أولاً: الإيذاء النفسي

لم تقصر مكايد الشيطان لنبي البشر على إيقاعهم في الكفر والشرك، والبدع والأهواء، بل تعدت لتشمل جميع صنوف الإيذاء البدني والنفسي فهو لا يفتأ مع العبد يضله ويزين لـه الكفر والشرك ويدبر لـه مع ذلك أنواعاً من الأذى البدني والنفسي، وهذا في حالة ما إذا وجده غير متسلح بسلاح الذكر والدعاء والأوراد الواردة في الكتاب والسنة، مع العلم أن أنواع الإيذاء البدني تشمل الجانب النفسي، ولكن جاء الفصل بينهما، زيادة في الإيضاح والتفصيل.

ومن أنواع الإيذاء النفسي ما يلي:

1-    الغضب.

2-    الوسوسة.

3-    التخذيل.

4-    النجوى.

5-    سوء الظن وإثارة الشكوك والنزغ بين العباد.

6-    الحلم.

7-    الحزن.

8-    النسيان.

أولاً: الغضب

وهو «غليان دم القلب طلباً لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلباً للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه».

وهي جمرة من نار يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ليعتدي ويظلم ويتكلم بفحش القول، ورديء الكلام... إلى غير ذلك من الأفعال المشينة التي تصدر من الغضب.

وفي الحديث: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) .

وفي الصحيحين عن سليمان بن صرد  قال: (كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم  ورجلان يستبان، فأحدهما أحمر وجهه وانتفخت أوداجه  ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد) فقالوا لـه: إن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: تعوذ بالله من الشيطان. فقال: وهل بي جنون؟

فتأمل كيف حال الغضب بينه وبين قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وطاعة الهادي البشير – عليه الصلاة والسلام – .

قال النووي – رحمه الله – : «فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ... وأنه سبب لزوال الغضب، وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه: (هل ترى بي من جنون؟) فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى، ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون، ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان... ويحتمل أن هذا القائل... كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب».

ومن هنا استنبط العلماء أن من أقوى الأشياء في دفع الغضب هو استحضار التوحيد واللجوء إلى الله، فالمعنى الحقيقي للاستعاذة هو الاعتقاد بأنه لا منقذ له من المكروه إلا الله، ولو شاء سبحانه لم يسلط على الإنسان أعداءه ومن يعاشرهم.

قال ابن حجر – رحمه الله – : «وبهذا يظهر السر في أمره صلى الله عليه وسلم  الذي غضب بأن يستعيذ من الشيطان لأنه إذا توجه إلى الله في تلك الحالة بالاستعاذة به من الشيطان أمكنه استحضار ما ذكر، وإذا استمر الشيطان متلبساً متمكناً من الوسوسة لم يمكنه من استحضار شيء من ذلك»  أ.هـ.

ولهذا عد من يملك نفسه عند الغضب هو الفاضل الممدوح حقاً، قال صلى الله عليه وسلم  في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في الصحيح (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)  .

ولهذا يتوجه عند الغضب الالتزام بآداب وفضائل تعين على دحر الشيطان وهزيمته ومنها:

1-    الوضوء.

2-    الاستعاذة بالله تعالى.

3-    كظم الغيظ وإمساك النفس عند الانتصار والخصومة.

4-    الجلوس إن كان قائماً والاضطجاع إن كان جالساً  .

ثانياً: الوسوسة

الوسوسة حديث النفس والأفكار، وهو الصوت الخفي وتسمى أصوات الحلي وَسْواس  ، والوسوسة مأخوذة من الفعل الرباعي وسوس وليس من الثلاثي المضاعف لأنها تدل على التكرار نحو صرصر وذرذر بخلاف صرّ وذرّ فلا تدل على التكرار فتبين من هذا أن الوسوسة كلاماً يكرره الموسوس ويؤكده  والوَسْوَاس اسم للشيطان  .

وهي صفة ثابتة من صفات إبليس – أخزاه الله – قال تعالى في وصفه: ﴿ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ [الناس:5]، فبين سبحانه أنه وسواس، وأن محل هذه الوسوسة هو صدور الناس، فهو يجري من العبد مجرى الدم فيوسوس له بالشر ويشككه في خالقه، ويدخل عليه الحزن بهذه الوسوسة ويشغل القلب بحديثه حتى ينسيه ما يريد فعله  .

قال ابن القيم – رحمه الله – : «وتأمل حكمة القرآن وجلالته كيف أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعه فإن قـوله: ﴿مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ [الناس:4] يعم كل شره، ووصفه بأعظم صفاته وأشدها شراً وأقواها تأثيراً وأعمها فساداً وهي الوسوسة التي هي مبادئ الإرادة، فإن القلب يكون فارغاً من الشر والمعصية يوسوس إليه ويخطر الذنب بباله فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه فيصير شهوة ويزينها له ويحسنها له...»  أ. هـ.

وقد قيل: «يدخل – أي الشيطان – في جسد بني آدم لأنه جسد لطيف ويوسوس، وهو أن يحدث النفس بالأفكار الرديئة»  .

وأشد ما يكون العبد عليه إذا كان في صلاته، لذلك هو يسارع إلى الوسوسة له ليفسدها عليه، وفي حديث عثمان بن العاص حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي يلبسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «ذاك شيطان يقال لـه: خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً» قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني  .

ومعنى حال: أي بيني وبين الصلاة حتى حرمني لذتها وأذهب الخشوع فيها  ، ولبسها: «أي يخلطها ويشككني فيها»  .

وسيأتي المزيد عن الوسوسة في مبحث قادم إن شاء الله  .

ومن الوسوسة اللَّمة.

روى الترمذي من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فوعد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله تعالى، فيحمد الله تعالى، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله  من الشيطان  ، ثم قرأ: ﴿ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ[البقرة:268]

والمراد باللمة: «الخطرة تقع في القلب.. فما كان من خطرات الخير، فهو من الملك، وما كان من خطرات الشر، فهو من الشيطان»  .

قال ابن القيم – رحمه الله – : «وأما لمة الشيطان، فهي وعده وتَمْنيتُهُ حين يَعدُ الإنسي، ويأمره وينهاه، كما قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120] أ. هـ.

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين: «ومن نعمة الله أن للشيطان ما يضاده، وهي لمة الملك، فإن للشيطان في قلب ابن آدم لمة وللملك لمة، ومن وفق غلبت لمة الملك لمة الشيطان»  .

وعلى ذلك يكون نتيجة لمة الملك الانشراح والنور والتوكل والإنابة والتعلق بالله تعالى، وقصر الأمل والإعراض عن الدنيا.

وأما لمة الشيطان فينتج عنها: الضيق، والحزن، الهم، الغم، الخوف، التسخط، التكالب على الدنيا، والإقبال عليها والغفلة عن ذكر الله  .

يقول ابن القيم – رحمه الله – : «ثم للناس في هذه المحنة مراتب لا يحصيها إلا الله، فمنهم من تكون لمة الملك أغلب من لمة الشيطان وأقوى، فإذا ألـمَّ به الشيطان وجد من الألم والضيق والحصر وسوء الحال بحسب ما عنده من حياة القلب، فيبادر إلى طرد تلك اللَّمَّة ولا يدعها تستحكم فيصعب تداركها، فهو دائماً في حرب بين اللَّمَّتين، يدال لـه مرة ويدال عليه مرة أخرى والعاقبة للمتقين»  أ. هـ.

ولهذا تأمل كيف يتسابق الملك والشيطان على بني الإنسان، وفي الحديث عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «إذا أوى أحدكم إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان يقول الشيطان افتح بشر ويقول الملك افتح بخير فإن ذكر الله ذهب الشيطان ويأت الملك ويكلأه وإذا استيقظ ابتدره ملك وشيطان يقول الشيطان: افتح بشر ويقول الملك: افتح بخير فإن قال الحمد لله الذي رد إلي نفسي بعد موتها ولم يمتها في نومها، الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم، الحمد لله الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، فإن خر من دابة مات شهيداً وإن قام فصلى صلى في الفضائل»  .

ثالثاً: التخذيل

«الخاذلُ: ضد الناصر. خَذلـه وخَذل عنه يَخْذُلـه خَذْلا وخِذْلانا: ترك نُصْرته وعَوْنه. والتخذيل: حمل الرجل على خذلان صاحبه وتثبيطه عن نصرته»  ، ومن هذا المعنى اللغوي يتبين لنا معنى التخذيل الذي يسلكه الشيطان مع العبد فهو يحرص على غرس الوهن والخذلان في قلوب العباد وله في ذلك مواقف مشهورة منها:

أ- تخذيله للمسلمين في الغزوات كما في غزوة أحد، قال شيخ الإسلام – رحمه الله – في معرض الحديث عن غزوة أحد: «وكان الشيطان قد نعق في الناس أن محمداً قد قتل؛ فمنهم من تزلزل لذلك فهرب، ومنهم من ثبت فقاتل، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡ‍ٔٗاۗ وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلشَّٰكِرِينَ[آل عمران:144]

وفي حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ولما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم، فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله أبي أبي. فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة: غفر الله لكم. قال عروة: فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله .

ب- وفي غزو بدر – أيضاً – عن ابن عباس قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه، رأيته في صورة رجل من مدلج، فقال الشيطان للمشركين: (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم  قبضه من التراب فرمق بها في وجوه المشركين فولوا مدبرين وأقبل جبريل – عليه السلام – إلى إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبراً وشيعته فقال: يا سراقة أتزعم أنك لنا جارا، فقال: ﴿ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكُمۡ إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ [الأنفال:48] وذلك حين رأى الملائكة  .

قال سيد قطب – رحمه الله – : «وفي هذا الحادث نص قرآني يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم وشجعهم على الخروج بإعلان إجارته لهم ونصرته إياهم، وأنه بعد ذلك... خذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم»  أ. هـ.

رابعاً: النجوى

قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٩إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ [المجادلة:10]

«النَّجوى والنَّجِيُّ الـمُتسارُّون... والنجوى اسم للمصدر... وناجى الرجل مُناجاةً، ونجاء: ساره. وانتجى القوم وتناجوا: تسارُّوا»  .

وكانت النجوى من الشيطان لأنه يحزن بها الذين آمنوا بما يسلط عليهم من الوساوس والشكوك والظنون، ولهذا جاءت الأحاديث أيضاً بالنهي عن النجوى ففي الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر»  ، وعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه»  .

قول من «من أجل أن يحزنه» قال القرطبي –  رحمه الله – : «أي يقع في نفسه ما يحزن لأجله. وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنه لم يروه أهلاً ليشركوه في حديثهم... وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلاً، لوجود ذلك المعنى في حقه»  أ. هـ.

واختلف المفسرون في النجوى التي هي من الشيطان على أقوال:

الأول: مناجاة المنافقين، بعضهم البعض... ليغيظوا المؤمنين وكان ذلك يكبر في صدور المؤمنين ويحزنهم فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم  .

الثاني: مناجاة المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم  حيث كان من له حاجة يناجى الرسول صلى الله عليه وسلم  وكان لا يمنع أحداً، وكان الشيطان يأتي إلى القوم فيقول لهم: أنهم يتناجون للحرب والقتال.

الثالث: أن المراد الأحلام التي يراها النائم في منامه فتحزنه  .

