغرها على حفظ القرآن، حتى أنها حفظته وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، وكانت تقرأ نصف القرآن في ليلة واحدة، وكان أخوها ابن سيرين إذا استشكل عليه شيء من القرآن، قال: اذهبوا، فاسألوا حفصة كيف تقرأ.

وكانت كثيرة الصيام، طويلة القيام، تدخل مسجدها تصلي فيه، وتتعبد بقراءة القرآن، وتنقطع للعبادة فتقيم الليالي الطويلة راكعة ساجدة حتى بدا أثر الصلاح على وجهها ولا تخرج من بيتها إلا لحاجة أو لمقابلة من يأتون ليستفتونها، ويتعلمون منها. وكانت محدثِّة جليلة، نشأت في بيت علم!

وهكذا اشتهرت حفصة بعلو مكانتها عند كبار العلماء والمحدثين فقال عنها إمام المحدثين يحيى بن معين:" حفصة بنت سيرين ثقة حجة"

ومن سيدات المحراب وهي من التابعيات نفيسة بنت الحسن العابدة العالمة، تقول ابنت أخيها عنها: "خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة أربعينَ عامًا، فما رأيتها نامَت بلَيل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق، فقلت لها: أمَا ترفُقِين بنفسِك؟ فقالت: كيف أرفُق بنفسي وأمامي عَقَبات لا يقطَعُهُنّ إلا الفائزون؟ وكانت تقول: كانت عمتي تحفَظ القرآن وتفسِّره، وكانت تقرأ القرآنَ وتَبكي."

ومن سيدات المحراب زجلة العابدة الزاهدة محدثة ذات صلاح وعبادة.. صوامة قوامة..
كلمها نفر من القراء لما رأوها تجهد نفسها بالعبادة فقالوا لها: بنفسك، فأجابت: مالي وللرفق بها إنما هي أيام مبادرة، فمن فاته شيء لم يدركه غدا..:والله لأصلين لله ما أفلتتني جوارحي، ولأصومن لله أيام حياتي، ولأبكين له ما حمل الدر عيني..

 ثم قالت: أيكم يأمر عبده بأمر أن يقصر فيه؟!

همم عالية تشتاق لها النفوس لاسيما ونحن بعد رمضان وشهر الخير والمغفرة نسأل الله أن يتقبله منا، وكان السلف رحمهم الله يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان وستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان.

فنخن الآن بعد رمضان كيف حالنا بعده؟! كيف قيامنا؟ كيف الإيمان والتقوى؟ وقد خرجنا من مدرسة الإيمان والتقوى.

هناك من سيدات المحراب امرأة فاقت جميع النساء وذكرها الله في القرآن أكثر من ثلاثين مرة وهذه المرأة قد اصطفاها الله، وفي القرآن سورة كاملة بإسمها وهي (مريم عليها السلام)

تلك المرأة العظيمة التي هي من أكمل النساء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كمل من الرجال كثير وما كمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "

فما هي سيرة هذه المرأة؟ 

هي مريم البتول الطاهرة، أم عيسى عليه السلام الذي هو من رسل الله ومن أولي العزم من الرسل.

وقد وردت في قصتها سورة كاملة سميت باسمها وهذا من كمال هذا الدين، فهو دين كامل مبلغ عن جميع الرسل فالإيمان بعيسى من صميم عقيدتنا وديننا، بل من كفر بعيسى كفر بالله.

 فلنقف حول اسرار الاصطفاء في قصة هذه المرأة العظيمة. 

لماذا اصطفاها الله؟ !

لماذا كانت من أكمل النساء؟ !

نرجع إلى البيت المسلم الذي تخرجت منه هذه المرأة الطاهرة الذي هو بيت (آل عمران).

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

انظري لهذه المنازل!

ولو لاحظنا في القرآن أن ابرز من ذكر في هذه الأسرة هم نساء، فالنساء هم من رفعوا اسم هذه الأسرة وعلى رأسهم مريم البتول عليها السلام.

مريم كانت لها أم صالحة، وهذا سر الأم الصالحة!

كانت أمها لم ترزق بالذرية، وفي العادة أن من لم يرزق بالذرية، يطلب الله الذرية كي ينفعونه ويبرونه ويؤنسونه إذا كبر، لكن هذه المرأة كان حالها حال آخر!

كانت تسأل الله الذرية ليس ﻷجل هذا،بل تريد الذرية لله و لخدمة دينه!!

 {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} 

استجاب الله لها الدعاء ،فرزقها الله الذرية وكانت قد كبرت فلما حملت وأحست بالجنين قالت:{رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} ، والله سبحانه وتعالى تقبل هذا النذر فقال تعالى :{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}.

