بدع عاشوراء

سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أحْمَدَ بن تيميه رحمه الله تعالى:

عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، مِنْ الْكُحْلِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْحِنَّاءِ، وَالْمُصَافَحَةِ وَطَبْخِ الْحُبُوبِ، وَإِظْهَارِ السُّرُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ: فَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ؟ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً؟ أَمْ لَا؟ وَمَا تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَقِرَاءَةِ الْمَصْرُوعِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ أَمْ لَا؟

فَأَجَابَ رحمه الله تعالى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا غَيْرِهِمْ. وَلَا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، لَا صَحِيحًا، وَلَا ضَعِيفًا، لَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ،وَلَا فِي السُّنَنِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ، وَلَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ. وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ، مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، لَمْ يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامَ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَرَوَوْا فَضَائِلَ فِي صَلَاةِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَرَوَوْا أَنَّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَوْبَةَ آدَمَ، وَاسْتِوَاءَ السَّفِينَةِ عَلَى الْجُودِيِّ، وَرَدَّ يُوسُفُ عَلَى يَعْقُوبَ، وَإِنْجَاءَ إبْرَاهِيمَ مِنْ النَّارِ، وَفِدَاءَ الذَّبِيح بِالْكَبْشِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ. وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذِبٌ....

فَصَارَتْ طَائِفَة جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةً مُنَافِقَةً، وَإِمَّا ضَالَّةً غَاوِيَةً، تُظْهِرُ مُوَالَاتَهُ وَمُوَالَاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ، تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ، وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ، مَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ....

وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ، وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ....

وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ. فَعَارَضَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ إمَّا مِنْ النَّوَاصِبِ الْمُتَعَصِّبِينَ، عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَهْلِبَيْتِهِ، وَإِمَّا مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ، وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ، وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ، وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ، فَوَضَعُوا الْآثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛ كَالِاكْتِحَالِ وَالِاخْتِضَابِ، وَتَوْسِيعِ النَّفَقَاتِ عَلَى الْعِيَالِ، وَطَبْخِ الْأَطْعِمَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ، فَصَارَ هَؤُلَاءِ يَتَّخِذُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَوْسِمًا كَمَوَاسِمِ الْأَعْيَادِ وَالْأَفْرَاحِ، وَأُولَئِكَ يَتَّخِذُونَهُ مَأْتَمًا يُقِيمُونَ فِيهِ الْأَحْزَانَ وَالْأَتْرَاحَ، وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ السُّنَّةِ....

وَأَمَّا سَائِر الْأُمُورِ: مِثْلُ اتِّخَاذِ طَعَامٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَادَةِ، إمَّا حُبُوبٍ، وَإِمَّا غَيْرِ حُبُوبٍ، أَوْ فِي تَجْدِيدِ لِبَاسٍ، أَوْ تَوْسِيعِ نَفَقَةٍ، أَوْ اشْتِرَاءِ حَوَائِجَ الْعَامِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، أَوْ فِعْلُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ، كَصَلَاةِ مُخْتَصَّةٍ بِهِ، أَوْ قَصْدُ الذَّبْحِ، أَوْ ادِّخَارُ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ، لِيَطْبُخَ بِهَا الْحُبُوبَ، أَوْ الِاكْتِحَالُ أَوْ الإختضاب أَوْ الِاغْتِسَالُ، أَوْ التَّصَافُحُ أَوْ التَّزَاوُرُ، أَوْ زِيَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي لَمْ يَسُنُّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا اسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا مَالِكٌ وَلَا الثَّوْرِيُّ وَلَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا الأوزاعي وَلَا الشَّافِعِيِّ، وَلَا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ، وَلَا إسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، وَلَا أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ، قَدْ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ وَآثَارًا، وَيَقُولُونَ: إنَّ بَعْضَ ذَلِكَ صَحِيحٌ، فَهُمْ مُخْطِئُونَ غَالَطُونِ بِلَا رَيْبٍ، عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ. وَقَدْ قَالَ حَرْبٌ الكرماني فِي مَسَائِلِهِ: سُئِلَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ فِلْم يَرَهُ شَيْئًا. اهـ.

مجموع الفتاوى 25/299- 312.

 

وقال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى:

أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء، والتزين والتوسعة والصلاة فيه، وغير ذلك من فضائل، لا يصح منها شيء، ولا حديث واحد، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، غير أحاديث صيامه، وما عداها فباطل.

وأمثل ما فيها: من وسع على عياله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته؛ قال الإمام أحمد: لا يصح هذا الحديث.

وأما حديث الاكتحال والإدهان والتطيب، فمن وضع الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن، والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة.