ونسبت للشيطان لأنها من تزيينه، وغروره وتسويله حيث يريد أن يحزن المؤمنين ويوهمهم أن هناك مكيدة تراد بهم  .

خامساً: سوء الظن، وإثارة الشكوك والنزغ بين العباد

الشيطان عدو متربص بالعبد، يتحين الفرص لإثارة الشكوك والظنون في قلب العبد، سعياً لإفساده وذلك بعدة طرق:

أولاً: اشغاله عن ذكر الله تعالى.

ثانياً: صرفه عما هو أولى في حقه من عبادة الله والاشتغال بالطاعة إلى الاشتغال بسفاسف الأمور وتتبع العورات.

ثالثاً: إثارة الخلافات في المجتمع وتفريق الوحدة حيث سوء الظن بين الناس والتحريش بينهم.

وقد جاء في حديث جابر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم).

المراد بالتحريش: «الخلاف والشرور والعداوة والبغضاء بينهم حتى تكون من ذلك أمثال تلك الفتن العظيمة والخطوب الجسيمة»  .

وفي حديث صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم  عندما جاءت إلى  النبي صلى الله عليه وسلم  وهو معتكف فقام ليقلبها، كما في الحديث قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم  أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما، إنها صفية بنت حيّي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو شيئاً»  .

قال القاضي عياض: «قيل: هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل لـه قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان في مجاري دمه. وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته، فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه. وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل وسوسته إلى القلب» أ.هـ.

وقال النووي – رحمه الله – : «فيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة... وفيه الاستعداد للتحفظ من مكايد الشيطان فإنه يجري من الإنسان مجرى الدم فيتأهب الإنسان للاحتراز من وساوسه وشره»  .

وقد ينزغ بين العباد بكلمة يلقيها الشخص على أخيه تتسبب في القطيعة والبغضاء، قال تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا [الإسراء:53]

وقال تعالى على لسان يوسف – عليه السلام – : ﴿ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ١٠٠[يوسف:100]

وربما نزغ بينهم وأثار بعضهم على بعض حتى يقتل بعضهم  بعضاً، قال تعالى : ﴿ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ ١٥[القصص:15]

سادساً: الحُلُم

«الرؤيا والحلم: عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح...».

وفي الحديث عن أبي قتادة: «الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان  . فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره»  .

وفي البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله عز وجل فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره»  .

قال ابن حجر – رحمه الله – : «وإضافة الحلم إلى الشيطان بمعنى أنها تناسب صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك بخلاف الرؤيا الصادقة فأضيفت إلى الله إضافة تشريف، وإن كان الكل بخلق الله وتقديره» ا.هـ. وقيل إنه يحضرها ويفرح بها  .

وظاهر الحديث – والله أعلم – أنها بسبب الشيطان وأن الله أقدره على ذلك وسلطه على العبد لإغوائه وتخويفه.

وقد يتلاعب الشيطان بالنائم، ففي حديث جابر – رضي الله عنهما – قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم  وقال: «إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس»  .

لهذا أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم  للآداب الشرعية في حال الرؤى الشيطانية، وهي:

1-    أن يبصق عن يساره.

2-    التحول إلى ناحية أخرى.

3-  الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأنه عدو متربص، ولن يخلصك منه إلا أن تعتصم وتلتجئ بالله تعالى وتخلص لـه في اللجوء.

4-    أن لا يحدث بها  .

سابعاً: الحزن

«والـحُزْنُ والـحَزَنُ: نقيض الفرح وهو خلاف السرور»  والجمع أحزان.

ومن إيذاء الشيطان للعبد الحزن، فهو يحزن العبد ليشغله عن الطاعة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ [المجادلة:10]

قال ابن القيم – رحمه الله – : «إن الحزن موقف غير مُسَرِّ، ولا مصلحة فيه للقلب. وأحب شيء إلى الشيطان أن يُحزِّن العبد ليقطعه عن سيره ويوقفه عن سلوكه» ا.هـ.

وفي حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى اليمن قال: (يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمرَّ بمسجدي وقبري، فبكى معاذ بن جبل جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : لا تبك يا معاذ للبكاء أو إن البكاء من الشيطان)  .

ثامناً: النسيان

وهو الترك  . «والنَّسي الشيء الـمَنْسِىّ الذي لا يذكر»  ، منه قولـه تعالى: ﴿ وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا[مريم:23]

«والنسأ التأخير، يقال: نسأت الشيء نسأ وأنسأته إنساءً إذا أخرته  ، النسيان ضلالة لما فيه من الحيرة»  .

ومن الإيذاء النفسي للعبد النسيان وهو من الشيطان، يقول تعالى:  ﴿ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ [المجادلة:19]

ويقول تعالى: ﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ [الأنعام:68]

وفي قصة يوسف – عليه السلام – يقول تعالى:  ﴿ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ[يوسف:42]

وفي قصة موسى – عليه السلام – يقول تعالى ﴿قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبٗا [الكهف:63]

قال ابن كثير – رحمه الله – : «في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ[الكهف:24]  ، أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى لأن النسيان منشؤه من الشيطان، كما قال في فتى موسى ﴿ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ [الكهف:63] ، وذكر الله تعالى يطرد الشيطان فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان»  أ.هـ.

ومن مظاهر هذا الإيذاء:

1- نسيان المصالح الدينية كنسيان الذكر، ونسيان القرآن، كما في حديث عثمان بن أبي العاص، قال: (شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم  سوء حفظي للقرآن، فقال: ذاك شيطان يقال لـه خنزب، ادن مني يا عثمان، ثم وضع يده على صدري فوجدت بردها بين كتفي، وقال: اخرج يا شيطان من صدر عثمان، قال: فما سمعت بعد ذلك شيئاً إلا حفظت»  .

ونسيان العبد لنفسه، كما في قـوله تعالى: ﴿ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ ﴾[التوبة:67]، وهذا «يقتضي أن نسيان الله كان سبباً لنسيانهم أنفسهم، وأنهم لما نسوا الله عاقبهم بأن أنساهم أنفسهم»  .

2- الإعراض والغفلة، والجهل بمعرفة الله تعالى التي كانوا يعرفونها سابقاً.

3- ترك مصالح النفس ومنافعها، وترك العمل بالطاعة  .

نسيان المصالح الدنيوية، كما في نسيان الحوت في قصة موسى – عليه السلام – .

نسيان فعل الخير، كما في قصة يوسف – عليه السلام – حيث أنسى السجين ذكر يوسف – عليه السلام – للملك والظلم الذي تعرض لـه فأدى إلى مكثه بضع سنين.

 

ثانياً: الايذاء البدني الشيطاني

    أولاً: الصرع

وهو أشد أنواع الإيذاء، إذ المصاب به يفقد السيطرة على كامل قواه العقلية ويتخبطه الشيطان ويصرعه، وهو نوع من الجنون .

 تعريفه في اللغة :  فالصرع: «الطرح بالأرض، وخصه في التهذيب بالإنسان، صارَعَه فصَرعَه يَصْرعَهَ صَرْعا وصِرْعا... والجمع صرعى» ([1]) .

تعريفه طبياً : «عبارة عن اختلال يصيب الإنسان في عقله بحيث لا يعي المصاب ما يقول فلا يستطيع أن يربط بين ما قاله وما سيقوله يصاب صاحبه بفقدان الذاكرة فيتخبط في حركاته وتصرفاته، فلا يستطيع أن يتحكم في سيره، وقد يفقد القدرة على تقدير الخطوة المتزنة لقدميه، أو حساب المسافة الصحيحة لها» ([2]) .

فهو يجعل المصاب يفقد حسه وشعوره. ويسقط على الأرض، ويصاحب ذلك تشنج عصبي يظهر في شد الأطراف واهتزازها وخروج الزبد من الفم، وعض اللسان وتوتر الأعصاب وشحوب الوجه ([3])

قال ابن القيم – رحمه الله –  الصرع صرعان:

الأول:ـ صرع الأرواح الخبيثة الأرضية ويقصد بذلك مردة الجن وشياطينهم، ويعرف بأنه « اندماج واقتران الأرواح الخبيثة والشيطانية بالإنسان» ([4])  .

الثاني: صرع الأخلاط الرديئة ([5]) وهذا هو النوع الذي يثبته الأطباء ويفسرونه بأنه بسبب أورام الدماغ، أو التهاب الدماغ أو وجود بؤرة في الدماغ تظهر بعد عمل تخطيط الدماغ الكهربائي ([6])

وقيل أنه: «أحد أعراض اختلال خلايا المخ اختلالاً تركيبياً أو وظيفياً أو كهربائياً، وتتعدد أسبابه حسب هذا الاختلال» ([7]) .

ثبوت الصرع (المس الشيطاني)

ما عليه سلف الأمة وهو ثبوت مس الجن ودخولهم في الإنس، والأدلة من الكتاب والسنة والعقل وأقوال أهل العلم.فمن الكتاب: قوله تعالى: قال تعالى :  "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ  "  ([8])   وقد ذهب جمهور المفسرين على أن المراد بتخبط الشيطان المذكور في الآية صرعه للإنسان، واتخذوا من هذه الآية دليلاً على ثبوته وإليك بعض أقوال المفسرين  رحمهم الله: ([9] )

قال الإمام الطبري:  "  الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ "  يتخبله من مسه إياه، يقال منه: «قد مس الرجل وألق فهو ممسوس ومألوق، كل ذلك إذا ألـمَّ به اللمم فجنّ» أ. هـ  ([10])

وقال ابن كثير – رحمه الله – :  « الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ "   أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة، إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وأنه يقوم قياماً منكراً» أ. هـ ([11]) .

وقال القرطبي – رحمه الله – :  « في هذه الآية دليل على فساد إنكار الصرع من جهة الجن، وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس» أ. هـ  ([12]) .

وقال القاسمي – رحمه الله – : «المعنى أنهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين أ. هـ ([13]) .

وأما السنة فقد ثبت كثير من الأحاديث والوقائع التي تثبت صرع الجن للإنس وثبت معالجته صلى الله عليه وسلم  للمصروعين بالآيات والأدعية، ومنها:

1ـ ما ثبت في الصحيحين من حديث عطاء بن أبي رباح قال: قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا  » ([14]) .

قال الحافظ في شرح هذا الحديث بعد أن ذكر عدة طرق للحديث، «وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر، كان من صرع الجن لا من صرع الخلط...» ([15]) .

- اخرج ابن ماجه في سننه. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ , قَالَ : لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ , جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي , فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " ابْنُ أَبِي الْعَاصِ " , قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " مَا جَاءَ بِكَ " ،  قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي , قَالَ  " ذَاكَ الشَّيْطَانُ ادْنُهْ " , فَدَنَوْتُ مِنْهُ , فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ , قَالَ : فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ , وَتَفَلَ فِي فَمِي , وَقَالَ : " اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ " , فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ  ثُمَّ قَالَ : " الْحَقْ بِعَمَلِكَ " , قَالَ : فَقَالَ عُثْمَانُ : فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ » ([16]) .فأما حديث ابن ماجه فصريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم  أخرج الشيطان من صدر عثمان – رضي الله عنه – ولا يصح حمل ذلك على الوسوسة، كما يقول بعض المنكرين للصرع، ولهذا الحديث روايات كثيرة كلها تدل على هذا المعنى. وأما حديث مسلم فلا ينافي حديث ابن ماجه، والشكوى في الحديثين واحدة؛ إذ إن الشيطان قد حال بينه وبين صلاته فأصبح لا يدري ما يقول في صلاته، فيحتمل أن الرسول  صلى الله عليه وسلم  رقاه ثم أرشده على طريقة الوقاية من الشيطان حتى لا يعود إليه.