فأول ركيزة قام عليها هذا البيت:

 الإخلاص لله تعالى والتقوى وحب الله ورسوله والصدق مع الله. 

فالأم المباركة لما أحست بالمخاض ووضعت مريم، وكانت تتمنى أن ترزق بذكر ليخدم دين الله فلما وضعتها أنثى قالت كما أخبر تعالى في كتابه قال تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} 

فلاحظي هنا عدة أمور:

-أنها استسلمت ﻷمر الله

-وسمتها مريم

-وأعاذتها من الشيطان الرجيم وهذا فيه فائدة عظيمة وهي تعويذ الأبناء من الشيطان الرجيم.

عوذتها فأعاذ الله مريم وذريتها بصلاح هذه الجدة التي حصنت نفسها وبنتها فحصل هذا التحصين حتى للأحفاد.

الشيطان ينزغ الطفل حتى عندما يخرج من بطن أمه كما صح في الحديث

"ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه ، إلا مريم وابنها".

  ولم يسلم من هذه النزغة إلا عيسى عليه السلام بتعويذ جدته. 

وهذه مسألة مهمة فهذه النزغة نزغة شيطانية ولسان حال الشيطان :"قامت الحرب الشيطانية بيننا وبينك بالشرك والتزين والاغواء وتغيير خلق الله"!!

انتهت المرحلة الاولى ، فهاهي ولدت مريم وحان وقت  تنفذ النذر

،فحملتها في ثوبها الى المعبد و رجال الكنيسة.

فلما وضعتها ألقى الله في القلوب محبتها حتى إنهم تنافسوا من يقوم عليها ويكفلها.

وهذه من الكرامات التي اكرمها الله بها منذ ولادتها وولدها عليهما السلام. 

فكلهم تنافسوا واقترعوا على من يقوم بكفالة هذه الفتاة الطاهرة عليها السلام

{ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}

بل قيل أن هذه الاقلام التي استهموا عليها كانت الأقلام التي يكتبون بها التوراة، فاقترعوا بها على من يقوم بكفالة وخدمة مريم عليها السلام. 

فكفلها الله زكريا، ذلك النبي الصالح عليه صلوات الله وسلامه، وكان قريباً لها فهو زوج خالتها، فكانت هناك امرأتين صالحتين هما :حنة وأختها.

حنة هذه امرأة آل عمران، وأختها امرأة زكريا، ذرية بعضها من بعض.

فعندما كفلها زكري كانت مريم في محرابها، قائمة مصلية تعبد الله في هذا المحراب ليلاً ونهارا لا تخرج منه، وكانت تعد لهذه الرسالة العظيمة. 

فمريم أمامها مواجهات عظيمة وأمامها منازل سيرفعها الله لها ؛ فهي الآن تعد من طفولتها لهذه المنزلة العظيمة. 

فكانت قائمة في محرابها منذ نعومة أظفارها لا تخرج منه ولا تقف عن العبادة طرفة عين، ولذلك نادتها الملائكة :{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} [آل عمران : 42-43]

فهذا السر الثاني من أسرار الاصطفاء وهو طول العبودية.

قال ابن السعدي _في تفسيره رحمه الله_

"ينوه تعالى بفضيلة مريم وعلو قدرها، وأن الملائكة خاطبتها بذلك فقالت { يا مريم إن الله اصطفاك } أي: اختارك { وطهّرك } من الآفات المنقصة { واصطفاك على نساء العالمين }

الاصطفاء الأول يرجع إلى الصفات الحميدة والأفعال السديدة، والاصطفاء الثاني يرجع إلى تفضيلها على سائر نساء العالمين، إما على زمانها، أو مطلقا، وإن شاركها أفراد من النساء في ذلك كخديجة وعائشة وفاطمة، لم يناف الاصطفاء المذكور، فلما أخبرتها الملائكة باصطفاء الله إياها وتطهيرها، كان في هذا من النعمة العظيمة والمنحة الجسيمة ما يوجب لها القيام بشكرها، فلهذا قالت لها الملائكة: { يا مريم اقنتي لربك }{ اقنتي لربك } القنوت دوام الطاعة في خضوع وخشوع، { واسجدي واركعي مع الراكعين } خص السجود والركوع لفضلهما ودلالتهما على غاية الخضوع لله، ففعلت مريم، ما أمرت به شكرا لله تعالى وطاعة"

انتهى كلامه رحمه الله

فلم تكن مريم تفتر عن العبادة والقنوت طرفة عين والله وصفها بالقنوت، والقنوت هو طول العبادة،  قال الله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} .

ونلاحظ هنا أن الله امتدحها بإحصان الفرج، وقال {وطهرك} والتطهير هنا تطهير الظاهر والباطن.

