بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، باعث الرسل بالدين المتين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالشريعة الربانية، وعلم أمته سُبل العبادة السوية، فلا إفراط ولا تفريط، بل يوغلوا في الدين برفق، ويحذروا خطوات الشيطان ومكايده، حتى يصلوا إلى ما أعده الله للمؤمنين، فرحين مغتبطين.

هذا، وليُعلم أن الطريق إلى الله حُف بالمكاره والمشاق، مع كونه طريق السعادة والنجاة والفلاح، وفي الطرق عقبات لا ينجو منها إلا الموفق، منور البصيرة، ومن أهم هذه العقبات "الفتور" وهو مدار البحث في هذه الوريقات إن شاء الله، والله الموفق.

 

أولا: مقدمات هامَّة:

الأولى :بيان الغاية التي من أجلها خلق الله العباد.

قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 58].

الثانية: أن جميع الخلق -سوى من عصمه الله -معرض للإصابة بالفتور.

وهذا أمر قد أثبته النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله سمة لكل بني آدم فقال : ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ).رواه أحمد والترمذي. ولما كان الإنسان مفطورًا على الوقوع في المعصية، واقتراف الخطأ، أرشده الله تعالى إلى طريق الخلاص منها وهو التوبة النصوح ، فمن توخاه نجا، ومن تنكب عنه خسِر.

الثالثة: أن قلب المرء وإن صفا واستلذ بحلاوة الإيمان فإنه معرّض للانتكاسة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ ؛ إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ ). رواه أحمد.

 الرابعة: أن مذهب أهل السنة والجماعة في شأن الإيمان أنه يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.

قال تعالى واصفًا عباده المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال: 2]

الخامسة: أن بقاء قلب المؤمن على الدرجة الرفيعة من الإيمان التي يجدها في بعض العبادات العظيمة أمر متعذر.

وليس هذا من الرياء أو النفاق في شيء ؛ لشدة انشغال القلب بأعمال الدنيا ، وملذاتها ، وما يعتريه فيها من أفراح وأتراح ، ، وقد وجد هذا أفضل القرون من صحابة r كما سيأتي –إن شاء الله- في حديث حنظلة رضي الله عنه.

 

ثانيا: معنى الفتور:

الفتور لغةً: مصدر فتر، يقال: فتر يفتر فتورًا وفُتارًا، سكن بعد حدة، ولان بعد شدة.

والفترة: الانكسار والضعف، وفَتـَـرَ الماءُ: سَكَن حَرُّه، وفتر جسمه فُتُورًا: لانَت مَفاصِله، وضَعُف. وأصل هذه المادة يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ في الشَّيء. وقوله عز وجل (لا يفترون): أي لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة.

اصطلاحًا: هو الكسل، والتراخي، والتباطؤ بعد الجد، والنشاط والحيوية.

قال ابن حجر -رحمه الله -: الملال استثقال الشيء، ونفور الناس عنه بعد محبته، وهو داء يصيب بعض العباد والدعاة وطلاب العلم، فيضعف المرء ويتراخى ويكسل، وقد ينقطع بعد جد وهمة ونشاط.

وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل. وإن أدبرت فألزموها الفرائض).

 

ثالثا: أقسام الفتور الذي يصيب الإنسان:

ينقسم الفتور إلى عدة أقسام، أهمها:

1 - كسل وفتور عام في جميع الطاعات، مع كره لها وعدم رغبة فيها، وهذه حال المنافقين؛ فإنهم من أشد الناس كسلا وفتورا ونفورا.

قال الله عز وجل فيهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 142]

وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُون) [التوبة: 54].

2 - كسل وفتور في بعض الطاعات، يصاحبه عدم رغبة فيها دون كره لها، أو ضعف في الرغبة مع وجودها، وهذه حال كثير من فساق المسلمين وأصحاب الشهوات.

وهذان القسمان سببهما مرض في القلب، ويقوى هذا المرض ويضعف بحسب حال صاحبه، فمرض المنافقين أشد من مرض الفساق وأصحاب الشهوات.

3 - كسل وفتور عام سببه بدني لا قلبي؛ فتجد عنده الرغبة في العبادة، والمحبة للقيام بها، وقد يحزن إذا فاتته، ولكنه مستمر في كسله وفتوره، فقد تمر عليه الليالي وهو يريد قيام الليل، ولكنه لا يفعل مع استيقاظه وانتباهه ويقول: "سأختم القرآن في كل شهر" وتمضي عليه الأشهر ولم يتمه، ويحب الصوم، لكنه قليلا ما يفعل.

وهذه حال كثير من المسلمين الذين يصابون بهذا الداء، ومنهم أناس صالحون، وآخرون من أصحاب الشهوة والفسق.