3- ما رواه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: كان رسول

الله  إذا دخل في الصلاة يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه» ([17]) .

وعند أحمد في المسند عن أبي سلمة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا قام من الليل يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، من همزه ونفثه ونفخه، قال: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ

وَنَفْثِهِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هَمْزُهُ وَنَفْخُهُ وَنَفْثُهُ ؟ قَالَ: " أَمَّا هَمْزُهُ، فَهَذِهِ الْمُوتَةُ

الَّتِي تَأْخُذُ بَنِي آدَمَ، وَأَمَّا نَفْخُهُ فَالْكِبْرُ، وَأَمَّا نَفْثُهُ فَالشِّعْرُ " ([18]) .

قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير الهمز:  «وقد ورد في الحديث: فهمزه الموتة وهو الخنق الذي هو الصرع، وفسر ابن الأثير الموتة بالجنون» ([19])

4- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي بِهِ جُنُونٌ، وَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ غَدَائِنَا وَعَشَائِنَا فَيُخَبَّثُ عَلَيْنَا «فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ، وَدَعَا فَثَعَّ ثَعَّةً .([20])

يعني سعل , وَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ مِثْلُ الْجِرْوِ الْأَسْوَدِ، فَسَعَى»([21])

5- وعن جابر قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم  في سفر... فعرضت لـه امرأة معها صبي لها، فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا  يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات، قال: فتناول الصبي، فجعله بينه وبين مقدم الرحل، ثم قال: «اخسأ عدو الله أنا رسول الله» ثلاثاً. ثم دفعه إليها، فلما قضينا سفرنا ممرنا بذلك المكان، فعرضت لنا المرأة معها صبيها ومعها كبشان تسوقهما، فقالت: يا رسول الله اقبل مني هديتي، فوالذي بعثك بالحق، ما عاد إليه بعد ، فقال:

«خذوا منها واحداً، وردوا عليها الآخر» ([22]) .

وفي لفظ آخر: عن يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا قَدْ أَصَابَهُ لَمَمٌ ([23])، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ " قَالَ : فَبَرَأَ ، فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا يَعْلَى ، خُذْ الْأَقِطَ وَالسَّمْنَ ، وَخُذْ أَحَدَ الْكَبْشَيْنِ ، وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ "  ([24]) .

وفي هذه الأحاديث بمجموعها دلالة صريحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أقرَّ هذه المرأة على قولها بأن ابنها يأخذه الشيطان أي يتلبس به ويصرعه، وعالجه النبي صلى الله عليه وسلم  فشفاه الله – جل وعلا – ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم  مما دعا هذه المرأة إلى تقديم الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم 

6- ما رواه الطبراني في الكبير حَدّيث  أُمُّ أَبَانَ بنتُ وَازِعٍ ، عَنْ أَبِيهَا ، أَنَّ جَدَّهَا الزَّارِعَ ، انْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ بِابْنٍ لَهُ مَجْنُونٍ أَوِ ابْنِ أُخْتٍ لَهُ ، قَالَ جَدِّي : فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ مَعِي ابْنًا لِي أَوِ ابْنَ أُخْتٍ لِي مَجْنُونٌ أَتَيْتُكَ بِهِ تَدْعُو اللَّهَ  عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ، فَقَالَ : ائْتِنِي بِهِ ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَيْهِ ، وَهُوَ فِي الرِّكَابِ ، فَأَطْلَقْتُ عَنْهُ وَأَلْقَيْتُ عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ وَأَلْبَسَتْهُ ثَوْبَيْنِ حَسَنَيْنِ ، وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ حَتَّى انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ادْنُهُ مِنِّي اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِمَّا يَلِينِي ، قَالَ :

فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ مِنْ أَعْلاهُ وَأَسْفَلِهِ ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ ظَهْرَهُ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ، وَهُوَ يَقُولُ :اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ ، فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ نَظَرَ الصَّحِيحِ لَيْسَ بنظَرِهِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ أَقْعَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَدَعَا لَهُ بِمَاءٍ ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَدَعَا لَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَفْدِ أَحَدٌ بَعْدَ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْضُلُ عَلَيْهِ ."  ([25])

الأدلة العقلية:

وقد دل العقل على قبول دخول الجني في الإنسي وعدم استنكاره، فنحن نؤمن بوجود بوجود الملائكة  الكاتبين , وقرين من الجن مع كل إنسان منا ومع ذلك لم نرهم، ولا يراهم من حولنا. كما أننا نشاهد الهواء يدخل في أجسامنا، والروح نعلم أنها تصعد وتنزل وتخرج من أبداننا ونحن لم نشاهدها ولكننا مؤمنون بوجودها. والجن لهم أجسام لطيفة ورقيقة، حتى على القول بأنهم أجسام كثيفة فلا يمنع تلبسهم

ودخولهم بالإنسي كما يدخل الطعام والشراب. كما إننا نشاهد النار وكيف تسلك في الجمر، والكهرباء كيف تسري في الأسلاك والماء كيف يختلط بالتراب والرمال والملابس ... فكذلك لا يستنكر دخول الجن وملابستهم لأجسام الإنس ([26]) .

أقوال العلماء في إثبات الصرع : ـ

 قال عبدالله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن أقوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، قال: «يا بني يكذبون هوذا يتكلم على لسانه» ([27])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:  «وهذا الذي قاله الإمام أحمد مشهور، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسانه كلاماً لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضرب به جمل لأثر فيه تأثيراً عظيماً» ([28]) .

وقال أيضاً:  «وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك» ([29]) .

وقال – رحمه الله – :  «وجود الجن ثابت بالقرآن والسنة واتفاق سلف الأمة، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة، وهو أمر مشهور محسوس لمن تدبر» أ. هـ  ([30]) .

  وقال ابن القيم – رحمه الله – :  «وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الارواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به» أ. هـ ([31]) .

بل نقل بعضهم الإجماع على جواز دخول الجني الإنسي، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما سبق. وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – حيث يقول سماحته : «... وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام  وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه، فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى بل تقليداً لبعض أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة؟!...»

أسباب الصرع: ـ

ـ الشيطان يتسبب في صرع الإنسي لعدة أسباب:

ـ تعلقه بذلك الشخص وعشقه له.

ـ أن يكون ذلك الشخص قد تسبب في الأذى لهم بالإحراق أو القتل أو غير ذلك من أنواع الأذى.

ـ أن يكون ذلك من باب العبث كما يعبث السفهاء.

ـ تسلط الجن عليه بسبب السحر.

ـ تسلط الجن و العداوة الشديدة والخبث.

ـ ضعف الإيمان وضعف الجسد وتسلط الخوف الشديد.

ـ الكفر والإلحاد ([32])

ثانياً: السحر

وقد سبق الكلام فيه  وهو يلي الصرع حيث أن منه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يذهب العقل ومنه ما يفرق به بين المرء وزوجه.

وكل ذلك لا يحدث إلا بإذن الله . كما قال تعالى: ﴿ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ[البقرة:102]

وهؤلاء السحرة إنما أعانتهم الشياطين، والسحر من عمل الشياطين والدليل على ذلك ما جاء في قــوله تعالى﴿ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ [البقرة:102]

، وحققت لهم مرادهم لما تقربوا إليها بالشرك، والأفعال الخبيثة إذ يطلب من بعضهم كتابة كلام الله تعالى بالنجاسة، أو الذبح لغير الله تعالى، أو السجود للشياطين والذبح لهم إلى غير ذلك من الأفعال الشركية  .

قال ابن قدامة: (في تعريف السحر): هو «عقد ورقى وكلام يتكلم  به أو يكتبه أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة لـه ولـه حقيقة»ا.هـ.

وقال الأزهري  : «السحر عمل تقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه، كل ذلك الأمر كينونة للسحر، ومن السحر الأُخْذَة. التي تأخذ العين حتى يظن أن الأمر كما يرى وليس الأصل على ما يرى، والسحر الأَخْذَة وكل ما لطف مأخذه ودقَّ فهو سحر... وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره...»  .

اختلف العلماء في السحر على قولين:

 الأول أنه تخييل ولا حقيقة له وعليه ابن حزم الظاهري  ، والمعتزلة وأبي بكر الرازي وذكروا أنه ضرب من التخييل  .

الثاني: إن له حقيقة

قال الإمام المازري  – رحمه الله – مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن لـه حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة خلافاً لمن أنكر ذلك ونفى حقيقته. أ. هـ.

ومحل النزاع بين الفريقين هل بالسحر تنقلب العين أم لا؟!

فمن قال بالأول منع ذلك.

ومن قال بالثاني أجاز ذلك. ثم اختلفوا هل هذا الانقلاب ظاهري يحصل منه تغير المزاج كالمرض أو أن التغير يحصل بحيث يصبح الجماد حيوانا،ً وجمهور العلماء على الأول وهو الصحيح،  لأن الساحر لا يستطيع أن يصل في سحره إلى قلب الأعيان.

وأما حقيقة السحر فالصحيح الذي عليه الجمهور أن لـه حقيقة للأدلة الثابتة على ذلك والدالة ومنها:

قوله تعالى: ﴿ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ [الأعراف:116]

وقولـه  تعالى: ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ ١مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ٣وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ ٤وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ٥[الفَلَق:5]

«ولولا أن السحر له حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه»  .

وسحر النبي صلى الله عليه وسلم  وهذا من أقوى الأدلة على ثبوت حقيقة السحر، وقد اتفق المفسرون على أن سبب نزول سورة الفلق هو ما كان من سحر لبيد بن الأعصم للرسول صلى الله عليه وسلم    – كما سبق بيان ذلك  .

كما أن العقل لا ينكر ذلك بل قد يخرق الله العادة على يد ساحر ولا يكون ذلك من باب المعجزة ولا الكرامة لثبوت الفرق بينهما  .

وأما قولـه تعالى: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ [طه:66] فلا حجة فيها على نفي حقيقة السحر قال ابن حجر – رحمه الله – : «هذه الآية عمدة من زعم أن السحر إنما هو تخييل، ولا حجة له بها لأن هذه وردت في قصة سحرة فرعون، وكان سحرهم كذلك ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل»   أ. هـ.

قال القرطبي – رحمه الله – : «أن النبي صلى الله عليه وسلم  لما حُلّ السحر قال: (إن الله شفاني) والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقاً وحقيقة، فهو مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم  على وجوده ووقوعه. وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق»أ.هـ  .

قال ابن القيم – رحمه الله – : «أنكر ذلك – يعني السحر – طائفة من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم وقالوا: إنه لا تأثير للسحر البتة لا في مرض ولا قتل ولا حل ولا عقد، قالوا: وإنما ذلك تخييل لأعين الناظرين لا حقيقة لـه سوى ذلك، وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف واتفق عليها الفقهاء وأهل التفسير والحديث وأرباب القلوب...» أ.هـ  .