فأول شئ مدحت به أنها احصنت فرجها، مدحت بالعفة والشرف وحفظ الفرج، فهذه أعظم صفة اتصفت بها مريم عليها السلام. 

ولذلك مدحها الله في آية أخرى فقال: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء :

 هذا السر الثالث من أسرار الاصطفاء وهو العفة وحفظ الفرج والشرف.

كانت الكرامات تتتابع في حياتها، يدخل عليها زكريا فيجد عندها طعام الصيف في الشتاء وطعام الشتاء في الصيف {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران : 37].

فالله أكبر، هنا وقفه أخواتي الفاضلات

مريم عليها السلام عابدة قانته طاهرة قائمة حافظة لفرجها وكان يأتيها الرزق رغدا من كل مكان، لم تذهب للأسواق ولا تبرجت ولا أصبحت تبيع مع الرجال، بل هي في محرابها ورزقها يأتيها من كل مكان ،بل رزق ليس كرزق سائر البشر.

أخرج ابن جرير عن مجاهد {وجد عندها رزقًا} قال: فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وجد عندها رزقًا} قال: وجد عندها ثمار الجنة. فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وجد عندها رزقًا} قال: الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد.

ولذلك  قال بعض العلماء: أنها بذلت أعطم أسباب الرزق وهو التقوى؛ ﻷن الله سبحانه قال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا.وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }.

فرزقت برزق غير الناس بل أعظم من ذلك أن الله رزقها ولدا من غير زوج وجعله نبي من الأنبياء -عليهم السلام-

هذه المرحلة الأولى التي مرت بها مريم الطاهرة العابدة البتول عليها السلام. 

تأتي الآن مرحلة الإبتلاء ومرحلة الاصطفاء، تمر مريم بمحنة عظيمة. 

أثناء ما كانت تعبد الله في محرابها قائمة، قال الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)} 

فمريم حينما بلغت الشباب وبلغت ابتعدت، فاتخذت محرابا بعيدا وتحجبت وتفرغت للعبادة والخلوة بالله ومناجاته.

فهنا بيان أن البشر يرون الملائكة، فجبريل دخل على مريم بصورة رجل فيه حسن وجمال فقالت: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا}

وهذا من تقواها وعفتها ، استعاذت بالله من هذا الرجل، وقالت {إن كنت تقيا} فذكرته بالتقوى والخوف من الله!

 قَالَ {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا }

الله أكبر ،هنا جاءت البشارة لكنها مرحلة ابتلاء قوية.

فقال لها : إنما انا رسول من الله، وكان جبريل عليه السلام.

بشرها بالولد وأنه سيكون غلامازكيا، لكن مريم خافت و قالت: {قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} 

وقفة:

تأملي الطهر والعفاف حين قالت (لم يمسسني بشر)، وهذا كمال العفة والشرف، ولم تكن بغيا عليها السلام.

فقال إن هذا أمر الله وقضاءه {وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} لا تستطيعين أن تردينه.

ولذلك يشرع للإنسان إذا نزل به القضاء أن يسلم لله.

الأمر فيه ابتلاء وفتنة، وإن كان  فيه بشارة وولد.

لكن كيف تواجه المجتمع وماذا تقول لهم؟!

فاستسلمت ﻷمر الله، ونفخ في جيب درعها، ورزقها الله بهذا الولد من غير زوج وهذه أيضاً من الكرامات التي أعطاها الله عزوجل. 

مر الحمل وجاء وقت المخاض، وهنا وقفات في هذه المرحلة العظيمة ، فالآن في مفهومنا أن المرأة إذا كانت في المخاض وخاصة اذا كان الولد الأول تكون خائفة وتريد أمها وأخواتها تأنس بهم ويخففون عنها شدة الآلم وعظيم الكرب!

فهذه مرحلة ابتلاء لمريم عليها السلام، فكانت في شدة الخوف والوجل وألم الطلق ومواجهة الناس والمجتمع! 

عندها قالت كما أخبر تعالى عنها:

{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا}

فتمنت الموت، بل أنها تمنت أن تكون نسيا منسيا لا أحد يذكرها ولا يعرفها

قال ابن كثير _رحمه الله_:

"فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة ، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد ، ولا يصدقونها في خبرها ، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة ، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية ، فقالت : ( يا ليتني مت قبل هذا ) أي قبل هذا الحال ، ( وكنت نسيا منسيا ) أي لم أخلق ولم أك شيئا . قاله ابن عباس" انتهى

هنا تأتي كرامات ولطائف رب العالمين ،  قال تعالى:{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا}.

وهنا فائدة: أنك إذا كنت مع الله فلا تخافي من الناس ولا من مواجهة المجتمع ولا تخشين أحد، ثقي أن الله معك.