وقد يؤدي هذا النوع إلى أن يشترك بعض المصابين به مع النوع الثاني، وهو الثقل القلبي في بعض العبادات.

4 - كسل وفتور عارض يشعر به الإنسان بين حين وآخر، ولكنه لا يستمر معه، ولا تطول مدته، ولا يوقع في معصية، ولا يخرج عن طاعة. وهذا لا يسلم منه أحد، إلا أن الناس يتفاوتون فيه أيضا، وسببه غالبا أمر عارض، كتعب أو انشغال أو مرض ونحوها.

وقد قال ابن القيم: (تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم؛ رجي له أن يعود خيرا مما كان)

فالفتور أمر يعرض لجميع الخلق–إلا من عصمه الله-، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة ) رواه أحمد وغيره.

قال ابن القيم في المدارج معلقا على الحديث السابق:

"فالطالب الجاد: لا بد أن تعرض له فترة. فيشتاق في تلك الفترة إلى حاله وقت الطلب والاجتهاد".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة تقلبها الريح ظهرا لبطن ).

وكذلك ورد في حديث حنظلة الأسيدي أنه قال: : لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت؟ يا حنظلة قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله (، يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله (، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله (، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله فقال رسول الله ( «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا فقال رسول الله (: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرات. رواه مسلم

قال المباركفوري في التحفة :

(ولكن يا حنظلة ساعة وساعة): أي ساعة كذا وساعة كذا يعني لا يكون الرجل منافقا بأن يكون في وقت على الحضور وفي وقت على الفتور بل في ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم.

 

رابعا: صور الفتور:

هناك مظاهر وصور للفتور تمثل قصورا في العمل الصالح، أو ارتكاب لذنب، ومن هذه الصور والمظاهر:

1 - قسوة القلب:

توعد الله سبحانه وتعالى القاسية قلوبهم بالضلال المبين فقال: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22 - 23].

2 - أن يتكاسل عن الطاعة:

وهذا أمر خطير لأنه من سمات المنافقين –والعياذ بالله-، قال عز وجل فيهم : (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة: 54].

3 - الابتعاد عن الجليس الصالح:

فتضعف علاقة الشخص بإخوانه الصالحين فيبتعد عنهم ويميل إلى العزلة، أو يصاحب قرناء السوء وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة) متفق عليه.

4 - ضياع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود عليه بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي والوقتي وعدم البركة في الأوقات، وتمضي عليه الأيام لا ينجز فيها شيئا يذكر.

5 - عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي؛ خوفا من أن يعود إلى حياته الأولى.

6- الفوضوية في العمل: فيبدأ في هذا العمل ثم يتركه، ويشرع في هذا الأمر ولا يتمه، ويسير في هذا الطريق ثم يتحول عنه، وهكذا دواليك.

7 - خداع النفس بالانشغال وهو فارغ، وبالعمل وهو عاطل، ينشغل في جزئيات لا قيمة لها ولا أثر يذكر.

8 - عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله:

فمن ماتت لديه الغيرة لدين الله وأصيب بالفتور، لا تغضبه المنكرات، ولا يحاول أن يغير المنكر باليد أو باللسان، قال (: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.

9 - عدم الشعور بالمسؤولية، والتهاون بالأمانة التي حمّله الله إياها، فلا تجد لديه الإحساس بعظم هذه الأمانة، والله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].

 

خامسا: أسباب الفتور:

للفتور أسباب كثيرة وإليك بعض من هذه الأسباب وهي كالتالي:

1 - الغفلة عن ذكر الله:

لأنه إذا نسي ذكر الله كان بعيدا عنه، قال عز وجل: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر: 19]

والغفلة تعتبر من التمادي في الباطل، ولا تعتبر سهوا أو نسياناً قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7 - 8].

وهي مذمومة قال الله تعالى عن الملائكة: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20]

أي: لا يلحقهم الفتور والكلال.

قال ابن القيم: (فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبا على قلبه وصدأه بحسب غفلته وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه فيرى الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الران فسد تصوره وإدراكه فلا يقبل حقا ولا ينكر باطلا وهذا أعظم عقوبات القلب وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره).

2 – أن يكلف الإنسان نفسه ما لا تُطيق من العمل:

المؤمن ينبغي أن يقوم بما يطيقه من العبادة حتى لا يصاب بالملل والفتور، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: (قال لي رسول الله (: يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا) متفق عليه.

وقال (: (خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي ( ما دووم عليه وإن قلت)متفق عليه.