وأهل السنة يفعلون فيه، ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع. اهـ.

المنار المنيف 1/111- 112.

 

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:

وكل ما روى في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء، والإختضاب، والاغتسال فيه، فموضوع لا يصح....

وأما اتخاذه مأتمًا، كما تفعله الرافضة، لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه، فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتمًا، فكيف بمن دونهم؟ اهـ.

لطائف المعارف 1/ 58- 60.

 

وقال العلامة ابن الحاج رحمه الله تعالى:

وأما ما يفعلونه اليوم، من أن عاشوراء يختص بذبح الدجاج وغيرها، ومن لم يفعل ذلك عندهم، فكأنه ما قام بحق ذلك اليوم، وكذلك طبخهم فيه الحبوب وغير ذلك. ولم يكن السلف رضوان الله عليهم يتعرضون في هذه المواسم، ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة....

وإن كان بعضهم يتصدق، فالغالب عليهم أنها الصدقة الواجبة. ثم إنهم يضمون إلى ذلك بدعة أو محرمًا، وذلك أنه يجب على بعضهم الزكاة مثلا، في شهر صفر أو ربيع أو غيرهما من شهور السنة، فيؤخرون إعطاء ما وجب عليهم إلى يوم عاشوراء....

وعند بعض من ذكر نقيض ذلك، وهو أن يخرج الزكاة قبل وقتها، لأجل يوم عاشوراء! اهـ.

المدخل 1/289- 290.

 

وقال الشيخ محمد عبد السلام الشقيري رحمه الله تعالى:

صلاة عاشوراء: والحديث فيها موضوع، رواته مجاهيل، كما ذكره الجلال السيوطي في اللآلئ المصنوعة، فلا تحل روايته....

أما قراءة دعاء عاشوراء المذكور في مجموع الأوراد، فبدعة منكرة، ومثله دعاء أول السنة وآخرها، وهما في المجموع أيضًا، وهما بدعة منكرة ضلالة، وقولهم في دعاء عاشوراء: إن من قرأه لم يمت تلك السنة، كذب في الدين، وجرأة على الله، قال الله تعالى: إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر! وقراءة: حسبي الله ونعم الوكيل، على ما أورد للتشفي به، من العلل والأسقام، اعتقاد فاسد وضلال مبين، وبخور عاشوراء، واعتقاد أنه رقية نافعة، لدفع الحسد والنكد والسحر وكل شيء، اعتقاد شركي حقير، وشر على عقول الأبناء مستطير. اهـ.

السنن والمبتدعات 1/134- 135.

 

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:

وبما ذكرنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن رجب رحمهما الله، يُعلم أن الأحاديث الواردة في تخصيص يوم عاشوراء، بالاكتحال أو الإغتسال أو الإختضاب موضوعة، وهكذا أحاديث التوسعة على العيال كلها غير صحيحة، وأما ما نقله إبراهيم بن محمد المنتشر، وهو من صغار التابعين، عن غيره ولم يسمه, وهكذا عمل سفيان بن عينية الإمام المشهور، فلا يجوز الاحتجاج بذلك، على شرعية التوسعة على العيال؛ لأن الحجة في الكتاب والسنة، لا في عمل التابعين ومن بعدهم؛ وبذلك يعتبر أمر التوسعة على العيال يوم عاشوراء، بدعة غير مشروعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » خرجه مسلم في صحيحه، وعلقه البخاري جازما به, ولقوله صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »، متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها....

وأما اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، فهو من البدع المنكرة التي أحدثها الرافضة، وخالفوا بها أهل السنة والجماعة، وما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز التشبه بهم في ذلك، والله المستعان. اهـ.

مجموع فتاوى ابن باز 26/252- 253.

 

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:

أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب، أو في ليلة النصف من شعبان، أو في يوم عاشوراء، فإنه لا أصل له، ويُنهى عنه، ولا يحضر إذا دُعي الإنسان إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة....

وأما يوم عاشوراء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن صومه، فقال: يكفر السنة الماضية التي قبله. وليس في هذا اليوم شيء من شعائر الأعياد، وكما أنه ليس فيه شيء من شعائر الأعياد، فليس فيه شيء من شعائر الأحزان أيضاً، فإظهار الحزن وإظهار الفرح في هذا اليوم، كلاهما خلاف السنة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا صومه، مع أنه عليه الصلاة والسلام أمر أن نصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده، حتى نخالف اليهود الذين كانوا يصومونه وحده. اهـ.

فتاوى نور على الدرب 19/ 91-90.