تأملي معية الله لعباده المؤمنين:

قال الله عزوجل:{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا .فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}. 

جاءت البشارات والكرامات!

يأمرها الله أن تهز النخلة!

هل هناك يا أخوات امرأة في المخاض تستطيع أن تهز النخلة! ؟

لكن هذه كرامات فتهز النخلة ويتساقط الرطب ، فكلي واشربي وقري عينا.

هنا قرة العين وإذا قرت يسكن القلب وجميع الجوارح، وهنا يتحقق وعد الله لها

(ولا تخافي ولا تحزني).

فنفى الله عنها الخوف والحزن والاضطراب وأتاها بأفضل الطعام وهو الرطب ،وثبت طبيا أن الرطب أفضل طعام تأكله المرأة النفاس، ﻷنه يزيد السوائل في الجسم ويسهل الولادة بإذن الله.

وجعل الله من تحتها نهر يجري،

 فقال الله تعالى: {فناداها من تحتها قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا}

و(فناداها )في تفسير الآية قولان:

قيل إن الذي ناداها جبريل عليه السلام

وقيل إنه عيسى عليه السلام.

وقال الله عزوجل لها_ ﻷنها لازالت خائفة من مواجهة المجتمع_: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}

المجتمع لا تكلمينهم فالله تعالى ربك ووليك وهو  سيدافع عنك.

 فإذا رأيت أحد فقولي : (إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا)

ويأتي لطف الله بمريم ورعاية في مخاضها وتلد هذا الغلام العظيم السيد النبي الذي جعله الله آية للعالمين.

فأتت قومها وهي تحمله، الآن قمة الابتلاء عندما تواجه المجتمع.

فقالوا لها : { يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}

لاحظي هنا ماذا قالوا لها: يا أخت هارون، فلم يقولوا يامريم بل نسبوها للعائلة؛ ﻷن المرأة هي التي تحمل اسم العائلة فإما أن ترفعه أو تضعه.

إن كانت شريفة طاهرة رفعت اسم العائلة!.

وإن كانت زانية فاسقة خفضت اسم العائلة!.

وأيضاً قالوا: وما كانت أمك بغيا، وقد كانت امرأة صالحة من سيدات النساء امرأة آل عمران. 

وهذه وقفات مهمة ﻷن أمور الشرف والعفة تتعلق بالأسرة والعائلة. 

فأشارت مريم عليها السلام على مولودها كما أمرها ربها،فأنطق الله هذا الغلام المبارك وتكلم عليه بأفصح بيان!!

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } 

تأتي الكرامة من الله، ينطق طفل صغير!

فلم يرى في العادة أن طفلا يتكلم

فكيف بطفل يتكلم بنور الله!

 أنبهر القوم وعلموا صدق تلك المرأة الصالحة، التي أنطق الله هذا الغلام ليذب عنها، وليبين طهارتها وعفتها، وأنه عبد الله،

فائدة في قوله تعالى: {وجعلني نبيا}

فدل على أن عيسى عليه السلام آتاه الله النبوة منذ ولادته. 

وهذه من الكرامات العظيمة!

وكان من الثلاثة الذين تكلموا في المهد.

انتهت هذه المرحلة، وأتت بعدها مرحلة الرسالة والنبوة، فالله سبحانه وتعالى أعطى عيسى النبوة والرسالة وأجرى على يده الآيات البينات العظيمة، فكان يبرئ الاكمة والأبرص ويحي الموتى بإذن الله، وكان يخبر بني إسرائيل بما يدخرون وما يأكلون في بيوتهم، فأعطاه الله من الآيات البينات ما آمن به الناس، وآتاه الله الإنجيل،ومن أصول إيماننا الإيمان بعيسى وبالإنجيل، ولكن كما نعلم الآن النصارى حرفوا وبدلوا وكذبوا على عيسى وجعلوه ولدا لله تعالى الله عما يقولون، ونسبوا لله الصاحبة والولد، وجعلوا الله ثالث ثلاثة -سبحانه- والله كفرهم في قوله: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

فنقول ان الديانة النصرانية حرفت وبدلت وادخلوا فيها الشرك و الكفر، بل قد اساءوا الادب مع الله اعظم إساءة..

فإن أعظم الأدب,  الأدب مع الله ومن أساء الأدب مع الله فلن يحسن الأدب مع أحد من خلقه!

بل إنهم نسبوا لله الصاحبة والولد تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. 

فهم مأمورون بإتباع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع رسالته، والله تعالى يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران : 85].