قال الشاطبي في "الاعتصام": (إن المكلف لو قصد المشقة في عبادته، وحرص على الوقوع فيها، حتى يعرض نفسه لمضاعفة الثواب، فإنه يعرض نفسه في واقع الأمر لبغض عبادة الله تعالى، وكراهية أحكام الشريعة، التي غرس الله حبها في القلوب، كما يدل عليه قوله تعالى: وَلكنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 7]، وذلك لأن النفس تكره ما يفرض عليها، إذا كان من جنس ما يشق الدوام عليه، بحيث لا يقرب وقت ذلك العمل الشاق، إلا والنفس تشمئز منه، وتود لو لم تعمل، أو تتمنى أنها لم تلتزم).

3 – البدعة:

الابتداع في الدين سبب خفي من أسباب الفتور، ومدخل للشيطان على النفس البشرية وقلما يُتنبه له، وذلك لأن هذه الشريعة الغراء ليست من صنع البشر بل أحكامها إلهية مصدرها الوحي، بأحسن المصالح، مملوءة بالرحمة ، لذا كان على العبد أن يقتصر عليها دون زيادة أو نقصان .

4- التعلق في الالتزام بالأشخاص الأحياء:

وذلك لأن الشخص إذا تعلق بأحد اتخذه قدوة فإن زل زل معه، والحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستنًا، فليستن بمن مات، أولئك أصحاب محمد كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا)

5 - التعلق بالدنيا وزينتها، والافتتان بها:

وهو من أعظم أسباب الفتور، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33].

6 - قلة تذكر الموت والدار الآخرة وطول الأمل:

قال تعالى: (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [يونس: 7 - 8].

7- استحقار صغائر الذنوب ، والاستهانة بعقوبتها: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( قَالَ : (إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه ) رواه أحمد ورجاله رجال الشيخين.

وروى البخاري ، عن أنس رضي الله عنه، قال: «إنكم لتعملون أعمالا، هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي ( من الموبقات» قال أبو عبد الله: «يعني بذلك المهلكات»

وقد قيل:

خل الذنوب كبيرها ... وصغيرها ذاك التقى

واحذر كماش فوق أر ... ض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقر صغيرة ... إن الجبال من الحصى

8- الرفقة السيئة:

 وهي الأخطبوط الذي يضم المصاب بداء الفتور، كلما حدثته نفسه بالعودة إلى الثبات ، والعزيمة على الرشد ، فتنته هذه الرفقة بعرض جديد من ألوان الهوى، وصور الفساد والغفلة.

قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: 27 - 29]

9- الانفراد والعزلة:

ففي زمن كثرت فيه المغريات، وتنوعت فيه وسائل الشهوات، وسهُلت فيه الخلوة بما حرم من المثيرات؛ أصبحت العزلة وسيلة إلى الفتور ولخور والضعف؛ لأن المسلم حينما ينفرد لا يعرف صوابه من خطئه ، ولا قوته من ضعفه، فتراه يسير متخبطًا في عمى، بلا دليل يدل، ولا حكيم يرشد، فتسهل على الشيطان قيادته، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

10- عدم معرفة الله حق معرفته، والجهل بعظمته؛ فإن من عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته ، لم تجرؤ نفسه على التقصير في عبادته، أو الوقوع في معصيته، أو الخلوة بالخطيئة.

11- الغفلة عن محاسبة النفس.

12-تسلط الشيطان على العبد:

فإن الشيطان إذا تسلط على العبد وسوس له بالوساوس المؤذية، حتى يضعفه في طريق الاستقامة، فإذا ضعف استغل فترة ضعفه وتذبذبه واضطرابه وصراعه مع نفسه؛ فيقنعه بأنه لم يستفد في سلوك طريق الصلاح ولم تصلح حاله، أو أنه فاسد القلب لا يتأثر بالخير وإن تظاهر به، أو يقنطه من رحمة الله، أو يوحي له أنه غير مؤمن أو منافق.

وهذا السبب من أقوى الأسباب، والله المستعان.

13- الابتعاد عن العلم الشرعي:

لأن الانشغال بالعلوم الأخرى قد يقسي القلب ويشتت الفكر كعلوم الفلسفة، والعلوم العلمية البحتة، وكذلك قراءة قصص الحب الساقطة، والروايات الكاذبة، والمجلات الماجنة، وكذلك كثرة الجدال والمراء.

14- كثرة الأكل والشرب والنوم والخلطة.

وغيرها من الأسباب وكل امرئ بصير بنفسه، خبير بداءها.

 

سادسا: علاج الفتور:

 1 –  تعاهد الإيمان:

بأن يحرص على ما يقوي إيمانه، ويبتعد عما ينقصه ويضعفه.

قال عز وجل: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].