وأما أضرار السحر على البدن فكثيرة، فالسحر خبيث، وعمل فاسد من شيطان ضال، يقارنه من باع دينه بدنياه ومن أبرز أضراره ما يلي:

1- التفريق بين الزوجين، كما قال تعالى: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ [البقرة:102]

وهنا يطلب الساحر ممن يأتيه أن يحضر له أثر من آثاراً من يريد سحره من شعر وثوب... وقد يفعل السحر دون أن يحتاج للأثر بواسطة ماء يسكبه في طريقه  .

2- الجنون حيث يقوم الجني الموكل بالسحر بالتمركز في عقل المسحور  .

3- القتل فمن السحر ما يقتل  .

4- المرض فقد يتمركز في عضو معين ويعطله فيصاب بالعمى أو الشلل.

5- الوسواس ورؤية الأحلام المزعجة كالحيوانات المفترسة، والثعابين وغير ذلك.

6- النزيف عند المرأة، فيقوم الجنى المكلف بالتمركز في رحم المرأة، ويركض ركضة في العرق فيستمر نزول الدم عليها.

7- حبس الرجل عن امرأته وهو ما يعرف  «بالربط» فلا يستطيع مجامعتها.

قال ابن قدامة – رحمه الله – : «فمنه – أي السحر – ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الآخر أو يحبب بين اثنين...»   أ. هـ .

وأما تعلم السحر فحرام وكذلك عمله، قال النووي – رحمه الله – السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع... وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر وإلا فلا، وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر واستتيب منه ولا يقتل عندنا  فإن تاب قبلت توبته.

وللوقاية من السحر وإبطاله ينبغي على العبد الإكثار من الذكر وقراءة المعوذتين وآية الكرسي وسورة البقرة.

قال ابن كثير – رحمه الله –: «أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر، ما أنزل الله على رسوله في إذهاب ذلك وهما المعوذتان... وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان»  أ. هـ.

وقراءة سورة الفاتحة فهي أم الكتاب فعن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم أقبل راجعاً من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله: «إنا قد حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم  ) فهل عنده شيء يداويه؟ قال: فرقيته بفاتحة الكتاب ثلاث أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائة شاة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأخبرته فقال: خذها فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق»  .

قال ابن القيم: مكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيراً عجيباً، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً فكان كثير منهم يبرأ سريعاً ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع   .أ. هـ.

والتصبح بسبع تمرات ففي الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم  : «من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل»  . وفي رواية عنه: (من تصبح سبع تمرات عجوة ...)

وروي عن وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسي، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به، فإنه يذهب عنه كل مابه – إن شاء الله تعالى – وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله .

وأما ما يسمى بالنشرة فقد جاء أنه من عمل الشيطان، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  سئل عن النشرة فقال: «هي من عمل الشيطان»  .

والنشرة هي من الانتشار وهي كالتعويذة والرقية  .

وهي: «إطلاق السحر عن المسحور»  .

وقيل: «ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أنه به مس من الجن».

قال ابن الجوزي: «ولا يكاد يقدر على ذلك إلا من يعرف السحر» . أ. هـ.

وعده الحسن من السحر  . وهو المقصود في الحديث أما النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية فلا يدخل فيها  .

قال ابن عثيمين – رحمه الله – معلقاً على كلام شيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب في النهي عن النشرة: «تؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم  : (هي من عمل الشيطان)، وهنا ليس فيه صيغة نهي، لكن فيه ما يدل على 
النهي، لأن طرق إثبات النهي ليست الصيغة فقط، بل ذم فاعله، 
وقوله: هذا من عمل الشيطان، وتقبيح الشيء، وما أشبه ذلك يدل على النهي»  أ. هـ.

ثالثاً: القتل والمقاتلة

ومن الإيذاء البدني القتل والمقاتلة.

ومعنى ذلك أن الشيطان الجني قد يقتل المسلم من الإنس وقد يقاتله ويصارعه وقد دلت على ذلك السنة النبوية. من هذه الأحاديث:

1- ما رواه البيهقي في الدلائل عن الحسن أن عمار بن ياسر قال: «قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  الجن والإنس، فسئل عن قتال الجن، فقال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى بئر أستقي منها، فرأيت الشيطان في صورته، فصارعني فصرعته، ثم جعلت أرمي أنفه  بفهر كان معي أو حجر. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم  لأصحابه: (إن عمار لقي الشيطان عند البئر فقاتله) فلما رجعت سألني فأخبرته الأمر، فكان أبو هريرة – رضي الله عنه – يقول: إن عمار بن ياسر أجاره الله من الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم  »  ففي الحديث دليل على أن الشيطان قد يقاتل الإنسان محاولاً قتله، وكذلك صارع عمر رضي الله عنه كما في الأثر: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما قال: (خرج رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  فلقي الشيطان فاشتجرا فاصطرعا، فصرعه الذي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  ، فقال الشيطان: أرسلني أُحدِّثُك حديثاً عجيباً يُعجبُك. قال: فأرسَلَهُ، قال: فحدِّثنِي. قال: لا. قال: فاتَّخَذَا الثانية فاصطرعا، فصرعه الذي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  ، قال: أرسلني فلأحدِّثُك حديثاً يعجبك، فأرسله، فقال: حدثني. قال: لا. فاتخذا الثالثة، فصرعه الذي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  ثم جلس على صدره، وأخذ بإبهامه يَلُوكُها، فقال: أرسلني. قال: لا أرسلك حتى تُحدِّثُني. قال: سُورةُ البقرةُ فإِنَّه ليس منها آية تُقرأُ في وسط شياطين إلا تَفَرّقوا، ولا تُقرأُ في بيت فيدخُل ذلك البيت شيطان، قالوا: يا أبا عبدالرحمن – وهي كنية ابن مسعود – : فمن ذلك الرجل؟ قال: فمن تَرَونه إلا عمر بن الخطاب)  .

2- أخرج مسلم في صحيحه أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في بيته قال: فوجدته يصلي، قال: فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلىَّ أن أجلس فجلست، فلما انصرف أشار على بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم  بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوماً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت لـه: اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتاً: الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فذكرنا ذلك لـه وقلنا: ادع الله يحيه لنا، فقال: «استغفروا لصاحبكم ثم قال: إن بالمدينة  جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان»  .

ومن الأدلة على القتل قصة موت سعد بن عبادة رضي الله عنه سيد الخزرج وأنه مات بسبب سهمين أرسلت عليه من الجن كما روى الحاكم عن قتادة قال: قام سعد بن عبـادة رضي الله عنه يبول ثم رجع فقال إني لأجد في ظهري شيئاً فلم يلبث أن مات فناحت الجن فقالوا: نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم يخطئ فؤاده) إن صحت الرواية.

وقد سبق بيان إيذائه لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم  بمجادلته إحراقه – عليه الصلاة والسلام – عندما كان قائماً يصلي.

ومن محاولته قتل العبد حثه على القتل وتحريضه عليه وتزيينه وتحسينه مع تهييج الغضب الدافع للقتل والعدوان ، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ [القصص:15]

أي أغواه بقتل هذا الرجل وهو لا يريد قتله – وكان ذلك قبل نبوة موسى عليه السلام – وزين له القتل وهيج الغضب حتى وكزه فقتله  قال ابن إبراهيم النخعي رحمه الله في تفسير قولـه تعالى: ﴿فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ [المائدة:30] : (ما من مقتول يقتل ظلماً، إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كِفْل منه)  .

ومن محاولته قتل العبد إغراؤه له بالإشارة إلى أخيه بالسلاح ورفعه بيده فينزع يده ليقع السلاح على المشار إليه فيقتله كما في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً: (لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ يده فيقع في حفرة من النار)  .

قال ابن حجر – رحمه الله – : «والمراد أنه يغري بينهم حتى يضرب أحدهما الآخر بسلاحه فيحقق الشيطان ضربته له»  .

وقيل المعنى أنه ينزعه من يده ويرمي به على أخيه حقيقة  .

رابعاً: مـرض الطاعــون

وقد ثبت في السنة أن هذا المرض سببه الجن ومن تلك الأحاديث:

1- ما رواه أبو موسى الأشعري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن الطاعون فقال: «وخز أعدائكم الجن، وفي كل شهادة»  .

2- عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عبدالله بن قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم  ذكر الطاعون فقال: «وخز أعدائكم من الجن وهو شهادة المسلم»  .

3- عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الطاعون شهادة لأمتي ورجز أعدائكم من الجن، غدة كغدة البعير، يخرج في الآباط والمراق  ، من مات فيه مات شهيداً، ومن أقام فيه كان كالمرابط في سبيل الله ومن فر منه كان كالفار من الزحف)  .

وفي هذه الأحاديث دلالة على أن مرض الطاعون من الجن، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم  وخز ورجز، ومعنى الوخز: الطعن الذي لا ينفذ.

وفيه دلالة على أن للجن والشياطين سلطان في الإيذاء البدني، ومن ذلك الإصابة ببعض الأمراض ومنها مرض الطاعون.

«ووصف طعن الجن بأنه وخز لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر 
فيؤثر بالبطن أولاً ثم يؤثر في الظاهر وقد لا ينفذ، وهذا بخلاف طعن الإنس»  .

«والشيطان لـه ركض، وهمز، ونفث، ونفخ، ووخز، قال الجوهري الركض تحريك الرجل ومنه قولـه تعالى: ﴿ٱرۡكُضۡ بِرِجۡلِكَۖ هَٰذَا مُغۡتَسَلُۢ بَارِدٞ وَشَرَابٞ [ص:42] والهمز شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل. وقد نفث الراقي ينفث وينفث، والنفخ معروف، والوخز الطعن بالرمح وغيره لا يكون نافذاً» .

قال الشبلي  في الآكام: «وكذلك القول في قوله صلى الله عليه وسلم  في الطاعون: «إنه وخز أعدائكم من الجن» مع قوله صلى الله عليه وسلم  : «غدة كغدة البعير يخرج من مراق البطن»، وذلك أن الجني إذا وخز العرق من مراق البطن خرج من وخزه الغدة فيكون وخز الجني سبباً للغدة الخارجية»  .

وقال ابن حجر: «وقال جماعة من الأطباء: الطاعون مادة سمية تحدث ورماً قتالاً يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن، وأغلب ما تكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة. قال: وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويغير ما يليه ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القيء والغثيان والغشى والخفقان...»  .

والطب الحديث الآن يفسر الطاعون بأنه «مرض من أنواع الحمى الخبيثة سريع العدوى. وصفه المميز لـه ظهور دمل كبير للمصاب وخراج وغنغرينة و... ويتولد من الجراثيم المضرة المتسببة من البقايا الحيوانية المتعفنة...»  .

وفسروا أسباب انتشاره بأنه بسبب دخول الجراثيم، وسوء التغذية، ونقصانها .

ونحن نؤمن بما جاء في السنة من كون هذا المرض وخز الجن، حيث أن «النص الشرعي أخبر بالسبب الأصلي... والأطباء قد اطلعوا على أسباب جديدة لهذا المرض، فقالوا بما اطلعوا عليه وبما وصل إليه علمهم، ولا إشكال في ذلك»  .