وهم مأمورون بالخضوع لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث: ((والَّذي نفسي بيدِه لا يسمعُ بي رجلٌ من هذه الأمَّةِ ، ولا يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثمَّ لم يؤمِنْ بي إلَّا كان من أهلِ النَّار)).

وقد رد ابن القيم رحمه الله على شبهة من اعتقد أن  المسيح جزء من روح الله !!
فقال :"وأما استدلالهم بإضافتها إليه سبحانه بقوله تعالى { ونفخت فيه من روحي } فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله سبحانه نوعان :
صفات لا تقوم بأنفسها كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها فعلمه وكلامه وإرادته وقدرته وحياته وصفات له غير مخلوقة وكذلك وجهه ويده سبحانه .
والثاني : إضافة أعيان منفصلة عنه كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه ومصنوع إلى صانعه لكنها إضافة تقتضي تخصيصا وتشريفا يتميز به المضاف عن غيره كبيت الله وإن كانت البيوت كلها ملكا له وكذلك ناقة الله والنوق كلها ملكه وخلقه لكن هذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه وإيجاده فالإضافة العامة تقتضي الإيجاد والخاصة تقتضي الاختيار والله يخلق ما يشاء ويختار مما خلقه كما قال تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار } وإضافة الروح إليه من هذه الإضافة الخاصة لا من العامة ولا من باب إضافة الصفات فتأمل هذا الموضع فإنه يخلّصك من ضلالات كثيرة وقع فيها من شاء الله من الناس . أ.هـ
"
الروح" ( ص 154 ، 155 (
فوصف عيسى عليه السلام بأنّه روح الله هو من باب التشريف والتكريم لعيسى وهذه الإضافة ( وهي إضافة كلمة روح إلى لفظ الجلالة ) ليست إضافة صفة إلى
الموصوف كيد الله ووجه الله  وإنما هي إضافة المخلوق إلى خالقه كوصف الكعبة بأنها بيت الله وناقة الله .

 الفوائد والعظات من قصة مريم عليها السلام:

أولا :أن الله قص علينا هذه القصص، فالقصص أسلوب قرآني والقرآن مليء بالقصص، فهو  أسلوب تربوي له عظيم الأثر.

 قص علينا قصة مريم لنتعظ ونعتبر، وقد ضرب الله بها مثلا للرجال والنساء، فلم يخصص النساء بل جعلها مثلاً لهم جميعاً؛ﻷن بعض النساء فاقت الرجال.

يقول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } .

هؤلاء النساء الطاهرات الخالدات اللاتي صدقن مع الله ورسوله. 

آسية تخلت عن الدنيا وما فيها،وهي ملكة على عرشها واختارت الله ورسوله.

فلنحرص على أن نقص على أبنائنا هذه القصص التي تحي الإيمان والقلوب. .

فما أجمل أن تقرأ كتب السيرة في البيوت، ليتربى أولادنا على هذه الموائد الإيمانية. 

وثانيا :تعويذ الأبناء وهذا له أثر كبير، وما اجتالت الشياطين الناس إلا بالغفلة عن التحصين. 

نحن يا أخواتي في مرحلة صعبة ، قنوات، تقنيات، انفتاح عالمي، شركيات، وكفر نسأل الله أن يحفظنا جميعاً. 

الآن يتداولون مقاطع يتعلمون فيها التخاطب مع الجن وادعاء الغيب وقراءة الكف وتعليق التمائم، والاعتقاد في الطاقة وأنها سبب في الشفاء ، كل هذه الأمور بدأت تتسرب في مجتمعنا.

قانون الجذب، هذا القانون ومايتضمنه من غزو على عقيدة القضاء والقدر،

وأصل من أصول الإيمان ،وإنكار المشيئة ويزعمون أن العبد هو  الذي يحقق القدر ويفعل مايشاء!!

ويزعمون أن العبد  يتواصل  مع الكون بالذبذبات وأنها تحقق للإنسان مايريد ،

وهذه هي أقوال القدرية الذين تبرأ منهم علماء السلف وانتشرت مقاطع في إنكار الغيبيات ومنها عذاب القبر والميزان والصراط، ووساوس شيطانية والإلحاد!!

وتأملي حنة لما حصنت مريم عليهما السلام حصن الله بهذا التحصين ابنها ، حتى الحفيد ينال من بركة الجدة !!

نسأل الله العافية ، ولذلك يا أخوات حصني بيتك وأهلك وذريتك في كل صباح ومساء، _يرحم الله الوالدة كانت تتفقدنا واحد واحد بالتحصين والتعويذ

ثالثا: من فوائد هذه القصة ، أسرار الاصطفاء في قصة مريم:

    أولا: الإخلاص، كما قالت أم مريم:{إني نذرت لك ما في بطني محررا} إخلاص لله.