2- الإخلاص لله والتقوى:

قال عز وجل: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) [البقرة: 194]

3- تصفية القلب، وسلامة الصدر:

فلا شيء أصلح للقلب من سلامة الصَّدر.

4- الدعاء:

ومنه الدعاء بالثبات على الدين، قال عز وجل : (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)[آل عمران:8]

وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بالثبات على الدين، فعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي) رواه الترمذي وحسنه.

وكذا الاستعاذة بالله من الفتور وأسبابه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الكسل ويرشد أصحابه إلى ذلك: حيث يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكسل) رواه أحمد وغيره.

قال القسطلاني في "إرشاد الساري": الكسل هو الفتور عن الشيء مع القدرة على عمله إيثارًا لراحة البدن على التعب.

5- الالتزام بأذكار الصباح والمساء:

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة). رواه أبو دواد وغيره وصححه الألباني.

6 - الرفقة الصالحة:

قال صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبوداود والترمذي وصححه الألباني.

كما حث صلى الله عليه وسلم على مصاحبة المؤمن فقال: (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي) رواه أبوداد وغيره وصححه الحاكم.

7- ذكر الله وكثرة الاستغفار:

فقال تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ) [الأنفال: 49].

وعن الأغر المزني عن النبي صلى الله عليه سلم قال: ((إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) رواه مسلم.

قال السيوطي في شرحه على سنن ابن ماجه: أي: يحصل له الفتور فِي الْحَالة السَّابِقَة فيلتجي إلى الله تَعَالَى بالاستغفار لطلب الْحَالة الأخرى وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالغين فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم .

8- الإكثار من النوافل:

لأن ذلك يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ويورث محبته وفي الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.

والنوافل تجبر ما قد يطرأ من النقص والتقصير في الفرائض.

9- تنويع العبادة:

وذلك لرفع السآمة والملل، روى الإمام أحمد في المسند عن عبدالله بن مسعود: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخوَّلنا بالموعظة، كراهية السآمة علينا). ومعنى يتخولنا: يتعهدنا، أَي ينظر حالاتهم الَّتِي ينشطون فِيهَا للموعظة وَالذكر فيعظم فِيهَا، وَلَا يكثر عَلَيْهِم فيملوا.

10 – أخذ العظة من خاتمة من أصابه الفتور:

كمن أصيب بالفتور وانتكس، وكانت خاتمته سيئة وهم كثير –أعاذنا الله - قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) [محمد: 25].

11 - التفكر في يوم القيامة:

فالتفكر في اليوم الآخر وما أعده الله لعباده الممتثلين لأوامره من النعيم، وما أعده للكفار والعاصين من العذاب، يحرك في قلب صاحبه العزيمة الفاترة فيقبل على الله بقلبه ليكون من المنيبين إليه.

12- العلم بفضل الله عز وجل، وثواب العمل منه:

قال تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 4 - 6]

وقال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: 195]

قال ابن حجر في "الفتح" معلقا على ارتجاز النبي صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد:

اللهم أن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة

" ما في هذا الكلام من الموعظة الحسنة، والحث على العمل، فيوجب ذلك للسامعين النشاط في العمل، وزوال ما يعرض للنفس من الفتور والكسل عند سماع ثواب العمل وفضله، أو الدعاء لعامله بالمغفرة".

13- الاقتصاد في الأكل والشرب:

قال المناوي في "فيض القدير": كثرة الأكل والشرب مجمع على ذمه... لما ينشأ عنه من الفتور والتواني والتثاقل عن فعل العبادات. ا.ه

وهو أمر مشاهد معلوم.

14- التمسك بمنهج أهل السنة والجماعة.

 

تمت

وهذا ما يسر الله جمعه، ونسأله أن يعظِّم نفعه، والحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي وآله.

والله أعلم، وهو الموفق للسبيل الأقوم، وهو المستعان وعليه التكلان.

 

 

ملحق بالمراجع:

1-القرآن الكريم.

2- صحيح البخاري.

3- صحيح مسلم.

4_ مسند الإمام أحمد.

5- السنن الأربعة.

6-جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر

7-جامع الأصول لابن الأثير.

8- فتح الباري لابن رجب.

9- تحفة الأحوذي.

10- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني.

11-فيض القدير للمناوي.

12- شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره.

13- الاعتصام للشاطبي.

14- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، للإمام ابن القيم.

15- الوابل الصيب، لابن القيم.

16- الفتور، لفضيلة الشيخ د. ناصر العمر.

17- الفتور: مظاهره ، وأسبابه ، وعلاجه لفيصل الحليبي.

18- موسوعة الأخلاق الإسلامية - الدرر السنية.