كما ذكر ابن القيم – رحمه الله – يعبر به عن ثلاثة أمور:

أحدها: هذا الأثر الظاهر وهو الذي ذكره الأطباء.

الثاني: الموت الحادث عنه وهو المراد  بالحديث الصحيح في قوله: «الطاعون شهادة لكل مسلم»  .

الثالث: السبب الفاعل لهذا الداء وقد ورد في الحديث الصحيح «أنه بقية ورجز أرسل على بني إسرائيل»  وورد فيه «أنه وخز الجن» وجاء «أنه دعوة نبي»  قال صلى الله عليه وسلم  : «الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به قوم قبلكم فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه».

وأورد ابن حجر – رحمه الله – جمعاً لما ورد في السنة مما يخالف كلام الأطباء فقال: «لا يخالف ذلك ما قال الأطباء من كون الطاعون ينشأ عن هيجان الدم أو انصبابه لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها أو ينصب، وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن لأنه أمر لا يدرك بالعقل، وإنما يعرف من الشارع فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم»  .

وقال – رحمه الله – : «ومما يؤيد أن الطاعون إنما يكون من طعن الجن وقوعه غالباً في أعدل الفصول وفي أصح البلاد هواء وأطيبها ماء، وبأنه لو كان كذلك لعم الناس والحيوان، والموجود بالمشاهدة أنه يصيب الكثير ولا يصيب من هم بجانبهم مما هم في مثل مزاجهم، ولو كان كذلك لعم جميع البدن... ولأن فساد الهواء يقتضي تغير الأخلاط وكثرة الأسقام، وهذا في الغالب يقتل بلا مرض»  .

وقال ابن القيم – رحمه الله – : «وهذه العلل والأسباب ليس عند الأطباء ما يدفعها، كما ليس عندهم ما يدل عليها، والرسل تخبر بالأمور الغائبة، وهذه الآثار التي أدركوها من أمر الطاعون ليس معهم ما ينفي أن تكون بتوسط الأرواح، فإن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها، وانفعال الأجسام وطبائعها عنها، والله سبحانه قد يجعل هذه الأرواح تصرف في أجسام بني آدم عند حدوث الوباء، وفساد الهواء، كما يجعل لها تصرفاً عند بعض المواد الرديئة التي تحدث للنفوس هيئة رديئة، ولا سيما عند هيجان الدم، والمرةَّ السوداء، وعند هيجان المنى، فإن الأرواح الشيطانية تتمكن من فعلها بصاحب هذه العوارض ما لا تتمكن من غيره...»  أ. هـ.

خامساً: الإصابة بالأمراض العضوية

فالشيطان قد يكون سبباً في مرض عضوي وقد دلت على ذلك الآثار والوقائع.

ومن ذلك حديث زينب امرأة عبدالله بن مسعود – رضي الله عنها – عن عبدالله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم   يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)، قالت: قلت: لم تقول هذا؟ والله قد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا أرقاني سكنت، فقال عبدالله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا أرقاها كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي: كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: (اذهب البأس، رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً) .

وقد سبق الكلام عن مرض الطاعون وأنه بسبب وخز الجن.

يقول ابن القيم – رحمه الله – : «فإن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها...» أ. هـ   .

ومن الأمراض التي تكون من الشيطان (ذات الجنب) كما في الحديث عن عائشة – رضي الله عنهما لما لدّوا النبي صلى الله عليه وسلم  حين قالوا: خشينا أن يكون به ذات الجَنَب فقال عليه الصلاة والسلام (إنها من الشيطان ولم يكن الله يسلطه عليّ)  .

وهو مرض معروف يسمى الشوصة والخاصرة وقيل السلّ وقيل إنه يطلق على نوعين من المرض.

الأول: ورم حار يكون في غشاء البطن وقروح في داخل الجنب يصاحبها آلاماً شديدة، وهذا النوع هو المقصود في الحديث.

الثاني: ريح تحتبس بين الأضلاع وفي الصدر وينتج لذلك وجعاً، وهذا النوع ليس المقصود في الحديث  .

وهي من الأمراض المستعصية والمخوفة حيث تقع بين القلب والكبد .

ومن أعراضها «الحمى والسعال والنخس وضيق النفس والنبض المنشاري»  وتعالج بالقسط وهي (العود الهندي)  وبا الكي كما ثبت من فعل أنس – رضي الله عنه – وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم  له  .

سادساً: خطف الصبيان

وقد ثبت ذلك في الصحيح عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «إذا كان جنح الليل – أو أمسيتم – فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ  مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله، ومر إناءك واذكر اسم الله، ولو تعرض عليه شيئاً»  .

والمعنى في قوله «جنح الليل» إقباله بعد غروب الشمس  .

قال ابن الجوزي – رحمه الله –  «إنما خيف الصبيان في تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالباً، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالباً، والشياطين – عند انتشارهم – يتعلقون بما يمكنهم التعلق، فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت» ا. هـ  .

وفي وراية عن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «لا ترسلوا فواشيكم  وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة  العشاء»  .

«والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار، لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره وكذلك كل سواد».

سابعاً: التفريق بين الزوجين

وهذا هدف عظيم من أهداف إبليس – لعنه الله – وقد ذكره الله تعالى في كتابه إذ يقول جل شأنه: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ [البقرة:102]

 

وليس بالسحر وحده يفرق بين الزوجين، بل له مكايد عدة في إثارة الخلافات بين الزوجين؛ وذلك بإيقاد نار الفتنة والخلاف والوسوسة لكل واحد منهما ويسعى في ذلك جاهداً حتى يقع الطلاق الذي هو غاية ما يتمناه ، ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «إن عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه، فيفتنون بين الناس فأعظم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول: نعم أنت»  .

«يروى بفتح النون بمعنى: نعم أنت ذاك الذي تستحق الإكرام، وبكسرها أي نعم منك»  .

وفي الأثر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن الشيطان يأتي إلى فراش أحدكم بعدما يفرشه أهله ويهيئونه، فيلقي عليه العود والحجر أو الشيء ليغضبه على أهله، فإذا وجد أحدكم فلا يغضب على أهله، قال: لأنه من عمل الشيطان)  .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : «السعي في التفريق بين الزوجين من أعظم المحرمات، بل هو فعل هاروت وماروت، وفعل الشيطان الحظي عند إبليس، كما جاء به الحديث الصحيح»  .

والشيطان يثير غيره المرأة على زوجها والشك فيه كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  خرج من عندها ليلاً قالت: «فغرت عليه قالت: فجاء فرأى ما أصنع، فقال: مالك يا عائشة أغرت؟ فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : أفأخذك شيطانك؟ قلت: يا رسول الله أو معي شيطان! قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم ولكن ربي عز وجل أعانني عليه حتى أسلم».

ثامناً: نخس المولود عند ولادته

وهذا ثابت في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه»  ثم قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم : ﴿ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ [آل عمران:36]

وعند مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان»  .

قال النووي -رحمه الله-: «صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان أي حين يسقط من بطن أمه، ومعنى نزغة: نخسة وطعنة منه. ومنه قولهم: نزغه بكتمة سوء: أي رماه بها»  .

وفي رواية عند الإمام أحمد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان بحضنيه  إلا ما كان من مريم وابنها، ألم تروا إلى الصبي حين يسقط كيف يصرخ، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فذاك حين يلكزه الشيطان بحضنيه»  .

قال ابن الأثير: «النخس هو الدفع والحركة»  .

قال ابن القيم – رحمه الله – : «... إن الله سبحانه اقتضت حكمته أن وكل بكل واحد من ولد آدم شيطاناً، فشيطان المولود قد خنس ينتظر خروجه ليقرنه ويتوكل به، فإذا انفصل استقبله الشيطان وطعنه في خاصرته تحرقاً عليه وتغيظاً واستقبالاً له بالعدواة... فيبكي المولود من تلك الطعنة» أ. هـ  .

قال القرطبي – رحمه الله – : «النَّخس من الشيطان إشعار منه بالتمكن والتسليط، وحفظ الله تعالى لمريم وابنها من نخسته تلك التي هي ابتداء التسليط ببركة إجابة دعوة أمها حين قالت: وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ [آل عمران:36]

واختلف العلماء هل هذا خاص بعيسى – عليه السلام – وأمه، أم يشاركهما في ذلك جميع الأنبياء، فقال بعضهم إن ذلك لا يخص عيسى – عليه السلام – وأمه بل يشاركهما في ذلك جميع الأنبياء، ومال إلى ذلك القاضي عياض – رحمه الله – وقال آخرون بأن ذلك خاص بهما ولا يشاركهما في ذلك أحد من الأنبياء أو الأولياء، وإن هذا الطعن لا يلزم منه إغواء الممسوس، والأنبياء قد عصمهم الله من إضلال الشيطان كما قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ [الحِجر:42]. ومال إلى ذلك قتادة والقرطبي  .

والراجح – والله أعلم – إن هذه خصيصة خص الله بها مريم وعيسى – عليهما السلام – ببركة دعاء امرأة عمران، وذلك لدلالة الأدلة على اختصاصهما بذلك دون سائر الخلق. كما إن الأحاديث ليس فيها ما يدل على عدم تعرض إبليس لهما بعد ولادتهما، ومعلوم أن جميع الأنبياء قد عصمهم الله من إضلال إبليس وإغوائه لهم.

وهنا يرد إشكال: هل يعني ذلك أن عيسى – عليه السلام – أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  ؟!

«قال السهيلي  : ولا يدل هذا على فضل عيسى – عليه السلام – على محمد صلى الله عليه وسلم  لأن محمداً صلى الله عليه وسلم  قد نزع منه ذلك المغمز وملئ قلبه حكمة وإيماناً بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد  »  .

«ومريم وابنها – وإن عصما من نخسه – فلم يعصما من ملازمته لهما ومقارنته. وقد خص الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  بخاصِّيِّة كمل عليه بها إنعامه بأن أعانه على شيطانه حتى صح إسلامه، فلا يكون عنده شرٌّ، ولا يأمره إلا بخير، وهذه خاصَّية لم يؤتها أحد غيره، لا عيسى ولا أمه»  .

كما أنها قد ثبتت النصوص الصريحة الدالة على أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  على سائر الأنبياء.

قال تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ [آل عمران:81]

قال المفسرون: «أخذ الله الميثاق بالوحي فلم يبعث نبياً إلا ذكر له محمد ونعته وأخذ عليه ميثاقه إن أدركه يؤمنن به»  .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال صلى الله عليه وسلم  : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع  .

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – : «أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع أول مشفع ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لي فأدخلها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر»  .

وعن أنس – رضي الله عنه – قال النبي صلى الله عليه وسلم  : «أنا سيد الناس يوم القيامة وتدرون بم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين...»  الحديث.

وقد أنكر بعض المعتزلة حديث «ما من مولود...» من أمثال الزمخشري  وعبدالجبار الهمذاني.

ونقل الألوسي إنكار القاضي عبدالجبار الهمذاني لهذه الأخبار  وليس للمعتزلة أي حجة في ردهم هذه الأخبار، وردهم أخبار الآحاد بصفة عامة إلا اتباعاً للشيطان وانسياقاً وراء أهوائهم.