أخلصي لله في تربيتهم وتنشأتهم على الدين والعقيدة ومحبة الله ورسوله.

ثانيا:ومن أسباب الاصطفاء العفة والشرف واحصان الفرج، كما وصف الله مريم: {والتي احصنت فرجها} ففي سورة الأنبياء لم يذكرها بإسمها بل قال: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} .

ثالثا:أيضاً من أسباب الاصطفاء دوام العبودية، قيام الليل قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}. 

تأملي في الآية مرتين قال الله {اصطفاك} ، نسأل الله من فضله. 

وسمعت مريم صوت الملائكة ورأت جبريل بعينها وهذا من الكرامات، لهذا لا تنكر مثل هذي الأمور، أن الملائكة تنزل على البشر وأنها تجالسهم وتخاطبهم، وهذا حصل مع مريم وغيرها عليها السلام. 

رابعا:من فوائد هذه القصة أن الله يرزق من يشاء بغير حساب، رزق الله واسع، والله سبحانه يرزق عباده ما يشاء، ومن أعظم أسباب الرزق التقوى، فالله يفتح لك أبواب الرزق بالتقوى، ولهذا مريم لم تذهب للأسواق ولم تتبرج ولم تخالط الباعه وتبيع بجانب الرجل، بل هي في محرابها ورزقها يأتيها من كل مكان، بل رزق ليس كرزق البشر، وهذه فائدة مهمة.

خامسا: من أعظم فوائد هذه القصة الالتجاء إلى الله والدعاء، وهذا من أعظم العبادات.

ولهذا يا أخواتي من اشتدت بها الأمور وأغلقت عليها الأبواب، من حرمت الذرية، من خافت، من حزنت فلتبتهل إلى الله سبحانه بالدعاء. 

زكريا يوم أن رأى فضائل مريم عليها السلام ورأى كرامات أبهرته اشتاق إلى الذرية قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}

وبعدها قال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}.

فزكريا حينما رأى تلك الفضائل وراى تلك الفتاة الصالحة، فدعاء ربه ، رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، هل أعطاه الله أم لم يعطه؟!

أعطاه سبحانه ونادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب،  وجاءت الإجابة بالفاء الفورية، استجاب له وهو في المحراب. 

ورزقه الله بيحى عليه السلام _نبي من الأنبياء -قال تعالى في وصفه:(يا زكريا إنّا نُبشّرُك بغلامٍ اسمهُ يحيى لم نجعلْ لهُ مِن قَبْلُ سَمِيّا)

وقال تعالى:( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) آل عمران / 39 .
فقد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى (حَصُورًا) هو الذي لا يأتي النساء ، وذهب آخرون إلى أنه المعصوم من الذنوب .
قال الإمام  السعدي رحمه الله :
"هذا المبشر به وهو يحيى ، سيد من فضلاء الرسل وكرامهم : و"الحصور" ، قيل : هو الذي لا يولد له ، ولا شهوة له في النساء ، وقيل : هو الذي عصم وحفظ من الذنوب والشهوات الضارة ، وهذا أليق المعنيين" انتهى .
وقال القاضي عياض رحمه الله : "معناه : أنه معصوم من الذنوب ، أي : لا يأتيها ، كأنه حُصر عنها ، وقيل : مانعا نفسه من الشهوات ، وقيل : ليست له شهوة في النساء"

 انتهى من"الشفا" (1/88) .

وقد أثنى الله تعالى على يحيى عليه السلام فقال تعالى : (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)  مريم / 12  15.
فقوله : ( وزكاةً ) قال ابن جرير رحمه الله : "هو الطهارة من الذنوب ، واستعمال بدنه في طاعة الله ....

ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : (وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا) قال : "طهر فلم يعمل بذنب" انتهى

تفسير الطبري" (18/159) .

فيا أخواتي عليكم بالدعاء فهو مخ العبادة، ولا تستكثري شيئاً، بل اسألي واحسني الظن بربك الكريم

وابشركم أنكم في مجلس عظيم مبارك، وقد جئتم وفرغتم أنفسكم، في تذاكر آيات من كتاب الله وقصة من اعظم القصص وقد جاء في الحديث: ((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ))،

وجاء في الحديث أن الملائكة تصعد إلى ربها بعد أن تجالس أهل الذكر

كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله ملائكة سيارة فضلاء يتتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك قال وماذا يسألوني قالوا يسألونك جنتك قال وهل رأوا جنتي قالوا لا أي رب قال فكيف لو رأوا جنتي قالوا ويستجيرونك قال ومم يستجيروني قالوا من نارك يا رب قال وهل رأوا ناري قالوا لا قال فكيف لو رأوا ناري قالوا ويستغفرونك فيقول قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا قال فيقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم فيقول وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم )رواه مسلم

فتعرضوا لنفحات الله في هذه المجالس الطيبة. 

وتأملي في قصة أيوب وقد اشتدت به الخطوب فدعى الله بدعوة استجابها سبحانه

 { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ} 

فجاءت الإجابة بالفاء، والفاء هنا تفيد الفورية ، بل ان الله تعالى قال له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}

 فأبدله الله الجسد والصحة والذرية والمال و أمطرت عليه السماء بجراد من ذهب.

سادسا: من فوائد الحجاب، أن مريم اتخذت الحجاب كما قال الله {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا} قال ابن جرير في تفسيره "يقول: فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس ، وذُكر عن ابن عباس، أنها صارت بمكان يلي المشرق، لأن الله أظلها بالشمس، وجعل لها منها حجابا"

فمريم عليها السلام عندما كبرت وحاضت  تحجبت

فالحجاب هو شعار سيدات النساء المؤمنات العفيفات

وما الهجمة القوية على المرأة المسلمة من أعداء الإسلام ومن يتبعون الشهوات إلا محاولة لإخراجها عن دينها وحجابها وسترها وحشمتها شبهات تثار ، الآن شبهة كشف الوجه وأنه غير واجب ، ووالله إن وجوب تغطية الوجه وأدلته أبين من الشمس في كبد السماء،  ولو استقصيتها لسردت لكم أكثر من مائة دليل على وجوب تغطية المرأة لوجهها بل إن الله يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}

فهذا خطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته ونساء المؤمنين، خطاب خاص لخيرة النساء وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته ثم عطف عليهن نساء المؤمنات والعطف يقتضي المغايرة خطاب موجه لكل مؤمنة من رب العالمين يأمرها أن تدني الخمار والإدناء يكون من الأعلى إلى أسفل وهذا المعروف في اللغة العربية وعند العرب.

قال ابن كثير رحمه الله_

" يقول تعالى آمرا رسوله ، صلى الله عليه وسلم تسليما ، أن يأمر النساء المؤمنات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء . والجلباب هو الرداء فوق الخمار . قاله ابن مسعود ، وعبيدة ، وقتادة ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء الخراساني ، وغير واحد "انتهى

وقال الله :{ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} ﻷن الإماء لم يكونوا يتحجبون فكانت المرأة الشريفة الحرة تتحجب.

وقال مجاهد يتجلببن فيعلم أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة .

وعن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية) : ( يدنين عليهن من جلابيبهن (، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها .

وتقول عائشة رضي الله عنه: رحم الله نساء الأنصار لما نزل قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ } شققن مروطهن فختمرن بها فكأنهن الغربان السود!

امتثال فوري لأمر الله عندما أنزلت الآية من نساء الصحابة رضي الله عنهن وأرضاهن!!

فالأدلة واضحة ولكن من في قلبه مرض وشبهة يبدأ يجادل ليفسد نساء المسلمين.

ولو قلت لك خمري الإناء ، فالمعنى المعروف غطيه، فالخمار تغطية ولم نرى خمارا مفتوحا!!

والـخُمر‏:‏ جمع خِمار، مأخوذ من الخمر، وهو‏:‏ الستر والتغطية، ومنه قيل للخمر خمرًا؛ لأنها تستر العقل وتغطيه،

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في ‏[‏فتح الباري‏:‏ 8/489‏]‏ ‏:‏ ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها ‏.‏ انتهى ‏.‏

من الأدلة قوله تعالى : {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِن}

يأمر المرأة العفيفة أن لا تضرب برجليها لئلا يسمع صوت الخلخال فما بالك بفتنة الوجة!

أيهما أشد فتنة الوجه أو القدم؟!.

أيهما أشد فتنة الوجة أم الخلخال؟!.

تأملي قول أم سلمة حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن جرَّ ثوبَه مِن الخُيَلاءِ لم يَنْظُرِ اللهُ إليه ، قالت أمُّ سَلَمَةَ : يا رسولَ اللهِ ، فكيف تَصْنَعُ النساءُ بذيولهن ؟ قال : تُرْخينَه شِبْرًا . قالت: إذا تَنْكَشِفُ أقدامُهنَّ. قال : تُرْخِينَه ذِراعًا لا تزِدْنَ عليه.

وفقه الحديث يدل على أن الرجل عورة،  ﻷن أم سلمة حين راجعت رسول الله وقالت: إذا تنكشف اقدامهن، يدل على أنه يجب عليها ستر قدميها لأنها عورة.

فإذا كانت القدم تستر فما بالك بالوجه وفتنته!!