قال الألوسي – رحمه الله – : «ولا يخفى أن الأخبار في هذا الباب كثيرة وأكثرها مدون في الصحاح، والأمر لا امتناع فيه، وقد أخبر به الصادق – عليه الصلاة والسلام – فليتلق بالقبول، والتخييل الذي ركن إليه الزمخشري ليس بشيء لأن المس باليد ربما يصلح لذلك، أما الاستهلال صارخاً فلا، على أن أكثر الروايات لا يجري فيها مثل ذلك».

 تاسعاً: حضور الشيطان جماع الرجل أهله

ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً»  .

وجه الدلالة من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم  أمر الرجل أن يدعو بهذا الدعاء عند الجماع، مما يدل على حضور الشيطان لجماع الرجل فإذا ذكر الله تعالى خنس، وفي شرح قوله صلى الله عليه وسلم  : «فإنه أن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً» ذكر العلماء أقوال كثيرة مع اتفاقهم على عدم الحمل على عموم أنواع الضرر  منها:

-   قيل أن المعنى أن الشيطان لا يسلط عليه، فهو ممن قال الله فيهم:  ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ [الحِجر:42].

وقيل أن المعنى أنه لا يضره بالطعن في خاصرته كما في  الحديث .

-  وقيل المراد أنه لا يضره بصرعه.

-  وقيل لا يضره في بدنه وقيل دينه.

-  وقيل لا يفتنه إلى الكفر.

-  وقيل لا يشارك أباه في جماع أمه  .

قال ابن حجر – رحمه الله – : «ولعل هذا أقرب الأجوبة»أ. هـ.

وهذا ما ذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا [الإسراء:64]

فمن الأقوال في تفسيرها كما روي عن مجاهد  قال: «إذا جامع ولم يُسَمِّ انطوي الجان على إحليله فجامع معه، فذلك قوله تعالى: ﴿ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ [الرحمن:56]

وروى عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «هل رئي فيكم المغربون؟» قلت وما المغربون؟ قال: «الذي يشترك فيه الجن»  .

العاشر: إحراق المنازل بالنار

في حديث جابر – رضي الله عنه – الآنف الذكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «خمروا الآنية وأوكوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفئوا صبيانكم عند المساء، فإن للجن انتشاراً وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرُّقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت».

الفويسقة: هي الفأرة.

قال ابن حجر – رحمه الله – : «والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان فإنه هو الذي يسوق الفأرة إلى حرق الدار» أ. هـ   .

وهذا الذي ذكره ابن حجر استنبطه مما رواه أبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه الفأرة على هذا السراج فيحرقكم»  . وهذا يؤيده الواقع.

ففي جريدة (المسلمون) في عددها رقم (338) في 15/محرم 1412هـ نشرت قصة مواطن تشتعل النار في بيته، وفي كل ركن من أركان بلا سبب واضح...

وفي جريدة أخبار اليوم في عددها رقم 2481 تاريخ 20/ ذي القعدة 1412هـ. نشرت خبراً عن نيران تشتعل في منزل طبيب كل نصف ساعة، حيث تنتقل إلى كل مكان في المنزل، وبعد مجيء رجال الأمن ورجال المطافي حاولوا اكتشاف أي مصدر للحريق ولكنهم لم يستطيعوا معرفة سببها إذ كانت تشتعل أمام مرأى عيونهم في أسرة الأطفال وفي المفروشات وفي كل مكان من الشقة وأخذ أحد رجال الأمن عينة من الحريق لمعرفة السبب العلمي لاشتعال النيران، وعند باب المعمل الجنائي اختفى الكيس الذي يحمل عينات الحريق  .

الحادي عشر: تخبط الإنسان عند الموت

وهذا التخبط تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم  منه كما جاء في الحديث: «اللهم إني أعوذ بك من التردي  ، والهرم  ، والغرق، والحريق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك من الموت لديغاً»  .

قال ابن الأثير – رحمه الله – مفسر قولـه صلى الله عليه وسلم  : «وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، أي يصرعني ويلعب بي»  .

فهذا العدو المتربص بهذا العبد يتحين فرصة ضعفه، وموته ليتخبطه ويصرعه، وربما فتنة وختم له بالسوء وحال بينه وبين التوبة  .

قال ابن تيمية – رحمه الله – : «ولهذا روي أن الشيطان أشد ما يكون على ابن آدم حين الموت يقول لأعوانه: دونكم هذا فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبداً، وحكاية عبدالله بن أحمد بن حنبل مع أبيه وهو يقول لا بعد لا بعد مشهورة» أ. هـ  .

بل إن مكايده للعبد تستمر حتى بعد موته في قبره كما دل على ذلك الأثر عن ابن عمر رضي الله عنه، فعن سعيد بن المسيب قال: حضرت ابن عمي في جنازة، فلما وضعها في اللحد قال: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال: اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر، اللهم جاف الأرض عن جنبيها وصعِّد روحها، ولقِّها منك رضواناً، قلت: يا ابن عمر! أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم  أم قلته برأيك قال: إنني إذاً لقادر على القول؛ بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم   .

بل الشيطان يحرص كل الحرص على أن يحول بين العبد وبين أن تدركه رحمه الله كما في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لا أُخبركُم إلا ما سمعتُ من فِيِّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم  ، سمعََتهُ أذُنايَ وَوعاهُ قَلْبِي أَنَّ عَبداً قَتَلَ تسعاً وتسعين نفْساً، ثُمَّ عَرَضَتْ له التوبةُ، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل، فأتاهُ فقال: إِنِّي قَتَلتُ تِسعاً وتسعين نفْساً، فهل لي من توبة؟ قال: بَعْدَ قتْلِ تسعاً وتسعين نفساً؟! قال: فانتَضَى سيفه فقتله، فأكمل به مائة ثُمَّ عرضتْ له التوبةُ، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على رجلٍ، فأتاهُ فقال: إني قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ قال: وما يَحُولُ بينَكَ وبين التوبة! أُخرُجْ مِن القرية الخبيثة التي أَنْتَ فيها إلى القرية الصالحة قرية كذا وكذا، فاعبد ربَّكَ فيها. قال: فخرج يريد القرية الصالحة فعَرضَ له أجلُهُ في الطريق، قال: فاختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقال إبليس: أنا أولى به لم يعصني ساعة قط. فقالت ملائكة الرحمة: إنه خرج تائباً. فقال الله: انظروا أي القريتين كانت أقرب إليه فألحِقُوه بِها. فَقرَّب الله منهُ القرية الصَّالِحةَ وبَاعَدَ مِنهُ القريةَ الخبيثة فألحِقُوهُ بأهلِ القرية الصالحة)  .

الثاني عشر: الاستحاضة

والإستحاضة هي: «جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه... من عرق يقال له العاذل»  .

وقد جاء في الحديث إنها ركضة من ركضات الشيطان كما في حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت: كنت أُستحاض حيضة شديدة كثيرة فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم  استفتيه فقلت: يا رسول الله إني أستحيض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصيام؟ فقال: «انعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم. قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فتلجمي . قالت: إنما أثح ثجا. فقال لها: سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر،فإن قويت عليهما فأنت أعلم. فقال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضين ستة أيام أو سبعة في علم الله...»  الحديث.

وفي رواية البخاري من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «لا إنما ذلك عرق وليس بحيض؛ فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت»  .

«وهذه الروايات لا تنافي بينها، وذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما أخبر صلى الله عليه وسلم  فإذا ركض ذلك العرق وهو جارٍ سال منه الدم، وللشيطان في هذا العرق الخاص تصرف وله به اختصاص زائد على عروق البدن جميعها»  .

الثالث عشر: أكل طعام الآدميين والشرب معهم والسكن في مساكنهم، والنوم في فرشهم

وعلى ذلك دلت النصوص الصحيحة ومنها:

ما رواه مسلم عن حذيفة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه...»  .

وعن حذيفة قال: كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم  طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فيضع يده وإنا حضرنا معه مرة طعاماً، فجاءت جارية كأنها تدفع. فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم  بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها. فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به. فأخذت بيده. والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها»  .

وفي مسلم – أيضاً – عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخولـه وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخـولـه قال الشيطان أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء»  .

فإن الشيطان يأكل ويشرب مع الشخص الذي يأكل ويشرب بشماله جاء في الحديث عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال:«إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله»  .

وكذلك النوم في الفرش ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : (فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف والرابع للشيطان).

وفي الأثر عن قيس بن أبي حازم  قال: فراش يكون في البيت مفروشاً لا ينام عليه أحد إلا نام عليه الشيطان  .

وقيد ذلك الشبلي في الأحكام فيما إذا فرش ولم يسم عليه  .

قال ابن القيم – رحمه الله – : «فمن شره إنه لص سارق لأموال الناس فكل طعام أو شراب لم يذكر اسم الله عليه فله فيه حظ بالسرقة والحظ وكذلك يبيت في البيت إذا لم يذكر فيه اسم الله، فيأكل طعام الإنس بغير إذنهم، ويبيت في بيوتهم بغير أمرهم، فيدخل سارقاً ويخرج مغيراً ويدل على عوراتهم، فيأمر العبد بالمعصية ثم يلقي في قلوب الناس يقظة ومناماً أن فعل كذا وكذا»ا.هـ.

الرابع عشر: العين

يقال عان الرجل بعينه عيناً فهو عائن  .

حقيقة العين: «نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر»  .

وقيل «انفعال نفسي وعقلي يتمنى خلاله الحاسد أن تزول نعمه أو حالة معينة موجودة لدى المحسود، وقد تزول هذه الحالة أو النعمة وينادي المحسود بمجرد انفعال نفسية الحاسد»  .

والعين حق وهي ثابتة بالكتاب والسنة، وهذا ما عليه مذهب علماء الأمة  ، فهي تدخل الرجل القبر وتدخل الجمل القدر بمشيئة الله!

كما في الحديث عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : (إن العين لتدخل الرجل القبر وتدخل الجمل القدر)  .

وأدلة ثبوتها في القرآن قوله تعالى إن يعقوب – عليه السلام - حين قال لأبنائه: ﴿وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ [يوسف:67]

قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى إخباراً عن يعقوب – عليه السلام – أنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد أنه: خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم»أ. هـ  .

ومن الأدلة – أيضاً – قولـه تعالى: ﴿وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ [القلم:51]

قال ابن كثير – رحمه الله – : «وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة»أ.هـ.

ومن الأدلة قولـه تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفَلَق:5]

قال ابن القيم – رحمه الله – : «دل القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود. فنفس حسده شر متصل بالمحسود منه نفسه وعينه وإن لم يؤذه بيده ولا لسانه...»  .

وأما الأدلة من السنة فكثيرة منها:

-   عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين»  «وإذا استغسلتم فاغسلوا»  .

-   وعن أسماء بنت عميس – رضي الله عنها – قالت: يا رسول الله إن بنى جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ قال: «نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين».

-   وعن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «جل من يموت من أمتي بعد قضاء الله وبالأنفس»  .

وهذه الأدلة تدل على ثبوت العين وأنها حق.