ومن الأدلة قوله تعالى الله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فهذه الآية دليل عل  أن المرأة الكبيرة القاعد من النساء التي يئست من الحيض وليس لها رغبة في الرجال  وليس فيها فتنة يجوز لها ان تضع من حجابها بدون تبرج فلو قال قائل أن حكم الشابة كذلك فلماذا تذكر القواعد في القرآن وتخص؟؟

أليس في ذلك إبطال للنص !!

وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لتلبسها أختها من جلبابها)

فلم يقل أنه يجوز لها ان تخرج بدون جلباب في حالة عدمه، بل لا بد لها من لبسه حتى لو تستعيره.

فدل على وجوبه!

من الأدلة على الحجاب : النظرة الشرعية للخاطب

يقولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ ، فإن ذلك أحرى إلى أن يؤدم بينهما ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه  كتاب النكاح ، والحاكم في المستدرك بإسناد حسن وصححه الحاكم

 أحل الله للرجل إذا أراد أن يخطب امرأة أن ينظر إليها نظرة شرعية بوجود محرمها تدخل عليه وتكشف ما يدعوه إلى نكاحها كالوجه واليدين وجزء من الشعر ،وتمر مرور أمام الخاطب، بشرط أن يكون الرجل عازم على النكاح.كما قرر ذلك أهل العلم .

فإذا كان هذا الخاطب سيرى هذه المرأة في الشارع والسوق والجامعة فما الداعي لهذه النظر الشرعية!!

ومارأيك لو يقال له انظر إلى قدميها فقط ،دون الوجه !

هل يكون رأها؟دون النظر إلى وجهها!!

وهذا يدل على أن القول بكشف وجه المرأة وتغطية رجليها قول مخالف للفطرة والعقل والنظر!!

فالله المستعان. 

ونصوص الكتاب والسنة حجة قائمة على ثبوت هذا الأمر الرباني

ولو لم تنزل إلا آية النور لكانت شافية كافية في أمر الحجاب

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدن زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 30ـ31‏]‏ ‏.‏

فتأملي كيف  انتظمت حجاب النساء عن الرجال الأجانب وتفصيل المحارم واحدا واحدا ، وإعمال سد الذرائع الموصلة إلى كشف شيء من بدنها أو زينتها خشية الافتتان بها،وختمت بالتوبة .

أسأل الله أن يثبتنا جميعا ويزيدنا ثباتا وحشمة وجميع نساء المسلمين

وما عهدنا جداتنا وأمهاتنا إلا عابدات في محرابهن متمسكات بحجابهن. 

سابعا:من الفوائد الاستسلام لله والخضوع ﻷمره والرضا بالقضاء والقدر، فمريم حينما أجرى الله عليها هذا الأمر سلمت ﻷمر الله، فالله سبحانه لم يخذلها بل رفعها عليها السلام. 

فلابد لك من الإيمان بالقضاء والقدر حتى لو كرهته النفس وشق عليها مادام انه قدر الله فقولي سمعنا وأطعنا. 

وثقي يا أخوات أن بعض الأمور تكرهينها وتكون شديدة عليك لكن الله يريد بك خيرا وتكون ابتلاء ورفعة وتثبيت وترين عاقبتها بعد حين خيرا عظيما. 

فنسأل الله أن يثبتنا، و يجعلنا ممن قال تعالى فيهم: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ }. 

اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معـصيتك ومن طاعـتك ما تبلّـغـنا به جنتَك ومن اليقـين ما تُهّون به عـلينا مصائبَ الدنيا ومتـّعنا اللهم باسماعِـنا وأبصارِنا وقـواتـِنا ما أبقـيتنا واجعـلهُ الوارثَ منـّا واجعـل ثأرنا على من ظلمنا وانصُرنا على من عادانا ولا تجعـل مصيبـتَـنا في ديـننا ولا تجعـل الدنيا أكبرَ هـمِنا ولا مبلغَ علمِنا ولا اٍلى النار مصيرنا واجعـل الجنة هي دارنا ولا تُسلط عـلينا بذنوبـِنا من لايخافـُـك فينا ولا يرحمـنا .

 اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنه والنجاة من النار. 

اللهم لا تدع لنا في مجلسنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا دينا الا قضيته ومريضا الا شفيته ولا حيران الا دللته ولا مذنبا الا مننت عليه بالتوبة النصوح ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا ولنا فيها صلاح الا قضيتها ويسرتها برحمتك يا ارحم الراحمين.

اللهم إنا نستغفرك ﻷبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا رب ارحمهما كما ربونا صغارا 

اللهم إنا نستغفرك للمؤمنين والمؤمنات. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

محاضرة /سيدات المحراب

د.قذلة بنت محمد بن عبدالله آل حواش القحطاني

ألقيت في عدد من الجوامع