وفرق ابن القيم – رحمه الله – بين العاين والحاسد، بأن العائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته.

والحاسد: يحصل لـه ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضاً... والعائن قد يصيب من لا يحسده من جماد أو حيوان... وربما أصابت عينه نفسه  .

أما الحاسد فحاسد لصاحب النعمة يتمنى زوالها عنه، وربما يصاحب ذلك عداوة شديدة  .

وقد أنكر العين بعض الطوائف نظراً لجهلهم وعدم إحاطتهم بكيفية حدوث العين  .

وقالوا: «إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجاباً، وأكثفهم طباعاً... وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين، ولا تنكره...»  .

والرد عليهم أولاً بثبوت الأدلة الصحيحة فيه سواء من الكتاب أو السنة، ثم يقال لهؤلاء المنكرين أن للأرواح قوى وطبائع مختلفة، وتأثير العين أمر محسوس مشاهد لا ينكره إلا مكابر.

وهاهي الثعابين منها ما يؤثر بالنظر فيسقط الجنين، ويطمس البصر  ، كما في الحديث عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «اقتلوا ذا الطُّفْيَتَين، فإنه يطمس البصر ويصيب الحبل»  .

ومنها ما يؤثر بالسم الكامن فيه.

والإصابة بالعين لا يلزم منها الرؤية البصرية، بل قد يكون أعمى فيوصف لـه الشيء فتتكيف نفسه بكيفية خبيثة يلزم منها الإصابة بالعين، بل لو نظر إلى الشيء نظر ساه غافل لم يؤثر، فالعين لا تؤثر بمجردها ولكن بتكيف النفس الخبيثة  .

والمقصود هنا بيان صلة الشيطان بإيقاع العين على المحسود، والواقع أن الشيطان يعين الحاسد، قال ابن القيم – رحمه الله – : «والشيطان يقارن الساحر والحاسد  ويحدثهما 
ويصاحبهما...»  أ. هـ. وهذا يبينه قوله صلى الله عليه وسلم  في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – «العين حق ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم»  ، ومعنى حضور الشيطان أنه يوسوس للعائن بالإعجاب بالمعيون وحسده على هذه النعمة فينسيه ذكر الله والدعاء بالبركة فتقع العين بإذن الله وتقديره  .

والعين نوعان: عين إنسية أي من الإنس، ونوع جنية أي من الجن  ، وقد صح عن أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم  رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة فقال: «استرقوا لها فإن بها النظرة»  .

قولـه: «سعفة: أي نظرة، يعني: من الجن، وقيل: علامة وأراد بالنظرة: العين، يقول: بها عين أصابتها من نظر الجن، وقيل: عيون الجن أنفذ من أسنة الرماح»  .

وقال ابن القيم – رحمه الله –: «هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه أثرت فيه، ولا بد وإن صادفته حذراً شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه...»  .

وقد يرد تساؤلان، الأول: هل يمكن أن يعين الرجل بغير إرادته؟!

قال ابن القيم – رحمه الله – : «وقد يعين الرجل ونفسه وقد يعين بغير إرادته وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني» أ. هـ  .

وقال ابن عبدالبر: «إن من الطبع البشري الإعجاب بالشيء الحسن والحسد عليه وهذا لا يملكه المرء من نفسه  ، فلذا لم يعاتب عامر  عليه بل على ترك التبريك الذي في وسعه» أ.هـ  .

الثاني: وهل يلزم من وقوع العين أن يرى الشخص العائن الشيء؟!

قال ابن حجر – رحمه الله – : «وقد أشكل  ذلك على بعض الناس فقال: كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون؟ والجواب: إن طبائع الناس تختلف فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض من كان معياناً، إنه قال: إذا رأيت شيئاً يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني...، فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن لا وقاية لـه أثر فيه، وإلا لم ينفذ السهم بل ردَّ على صاحبه كالسهم الحسي سواء» أ. هـ  .

وللوقاية من العين على العبد التحصن بالأذكار وقراءة المعوذتين مع سورة الإخلاص، والأدعية الواردة – كما سيأتي إن شاء الله – .

ومنها قولـه صلى الله عليه وسلم : «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة  ومن كل عين لامة »  .

وستر المحاسن  كما في عثمان – رضي الله عنه – أنه رأى صبياً مليحاً فقال: «دسموا  نونته لئلا تصيبه العين»  .

وعلى الإنسان إذا رأى ما يسره ويعجبه أن يبرك كما في حديث عامر بن ربيعة وفيه قـوله صلى الله عليه وسلم  : «علام يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت؟! اغتسل له»  .

ومن طرق علاج العين الاستغسال  ،  كما في حديث عامر، ثم يغتسل به المعيون، وصفة الوضوء كما قال الزهري: «يؤتى الرجل العائن بقدح، فيدخل كفه فيه فيمضمض، ثم يمجه في القدح، ثم يغسل وجهه في القدح، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كفه اليمنى في القدح، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على يده اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب على مرفقه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على قدمه اليمنى، ثم يدخل يده فيصب على قدمه اليسرى، ثم يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى، ثم يغسل داخلة إزاره، ولا يوضع القدح في الأرض، ثم يصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة»  .

واختلفوا في غسل داخلة الإزار ما المقصود بها؟ على عدة أقوال منها:

قيل فرجه، وقيل الأفخاذ والورك، وقيل: إزاره الذي يلي جسمه، وقيل الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن  .

والحكمة – والله أعلم – من غسل داخلة الإزار، كما قال ابن القيم – رحمه الله – «هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد، لأنها تطلب النفوذ فلا تجد أرقَّ من المغابن، وداخلة الإزار، ولا سيما إن كان من كناية عن الفرج، فإذا غسلت بالماء، بطل تأثيرها وعملها، وأيضاً فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص»أ.هـ.

قال ابن القيم – رحمه الله – معلقاً على اغتسال العائن وراداً على من ينكره : «وهذا مما لا يناله علاج الأطباء، ولا ينتفع به من أنكره، أو سخر منه، أو شك فيه، وأو فعله مجرِّباً لا يعتقد أن ذلك ينفعه.

وإذا كان في الطبيعة خواص لا تعرف الأطباء عللها البتة، بل هي عندهم خارجة عن قياس الطبيعة تفعل بالخاصِّية، فما الذي ينكره زنادقتهم وجهلتهم من الخواص الشرعية، هذا مع أن في المعالجة بهذا الاستغسال ما تشهد له العقول الصحيحة، وتقر لمناسبته...» أ. هـ  .

«وروي عن عائشة – رضي الله عنها – أنها كانت لا ترى بأساً أن يعوذ في الماء، ثم يعالج به المريض»  .

كما أجاز جماعة من السلف كتابة القرآن وإذابته في ماء ويشربه المريض  .

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – : «وهناك طريقة أخرى... وهي أن يؤخذ شيء من شعاره أي ما يلي جسمه من الثياب كالثوب، والطاقية والسروال وغيرها، أو التراب إذا مشى عليه وهو رطب، ويصب على ذلك ماء يرش به المصاب، أو يشربه..»ا.هـ.

الخامس عشر: إفساد المعاملات

لم يتوقف كيد الشيطان – أخزاه الله – على إفساد الدين، بل سعى إلى إفساد المعاملات الدنيوية، وحيث أن الأسواق هي المكان الذي يتبايع الناس فيه –  غالباً – ويشترون، كما أن الأسواق – غالباً – يكثر فيها الباطل والغش والخداع، والعقود المحرمة، والنظر إلى ما حرم الله، لهذا اتخذ الشيطان هذا المكان موطناً لنصب رايته، وإعلان المعركة فلا يفتأ يفسد على الناس معاملاتهم، ويحسن لهم الحرام، ويغيرهم بالنظر إلى المحرم.

ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم  عن المكث فيها، فقال موصياً سلمان – رضي الله عنه - : «لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته»  .

«والمعركة موضع القتال، سمى بذلك لتعارك الأبطال فيه، ومصارعة بعضهم بعضاً، فشبه السوق وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بما يحملهم عليه من المكر، والخديعة، والتساهل في البيوع الفاسدة والكذب، والأيمان الكاذبة، واختلاط الأصوات، وغير ذلك بمعركة الحرب، وبمن يصرع  فيها»  .

السادس عشر: التثاؤب والنعاس في الصلاة وعند الذكر

فالتثاؤب علامة الكسل، والعجز، والخمول، وإبليس عليه غضب الله يود أن يكون المرء عاجزاً عاطلاً، ولهذا جاء في الحديث بأن التثاؤب من الشيطان، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «التثاؤب من الشيطان. فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»  .

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه. فإن الشيطان يدخل» .

وفي الأثر عن عبدالله بن مسعود قال: (التثاؤب والعطاس في الصلاة من الشيطان)  .

قال ابن حجر: «قال شيخنا في شرح الترمذي: لا يعارض هذا حديث أبي هريرة يعني حديث الباب في  محبة العطاس وكراهة التثاؤب لكونه مقيداً بحال الصلاة، فقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي ليشغله عن الصلاة، وقد يقال أن العطاس إنما لم يوصف بكونه مكروهاً في الصلاة لأنه لا يمكن رده بخلاف التثاؤب».

وإضافة الفعل إلى الشيطان لأنه واسطة لهذا الفعل  .

قال النووي – رحمه الله – : «أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المأكل» أ. هـ  .

وقال ابن العربي: «إن كل فعل نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته، وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لأنه واسطته».

قال: «والتثاؤب من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل وذلك بواسطة الشيطان...».

ومن جملة الأحاديث التي ورد فيها ذم التثاؤب والحث على كظمه يتبين ما يلي:

1-    إن الله يبغض ، ويحب العطاس.

2-    أن التثاؤب من الشيطان.

3-    الأمر بوضع اليد على الفم أثناء التثاؤب.

4-  دخول الشيطان من الفم أثناء التثاؤب، لأن المتثائب غير ذاكر في هذه الحالة فيتمكن الشيطان من الدخول فيه.

5-  الأمر برد التثاؤب وأنه لا فرق في ذلك بين المصلي وغيره ولكنه في الصلاة آكد.

6-    الإمساك عن تلاوة القرآن أثناء التثاؤب حتى لا يتغير النظم.

كذلك النعاس في مجالس الذكر من الشيطان، وإضافة الفعل إليه لأنه واسطة له .

وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : (النوم أو النعاس في الجمعة من الشيطان فإذا نعس أحدكم فليتحول)  .

السابع عشر: العقد على رأس النائم، والمبيت على خيشومه، والبول في أذنيه والاحتلام

فمن شر الشيطان – أخزاه الله – وأعاذنا منه، أن العبد إذا نام تصدى له في نومه بأنواع كثيرة من الإيذاء ومنها:

أولاً: العقد على رأسه ليمنعه من الاستيقاظ، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله عز وجل انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس  كسلان)  .

القافية «هي مؤخر العنق وقيل مؤخر الرأس، وقيل وسطه  ، وخص القفا بذلك ولكونه محل الوهم ومجال تصرفه وهو أطوع للقوى الشيطانية وأسرعها إجابة لدعوته»  .

والحديث عام ويخص من ليس للشيطان سلطان عليه، كالأنبياء ونحوهم ومن قرأ آية الكرسي  .

والضرب الوارد في الحديث المراد به التأكيد والإحكام لهذه العقد. وقيل المراد حجب الحس عن النائم. وقد اختلف العلماء في المراد بالعقد فقيل هي عقد حقيقية كعقد الساحر، ويؤيد هذا الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وعن جابر مرفوعاً: (ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد)  .

والجرير: الحبل، وهذا لا يعلم حقيقته إلا الله.

وقيل أن ذلك مجاز حيث شبه فعل الشيطان بفعل الساحر.

وقيل المراد عقد القلب وتصميمه على الشيء ووسوته له بأن الليل طويل، وقيل طعن من القيام، وقيل المراد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم، وقيل المراد تثقيله النوم على النائم، وقال البعض المراد بالعقد الثلاث الأكل والشرب والنوم، حيث أن كثرتها تؤدي إلى الكسل وبالتالي تثبيط الشيطان له عن العبادة وهذا بعيد  .

ثانياً: البول في أذنيه

في الصحيحين عن ابن مسعود قال: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم  رجل، فقيل: مازال نائماً حتى أصبح ما قام إلى الصلاة. فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه، أو قال: في أذنيه) .

وقد اختلف في المراد ببول الشيطان فقيل: هو على الحقيقة فكما أنه يأكل ويشرب وينكح فكذلك يبول، وقيل أن ذلك مجاز والمراد سد الشيطان أذنه عن الصلاة، وقيل كناية عن ازدراء الشيطان واستخفافه به لكونه نام عن الصلاة، يجعله كالكنيف المعدّ لإلقاء البول فيه وقيل مثل مضروب يعبر به عن الغفلة عن القيام من النوم  .

وفي الحكمة من ذكر الأذن مع أن العين هي التي تنام.

قيل هي: «إشارة إلى ثقل النوم فإن المسامع هي موارد الانتباه وخص البول لأنه أسهل مدخلاً في التجاويف وأسرع نفوذاً في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء» .

وحمله بعض العلماء فيمن نام عن صلاة العشاء فلم يصلها حتى انقضى الليل كله  . وهو أولى لأن النائم عن صلاة النافلة لا يستحق هذا التوبيخ، والشيطان يحاول سد منافذ الانتباه عنده ليحرمه من القيام للصلاة.

ثالثاً: المبيت على الخيشوم

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فلينثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه).

والخَيْشُوم: «ما فوق نُخْرَتِهِ من القصبة وما تحتها من خشارم رأسه.

وقيل الخياشم غراضيف في أقصى الأنف بينه وبين الدماغ.

وقيل هي عروق في باطن الأنف- وقيل: أقصى الأنف»  .

والخَشَمُ داء يأخذ في جوف الأنف فتتغير رائحته  .

وفي المعنى المراد بكون الشيطان يبيت على خيشومه، لكونه منفذ إلى القلب، فيبيت على الخيشوم ليتوصل إلى القلب عند الاستيقاظ فيورد الخواطر والوساوس، فإذا قام الشخص من نومه فاستنثر ثلاثاً منعه من الوصول إلى قلبه .

رابعاً: الاحتلام

وقد جاء فيه حديث عن ابن عباس – رضي الله عنه قال: (ما احتلم نبي قط إنما الاحتلام من الشيطان)  .

الاحتلام: «من الحُلْم بضم الحاء وسكون اللام وهو ما يراه النائم من المنامات يقال حَلَم في منامه واحتلم... هذا أصله ثم جعل اسماً لما يراه النائم من الجماع فيحدث معه إنزال المني غالباً»  .

وهو من الإيذاء البدني لكون من تلاعب الشيطان.

قال النووي – رحمه الله – : «الاحتلام مستحيل في حق النبي صلى الله عليه وسلم  لأنه من تلاعب الشيطان بالنائم» أ. هـ   .

ومعلوم أنه لا سلطان له على الأنبياء.

الثامن عشر: التلاعب بمقاعد بني آدم

وقد ورد ذلك في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم   قال: (من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج)  .

قال الشوكاني – رحمه الله – : «والحديث فيه الأمر بالتستر معللاً بأن الشيطان يلعب بمقاعد بنى آدم، وذلك أن الشيطان يحضر وقت قضاء الحاجة لخلوه عن الذكر الذي يطرد به، فإذا حضر في ذلك الوقت أمر الإنسان بكشف العورة وحسن له البول في المواضع الصلبة التي هي مظنة رشاش البول وذلك معنى قوله يلعب بمقاعد بنى آدم، فأمر رسول الله عليه وآله وسلم قاضي الحاجة بالتستر حال قضائها مخالفة للشيطان ودفعاً لوسوسته التي يتسبب عنها النظر إلى سوأة قاضي الحاجة» أ. هـ  .

 



([1])   لسان العرب، (8/197)، وانظر: معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس (3/342)، وانظر: تاج العروس، (5/411).

([2])   عالم الجن والملائكة . (76-77).

([3])   انظر: دائرة معارف القرن العشرين، (5/468).

([4])   تلبس الجن بالإنس، د. بدر عبدالرزاق الماص، ص 17، نشر مكتبة الفلاح، الكويت، ط. الأولى، 1418هـ/ 1998م.

([5])   انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، (4/66-70).

([6])   انظر: علاقة الجان بالإنسان، تأليف: حسان عبدالمنان، ص 33. مقدمة د. عدنان العبد اللات مستشار أمراض الدماغ والأعصاب، وانظر: دائرة معارف القرن العشرين، (5/468).

([7])   عالم الجن والشياطين، من القرآن والسنة، تأليف أبو أسامة محيي الدين، ص 159، ط. الأولى، 1415هـ/ 1994م، نشر مكتبة الخدمات الحديثة، جدة.

([8])   سورة البقرة، الآية: 275.

[9] ) ) وخالف بعض الأشاعرة ,  والمتكلمين , وبعض المعاصرين

([10])   جامع البيان لابن جرير الطبري، (3/103).

([11])   تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، (1/579).

([12])   الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، (3/355).

([13])   محاسن التأويل، محمد جمال الدين القاسمي، (3/361).

([14])   رواه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب (فصل من يصرع من الريح)، الفتح (10/114)، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، (4/1994).وهذه المرأة اسمها أم زفر كما روى ذلك البخاري في صحيحه عن عطاء .

قال ابن حجر: وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: «إني أخاف من الخبيث أن يجردني» فتح الباري (10/114).

([15])   فتح الباري، لابن حجر، (10/115).

([16])   رواه ابن ماجه في كتاب الطب، باب (الفزع والأرق وما يتعوذ منه)، رقم 3547 (2/1174).

وقد جاءت روايات أخرى للحديث تؤيد هذه الرواية ، الأولى منها ما أخرجه أبو نعيم في الدلائل ص 403، مطولاً، والبيهقي في دلائل النبوة (5/307-308)، والطبراني في المعجم الكبير، رقم 8347، (6/47)، بنحوه.

وقال الهيثمي: «فيه عثمان بن بسر لم أعرفه وبقية رجاله ثقات» أ. هـ ، 9/3.

([17])   رواه الحاكم في المستدرك، رقم: 749، (1/325-326). وقال: هذا حديث حسن صحيح الإسناد، وقد استشهد البخاري بعطاء بن السائب»ا.هـ. ووافقه الذهبي في التلخيص، وروى نحوه أبو داود في سننه ، كتاب الصلاة، باب (ما يستفتح الصلاة من الدعاء، رقم 764، (1/262)، وابن ماجه في سننه من طريق جبير بن مطعم عن أبيه في كتاب الصلاة، باب (الاستعاذة في الصلاة) (1/265) رقم: 807 والدارمي في سننه في كتاب الصلاة، باب (ما يقال في استفتاح الصلاة)، ( 1/226).

([18])   رواه أحمد في المسند، (6/156).

([19])   البداية والنهاية، (1/61)، وانظر: النهاية في غريب الحديث (5/273).

([20])   التع: القيء، النهاية في غريب الحديث، (1/212)، لسان العرب، لابن منظور، (8/39-40)، القاموس المحيط للفيروزآبادي، (1/914)، غريب الحديث لابن سلام، (2/212)، الفائق، (3/255).

([21])   رواه الإمام أحمد في المسند، (1/254-268)، والدارمي في سننه، (1/24)، ابن أبي شيبه في مصنفه، (5/47)، والطبراني في المعجم الكبير (12/57)، رقم 12460.قال ابن كثير في رواية الإمام أحمد: «تفرد به أحمد وفرقد السنجي رجل صالح ولكنه سيء الحفظ، وقد روى عنه شعبة وغير واحد، واحتمل حديثه ولما رواه ههنا شاهداً مما تقدم والله أعلم»أ.هـ. البداية والنهاية، (6/159)، ط. مكتبة المعارف.

([22])   رواه الدرامي في السنن رقم: 17(1/22-23) وابن أبي شيبة في مصنفه رقم: 31754 (6/321)، وعبد بن حميد في مسنده رقم: 1053 (1/320) وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجة رقم 268 (1/60)، والبيهقي في الدلائل (6/18-19).

([23])   لمم: طرف من الجنون يلم بالإنسان، أي يقرب منه ويعتريه. انظر: النهاية في غريب الحديث، (4/272)، ولسان العرب (9/228)، مختار الصحاح، (1/252)، غريب الحديث للحربي، (1/319)، المصباح المنير، (2/559).

([24])   رواه أحمد في مسنده، (4/171)، والحاكم في المستدرك، (2/618)، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . أ. هـ. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، (9/6): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. أ. هـ.

([25])   رواه الطبراني في الكبير، (5314)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، (9/2-3): رواه الطبراني، وأم أبان لم يرو عنها غير مطر. أ. هـ.

([26])   انظر: الجواب الصحيح، لابن تيمية، (2/288)، مقالات الإسلاميين، لأبي الحسن الأشعري، آكام المرجان في أحكام الجان، تأليف بدر الدين أبي عبدالله الشبلي، ص (150-107)، ط. الأولى، 1408هـ/ 1988م، دار الكتب العلمية

العلاج القرآني والطبي من الصرع الجني والعضوي، ص 61-62، تأليف أحمد الديب، ود. نبيل سليم.

([27])   مجموع الفتاوى، (19/12)، (11/610-611)، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، (4/455)، والنبوات، ص 250-251.

وذكر ابن أبي يعلى في الطبقات، (1/185)، والحليمي في المنهاج، (1/297)، أن عبدالله بن الإمام – رحمهما الله – سأل أباه عن كيفية التوفيق بين حديث تسلسل الشياطين في رمضان ورؤية المجنون يصرع في رمضان؟! فأجابه بقولـه: «هكذا الحديث، ولا نتكلم في هذا».

([28])   مجموع الفتاوى، (24/276-277).

([29])   المرجع السابق نفس الجزء والصفحة.

([30])   المرجع السابق نفس الجزء والصفحة.

([31])   زاد المعاد في هدى خير العباد، (4/67)، لابن القيم. تحقيق: شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط، ط. 14، عام 1410هـ/ 1990م، نشر مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار.

انظر: العلاج الرباني للسحر والمس الشيطاني، تأليف مجدي محمد  .

([32])   انظر: مجموع الفتاوى (13/82)، (19/39)، (19/40)، والسحر. د. إبراهيم أدهم، ط. الأولى، 1416هـ/ 1996م، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر.