الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان الستة

 قال تعالى: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{136}) [البقرة:136]. وقوله: (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{84}) [آل عمران:84].

وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً{136})  [النساء:136] .

والنبوة في اللغة مشتقة من النبأ: وهو الخبر والجمع أنباء (1) "تقول نبأ ونَبَّأَ أي أخبر، ومنه أُخذَ النبي لأنه أنبأ عن الله تعالى وهو فعيل، بمعنى فاعل" (2) وقد يأتي فعيل بمعنى مفعول لقوله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ{3}) [التحريم:3] (3) "وقيل: النبي مشتق من النَّبَاوة، وهي الشيء المرتفع" (4) واشترط الراغب (5) للخبر عندما يسمى نبأ أربعة شروط هي:

1-     أن يكون خبراً.

2-     أن يتضمن فائدة.

3-     أن يحصل به علم أو غلبة ظن.

4-     خلوه من الكذب بأن يصل حد التواتر (6) ، وهذه الشروط تنطبق جميعها على أخبار الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم، فيما يبلغون عن الله عز وجل من الوحي.

وأما الرسول فهو المرسل، مأخوذ من الإرسال، وأصله رَسَّل (7) وهو "الانبعاث على التؤدة ويقال ناقة رسلة سهلة السير، وإبل مراسيل منبعثة انبعاثاً سهلاً، ومنه الرسول المنبعث .." (8) "والجمع على أَرسل ورُسُل ورُسْل ورُسلاء" (9) وقد يطلق الرسول على الجمع (10) ، كما في قولـه تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{16}( [الشعراء:16] والرسول هو الذي يتابع أخبار الذي بعثه (11) .

أما التعريف الاصطلاحي للفظي النبوة والرسالة، فاختلف العلماء في اتفاقهما وترادفهما، أو تبيانهما على أقوال ذكرها الماوردي (12) – رحمه الله – في أعلام النبوة فقال: "اختلف أهل العلم في الأنبياء والرسل على قولين: أحدهما أن الأنبياء والرسل واحد، فالنبي رسول والرسول نبي، والرسول مأخوذ من تحمل الرسالة، والنبي مأخوذ من النَبَأ، وهو الخبر إن همز، ومأخوذ من النُّبُوة إن لم يهمز، وهو الموضع المرتفع وهذا أشبه لأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد كان يخاطب بهما.

القول الثاني: أنهما يختلفان، لأن اختلاف الأسماء يدل على اختلاف المسميات والرسول أعلى منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك سميت الملائكة رسلاً ولم يسموا أنبياء" (13) ا.هـ.

واختلف من قال بالتفريق بينهما في ذكر الفرق على أقوال عدة منها: "إن الرسول هو الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي، والنبي هو الذي يوحى إليه في نومه" (14) وقال الحليمي – رحمه الله – في تعريف النبوة "خبر خاص هو الذي يلزم الله عز وجل به أحداً من عباده فيميزه بإلقائه إليه عن غيره، ويقفه به على شريعته .. فإن انصاف إلى هذا التوفيق أمر تبليغه إلى الناس ودعائهم إليه، كان نبياً رسولاً .. فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا .." (15) .

والقول: أن النبي لا يؤمر بالتبليغ قول لا يتناسب مع ما جاءت به الأحاديث من تبليغ الأنبياء شرائع الله وبناء عليه، فهذا الفرق مردود لمخالفته الأحاديث الصحيحة (16) .

ومنها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وهو أجمعها، حيث قال: ".. فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ ما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه، فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة، فهو نبي، وليس برسول" (17) وجميع هذه الأقوال متقاربة، وقول من قال بالتفريق هو الصواب إن شاء الله لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{52}) [الحج:52] فعطف النبي على الرسول والعطف يقتضي المغايرة ولقوله صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب (18) عندما قال: "اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت .. ورسولك، قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت" (19) حملاً للفظ على التأسيس لا التأكيد، وفي الحديث الصحيح النص على أن نوح – عليه السلام – أول رسول إلى أهل الأرض (20) مع العلم أنه كان قبله أنبياء كآدم، وشيث، وإدريس – عليهم السلام – (21) .

ونستطيع أن نلخص الفروق بينهما فيما يلي:

1- إن الرسول يأتي بشريعة مستقلة عمن سبقه، بخلاف النبي الذي يكون تابعاً لشريعة رسول قبله.

2- إن بينهما عموماً من وجه وخصوصاً من وجه آخر، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول.

3- إن الرسالة أكمل من النبوة، إذ هي – أي الرسالة – نبوة وزيادة.

كما أنهما يجتمعان في أن كلاً من الرسول والنبي يوحى إليه، كما إن كليهما، اصطفاء وتشريف من الله عز وجل، ولا تنال بالكسب، والاجتهاد، كما إن كليهما قد ختم بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما مأموران أن بتبليغ الوحي وأما ما ذكره الماوردي في التفريق بين النبوة والرسالة ونقله عن قطرب (22) وهو: "إن الرسول هو المبعوث إلى أمة والنبي هو المحدث لا يبعث إلى أمة" فهو قول فاسد لأنه يفضي إلى رفع المحدث إلى درجة النبي، كما يفضي إلى القول بأن النبوة يمكن أن تنال بالكسب وهذا يخالف إجماع المسلمين، بل وحتى الملل الأخرى من اليهود والنصارى (23) ، والمحدث لا يصل إلى درجة الأنبياء والرسل كما جاء في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك من أمتي أحد فإنه عمر" وفي رواية أخرى "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال، يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر" (24) والمحدث: الملهم، وقيل: الرجل الصادق الظن، وقيل: من يجري الحق على لسانه من غير قصد، وقيل من تكلمه الملائكة وقيل غير ذلك (25) . والإيمان بالرسل هو الاعتقاد الجازم والتصديق القلبي بأن الله عز وجل أرسل رسلاً دعوا إلى توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك، وأنهم بلغوا ما أمرهم الله تعالى بتبليغه، من غير زيادة ولا نقصان، وأنهم معصومون من الخطأ فيما يبلغونه، وأن الله عز وجل أيدهم بآيات باهرات تدل على صدقهم، والإيمان بهم إجمالاً فيما لم يذكر وتفصيلاً فيمن ذكر في القرآن وهم خمسة وعشرون نبياً ذكر منهم ثمانية عشر نبياً في قوله تعالى: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ{83} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{84} وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ{85} وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ{86}) [الأنعام:83-86] . وأما السبعة الباقون فهم آدم – عليه السلام – وذكره الله في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومنها قوله تعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ{33}) [آل عمران:33] وإدريس وذكره الله في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً{56}) [مريم:56]، وهود وصالح وشعيب وقد ذكر الله أخبارهم في كثير من سور القرآن العظيم وأيضاً ذا الكفل وقد ذكره الله تعالى في قوله: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ{85}) [الأنبياء:85]. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم (26) كما إن الإيمان بالرسل يشمل الاعتراف بذلك باللسان، واتباعهم فيما يدعون إليه والإيمان بأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع وأنه صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء، ورسالته عامة لجميع الإنس والجن.

قال تعالى: (أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً{151} وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{152}) [النساء:150-152] .

وجاء في حديث أبي ذر أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر (27) والحاجة إليه ماسة, وحاجة البشرية إليهم أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب، بل أشد من حاجتها إلى الهواء الذي تتنفسه، وذلك لأنهم رسل كرام جاؤوا بما فيه  صلاح العباد، من أطاعهم نجا، ومن خالفهم خسر، سبيلهم هي سبيل الرحمن، وحزبهم هو حزبه.

 

دلائل النبوة:

وقد أيدهم الله تعالى بآيات بينات هي دلائل صدقهم إذ محال أن يؤيد الله من يدعي الكذب عليه، وفي سورة يونس – عليه السلام – نجد الحديث عن النبوة والأنبياء وآياتهم ففي بداية السورة قوله تعالى:

(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ{1} أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ{2}) [يونس:1-2]. .

وفي بيان مصير مكذبي الرسل يقول تعالى: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ{4}) [يونس:4] وقوله: (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ{7} أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{8} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{9} دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{10} وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ{11}) [يونس:7-11].

وقولـه: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ{13}) [يونس:13].

وقوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ{17}) [يونس:17].

وفي تعنت المشركين وطلبهم الآيات يقول تعالى: (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{20}) [يونس:20].

وفي إثبات الرسل يقول جل وعلا: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{47}) [يونس:47].

وقوله: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ{74}) [يونس:74].

إلى غير ذلك مما قصه الله في هذه السورة الكريمة من قصص الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه.

ومن دلائل النبوة مايلي:

أولاً: تأييد الله لرسله بالآيات والبراهين الدالة على صدقهم.

ثانياً: صفات الرسل وأخلاقهم وبيان الصدق فيما يدعون إليه.

ثالثاً: اتفاق دعوة الرسل.

رابعاً: نصر الله عز وجل لهم وإهلاك عدوهم.

خامساً: بشارة النبي السابق بالنبي اللاحق (28) .

وأستعين بالله تعالى في بيانها وتفصيلها:

أولاً: تأييد الله لرسله بالآيات والبراهين الدالة على صدقهم

قال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ{13}) [يونس:13].

وقوله: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ{74} ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{75}) [يونس:74-75].

وتسمى دلائل الأنبياء آية، وبينة، وبرهاناً، ومعجزة، والآية في اللغة "العلامة الظاهرة" (29) .

وأما البينة فهي بمعنى الإيضاح "بان بياناً: اتضح فهو بين .. وبَيَّنتُه وتبينته وأبنته واستبينته: أوضحته وعرفته .." (30) .

وأما البرهان فهو: "الحجة الفاصلة البينة، يقال: برهن، يبرهن برهنة إذا جاء بحجة قاطعة للدد (31) الخصم، فهو مبرهن" (32) وأما لفظ المعجزة فلم يرد في الكتاب ولا السنة، وهو مأخوذ من العجز "أعجزه الشيء فاته وفلانا: وجده عاجزاً، وصيره عاجزاً، والتعجيز: التثبيط والنسبة إلى العجز" (33) قال شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله – "ويسميها من يسميها من النظار معجزات، وتسمى دلائل النبوة، وأعلام النبوة ونحو ذلك.

وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء، كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات ولهذا لم يكن لفظ (المعجزات) موجوداً في الكتاب والسنة، وإنما فيه لفظ (الآية)، و(البينة)، و(البرهان) ا.هـ (34) .

وقال القرطبي – رحمه الله – إن في تسميتها بالمعجزات تجوز، ثم قال: "إن المعجز على التحقيق إنما هو خالق العجز، وهذه الأسباب التي يقع العجز عندها تسمى معجزة، بالتوسع، وذلك من تسمية الشيء باسم غيره إذا جاوزه، أو كان معه بسبب" ا.هـ (35) .

أما تعريف هذه الآيات في الاصطلاح فقد كثر الاختلاف في تعريفها، وشروطها:

فعرفها القاضي عبدالجبار: "الفعل الذي يدل على صدق المدعي للنبوة وشبهه بأصل اللغة، هو أن البشر يعجزون عن الإتيان بما هذا سبيله فصار كأنه أعجزهم" ا.هـ واشترط لها أربعة شروط:

أحدها: أن يكون من جهة الله تعالى.

الثاني: أن يقع هذا الفعل بعد دعوى النبوة، فلو وقع قبلها لم يكن دلالة على الصدق.

الثالث: أن يقع مطابقاً لما ادعى.

الرابع: أن يكون خارقاً لعادة من دعاهم (36) .

ولهذا أنكر المعتزلة خوارق السحرة، إذ لا فرق بينها وبين آيات الأنبياء عندهم (37) .

وعرفها القاضي الباقلاني (38) بقولـه: "الإعجاز إنما هو في إقدار الله سبحانه وتعالى لهم على ما يقدرهم عليه من هذه الأمور ومنع غيرهم منه وخرق العادة بتمكينهم من فعل كثير هذه الأجناس على وجه لم تجر العادة بالإقدار على مثله، حتى يختص بذلك كون المعجز في مقدورات القديم سبحانه التي ينفرد بها" ا.هـ (39) واشترط لها شروطاً ظهرت في التعريف السابق وهي كما يلي:

1- "أن تكون آياتهم من أفعال الله سبحانه وتعالى التي ينفرد بالقدرة عليها دون سائر خلقه .. أو بأن تكون من مقدوراته ومن الجنس الذي يقدر العباد على مثله إذا وقع منهم على وجه يخرق العادة.

2- أن يكون ذلك الشيء، مما يخرق العادة وينقضها.

3- أن يكون غير النبي صلى الله عليه وسلم ممنوعاً من إظهار ذلك على يده على الوجه الذي ظهر عليه ودعا إلى معارضته مع كونه خارقاً للعادة.

4- أن يكون واقعاً مفعولاً عند تحدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، بمثله وادعائه آية" (40) .

وقد اشترط هذه الشروط أيضاً بعض المتكلمين (41) .

فجعلوا الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق غيرهم من السحرة، والكهان ونحوهم – هو خرق العادة، ودعوى النبوة، والتحدي، فلو ظهرت آية من تلك الآيات على يدي بشر، ولم يتحد، أو يدعي النبوة، لم تكن آية، فإن تحدى وادعى النبوة كانت آية، وعلى هذا فلا فرق بين الكاذب والصادق في دعوى النبوة.

والصحيح ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، من أن آيات الأنبياء لا يشاركهم فيها غيرهم وعرفها بقوله: "آيات الأنبياء هي التي تعلم أنها مختصة بالأنبياء، وأنها مستلزمة لصدقهم، ولا تكون إلا مع صدقهم، وهي لابد أن تكون خارقة للعادة، خارجة عن قدرة الإنس والجن، ولا يمكن أحدٌ أن يعارضها، لكن كونها خارقة للعادة ولا تمكن معارضتها هو من لوازمها ليس هو حداً مطابقاً لها، والعلم بأنها مستلزمة لصدقهم قد يكون ضرورياً كانشقاق القمر، وجعل العصا حية، وخروج

الناقة" ا.هـ (42) .

وأما خرق العادة فلا يصح شرطاً لوجهين:

أحدهما: إن العادة أمر نسبي لا ينضبط، فقد يكون الأمر عادة عند قوم دون غيرهم.

الثاني: أن هذا لا يختص بالأنبياء، فقد يشاركهم فيه غيرهم، كالساحر مثلاً يأتي بما هو خارق لعادة من يشاهده ولا يستطيع الحاضرون معارضته، مع إن هذا الأمر ليس خارقاً لعادة السحرة أمثاله(43) ، كما أبطل شيخ الإسلام – رحمه الله – شرط من يقول إن الفرق هي دعوى النبوة وعدم المعارضة من أوجه:

أحدها: إنه إذا كان الفرق هو دعوى النبوة فقط فليس هناك حاجة إلى أن يقال: إن ما جاء به النبي جنسه غير مقدور عليه إلا من قبل الرب عز وجل، لأنه قد يشاركه فيه غيره من السحرة والكهان.

الثاني: إن آيات الأنبياء على قولهم هذا، لم تتميز بصفة تختص بها، إنما تكون آية إن اقترنت بدعوى النبوة، وإلا فلا، فالدليل والبرهان يكون دليلاً إن استدل به وإن لم يستدل به فليس دليلاً وهو باطل من وجوه منها: إن القول بمساواة آيات الأنبياء مع سحر السحرة وأضرابهم قول في غاية الفساد والبطلان.

ومنها: إن هذا القول يعد قدحاً في الأنبياء.

ومنها: إنه بناء على هذا القول، يمكن للساحر أن يدعي النبوة، إذ إن الدليل على النبوة أصبح مقدوراً للعبد.

الثالث: هناك من الأشخاص من ادعى النبوة كاذباً، وجرى على يديه بعض الخوارق، ولم يعارض، ومع ذلك عرف الناس كذبه، لم يصدقوه كما في مسيلمة الكذاب (44) ، و الأسود العنسي (45) .. وغيرهم.

الرابع: إن قولهم هذا يلزم منه أن تكون آية النبي هو صرف الناس عن المعارضة سواء كان فعله خارقاً أو غير خارق.

الخامس: إنه يلزم منه أيضاً أن يقال في القرآن الكريم إنه بالإمكان الإتيان بمثله ممن لم يدع النبوة ويتحدى، أو يقال إن التحدي في الإتيان بمثله خاص بمن ادعى النبوة، وقس على ذلك سائر المعجزات، وهذا معلوم بطلانه (46) .

السادس: إن آيات الأنبياء دليل وبرهان على صدقهم، ولا يشترط فيها الاستدلال بها أو التحدي، ومن أمثلة ذلك نبع الماء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكثير الطعام، وغيرها إنما كان لحاجة المسلمين، ولم يتحد بها (47).

وخوارق السحرة لا تشتبه بآيات الأنبياء لما بينها من الفروق، قال تعالى: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69}) [طه:69] . وقولـه تعالى: (فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ{76}) [يونس:76].

وقولـه: (فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ{81}) [يونس:81].

وقد سبق بيان الفرق بينهما (48) . وكذلك الكرامات بينها وبين آيات الأنبياء فروق منها:

1- إن الكرامة لا تصل إلى درجة آيات الأنبياء، فهي أقل منها.

2- إن الكرامة من معجزات الأنبياء، ودليل على صدقهم، وإنما نال الشخص الكرامة بحسن اتباعه لطريق الأنبياء، وهو غير معصوم(49) .

3- إن الولي لا يدعي النبوة، ولو ادعاها لكان كذاباً زنديقاً ومحال أن تجري على يديه الآيات، بل هي أحوال شيطانية.

4- إن الكرامة قد تكون استدراجاً لصاحبها، بخلاف آيات الأنبياء فهي دليل على صدقهم ونبوتهم.

5- إن الكرامة لا يظهرها صاحبها في الغالب (50) .

6- ليست شرطاً في إثبات النبوة.

7- لا تكون خارقة لعادة الصالحين، بل كثيراً ما تقع لأولياء الله في جميع الملل (51) .

والآيات ليست وحدها دليلاً على النبوة، بل هي من دلائل النبوة(52) ، وإنما النبوة تعلم من أمور أخرى ستأتي – إن شاء الله – وهي نوعان:

1- جنس في نوع العلم.

2- جنس في نوع القدرة.

والرب تعالى يعطي من عباده من هذين الأمرين ما يشاء، وما يناله الأنبياء من العلم خارج عن مقدرة غيرهم من الإنس والجن، وكذلك القدرة (53) .

ولهذا فآيات الأنبياء نوعان:

الأول: ما كان من باب العلم كالاطلاع على بعض أمور الغيب مثل ما أخبر به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من أخبار، وعلوم تتعلق بأحداث مستقبلية حصلت في حياته وبعد مماته، ومثل ما أنبأ به من أنباء الأمم الهالكة، من ذلك أيضاً إخبار عيسى – عليه السلام – لقومه بما يأكلون، وبما يدخرون في بيوتهم .. إلى غير ذلك.

ثانياً: ما كان من باب القدرة:

مثل انشقاق البحر لموسى حينما ضربه بعصاه، وكتظليل الغمام، ومثل إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى – عليه السلام – ومثل انشقاق القمر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتكثر الطعام، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة .. الخ.

ومن الآيات ما مضى، ووصل إلينا خبره، كآيات الأنبياء – عليهم صلوات الله وسلامه – ومنها ما هو باق إلى قيام الساعة، كالقرآن الكريم، الذي هو معجزة خالدة، وآية باقية إلى قيام الساعة.

وكالعلم والإيمان الذي في أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً ما يخرق من العادات للأولياء والصالحين من أتباعه – عليه الصلاة والسلام – وأيضاً علو هذا الدين وظهوره مهما حاول الأعداء إطفاء نوره، وإهلاك كل من ناوءه ورام الوقوف ضده (54) .

 

ثانياً: صفات الرسل وأخلاقهم وبيان الصدق فيما يدعون إليه:

إن المتأمل في حياة الرسل والأنبياء ودعواتهم، ليرى ما كانوا عليه من علو الهمة، والأمانة، والصدق، والترفع عن سفاسف الأمور، كما يرى ما جبلوا عليه من الحلم والصفح، والصبر على الشدائد وحفظ العهد وهم بشر يأكلون، لكن الله اصطفاهم وشرفهم بالرسالة، قال تعالى: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ{2}) [يونس:2]. وفي بيان الصدق فيما يبلغون، يقول تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{15}) [يونس:15]. وقوله تعالى: ( وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ{53}) [يونس:53].

والرسل – عليهم صلوات الله وسلامه – من أزهد الناس في متاع الدنيا، وعرضها الزائل، فهم لا يريدون على دعوتهم جزاءً ولا شكوراً، قال تعالى مبلغاً عن نوح – عليه السلام – : (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ{29}) [هود:29] .  ولا أدل على ذلك من تلك العروض السخية التي كانت قريش تعرضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم (55) رغبة منهم في استجابته لمطالبهم، وترك ما يدعو إليه.

والأنبياء – عليهم صلوات الله وسلامه – من أشد الناس بلاءً عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً، قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة" (56) فلو لم يكن الله اصطفاهم وكلفهم بهذا، أكانوا يتشجمون(57) هذه الصعاب؟!! على الناس؟! ليكون ذلك سبباً إلى منافرتهم وقتالهم!!.

وخصائص النبوة أربعة:

الأول: الكمال الخَلقي والخُلقي: ويعني أن الرسول يكون من أكمل قومه خُلقاً وخَلقاً، ونسباً وعقلاً، فلم يأت نبي به عاهة أو بذاءة، أو دناءة في نسبه، وذلك لأنه رسول رب العالمين والرسول على قدر المرسل، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ{124}) [الأنعام:124] .

الثاني: الفضيلة الإكرامية، ويقصد بها ما يكرمه الله عز وجل من الكرامات التي تقوي قلبه وتشحذ عزمه للقيام بهذه المهمة كما أيد الله موسى – عليه السلام – بأن أرسل معه هارون وزيراً، وحل عقدة من لسانه.

الثالث: إنزال الكتب عليهم، والكتب التي يأتي بها الرسل مشتملة على الهداية والنور.

الرابع: العصمة، المراد بها أنهم لا يقرون على الخطأ (58) وهم معصومون فيما يبلغون عن الله تعالى إجماعاً (59) أما في غير ما يتعلق بالتبليغ ففيه خلاف،

 قال شيخ الإسلام – رحمه الله – : "وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ الرسالة فللناس فيه نزاع، هل هو ثابت بالعقل أو بالسمع؟ ومتنازعون في العصمة من الكبائر والصغائر أو من بعضها أم هل العصمة إنما هي في الإقرار عليها لا في فعلها؟ أم لا يجب القول بالعصمة إلا في التبليغ فقط؟ .." (60) .

والذي عليه سلف الأمة وتشهد له الأدلة عصمتهم من الكبائر دون الصغائر،

 قال شيخ الإسلام – رحمه الله – "القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام .. وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة، والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول" (61) ا.هـ.

ومن هنا فمن ادعى النبوة فسرعان ما يظهر عواره، ويتضح كذبه، حتى ولو جرت على يديه من الخوارق الشيطانية ما جرى، لأن سنة الله جارية في كشفهم، وهزيمتهم، وهناك من الفروق بين النبي والمتنبي، فروقٌ واضحة يدركها كل ذي بصيرة ومنها:

1_ما يتعلق بالصفات:

 فصفات النبي هي الصدق، والنزاهة والدعوة إلى التوحيد، وصفات المتنبي الكذب، والخيانة، ولهذا لما ذهب أبو سفيان إلى الشام والتقى مع هرقل (62) ودار بينهما الحديث المعروف وفيه، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكن كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة .." الحديث (63) فقريش كلهم لم يكونوا يشكون في صدقه صلى الله عليه وسلم وكان يلقب بالصادق الأمين، فهل كان سيترك الكذب على الناس ثم يكذب على الله حاشاه!!

2- فيما يتعلق بالأخبار والأوامر والنواهي:

النبي لا يأتي إلا بما صح وتبين صدقه من الأخبار، ولو جاء بخبر وتبين كذبه، لرد خبره وعرف أنه ليس بنبي قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{37}) [يونس:37] وقوله:

(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ{44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ{45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ{46} فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ{47}) [الحاقة:44-47].

وقولـه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{24}) [الشورى:24].

وكذلك الأوامر والنواهي فهم لا يأمرون إلا بالحق، وبما فيه صلاح البشرية قال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{151}) [الأنعام:151] .

وتأمل هذا مع ما جاء به مسيلمة الكذاب من قوله والشاء وألوانها، وأعجبها السود ألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تمجعون (64) وقوله: "يا ضفدع ابنة ضفدع، نقي ما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين" (65) .

فهل يشك في ذلك عاقل، وأي كلام هذا؟! وأي خبر؟! على ما فيه من سخف وركاكة، ولهذا روى ابن جرير أن أبا بكر الصديق لما قدم عليه وفد من بني حنيفة قال لهم: "سبحان الله! ويحكم إن هذا الكلام ما خرج من إل ولا بر فأين يذهب بكم!" (66) .

3- فيما يتعلق بالآيات:

فآيات الأنبياء لا يمكن معارضتها، ولا الإتيان بمثلها، بخلاف غيرهم ومدعي النبوة خوارقه من جنس خوارق السحرة والكهان، وهي تعارض وتبطل بالآيات القرآنية (67) والله عز وجل لا يؤيد من كذب عليه، وأبطل شرائعه، ولهذا روي أنه كان إذا جيء لمسيلمة الكذاب بالصبي فحنكه ومسح رأسه، قرع ولثغ (68) واستبان مهلكه. وتمضمض في بئر ليباركها فغارت وتوضأ في حائط فغادت يبابا (69) .

4- فيما يتعلق بالنصر والتأييد:

إن نصر الله لرسله وإهلاك عدوهم عادة مطردة، لجميع الرسل، فلم يأت نبي فيُكَذب إلا أعزه الله ونصره وأهلك عدوه.

أما مدعو النبوة فيقطعه، ويخذلـه، ويجعله عبرة للمعتبرين، فمتى رأينا متنبئاً نصره الله، وأبقى دعوته، والتاريخ شاهد على ذلك من أمثال خذلانه وإهلاكه جل وعلا لمسيلمة وطليحة الأسدي (70) ، وسجاح (71) وغيرهم حتى عند أهل الكتاب يوجد عندهم أمثال هذا ففي سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر "20- وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي" وهذا دليل عليهم، إذ لو كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ادعاءً لما بقيت، وانتشرت هذا الانتشار، قال شيخ الإسلام – رحمه الله – : "وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد شهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز.

وما من أحد ادعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن أدنى تمييز" ا.هـ (72) .

وبالجملة فإن صدق الأنبياء معلوم بالضرورة، وصدقهم يتبين من أوجه:

منها: إنهم أخبروا بعاقبة كل من خالفهم، وإن النصر والفوز الأخير لهم ولأتباعهم فكان كما قالوا.

ومنها: حصول الهلاك لأعدائهم هم كما علم بالتواتر من إهلاك قوم نوح بالطوفان، وتدمير فرعون وقومه.

ومنها: إن أحوالهم، وأخلاقهم، وما جاءوا به من الرحمة والخير، والإصلاح لا يمكن أن يصدر من كذاب متنبئ (73) .

ثالثاً: اتفاق دعوة الرسل:

إن من دلائل النبوة اتفاق دعوة الرسل جميعاً إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل، مع تفاوت الأزمنة وتباعد الأمكنة، مما يدل على وحدة المصدر قال تعالى في سورة يونس عليه السلام: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{37}) [يونس:37].

وقوله: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{19})  [يونس:19].

وقوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ{36}) [النحل:36].

وقوله تعالى: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً{165}) [النساء:165].

وقولـه: (إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ{14}) [فصلت:14] .

وهذا يدل على النبوة من عدة أوجه:

منها: أن جميع الرسل دعوا إلى التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، دون سواه.

ومنها: أن هؤلاء الرسل تفاوتت أزمانهم، وتباعدت أمكنتهم، ومع هذا فالدعوة واحدة.

ومنها: أن الرسول المتأخر يخبر بخبر المتقدم، ويبشر بمن سيلحقه، وهذا دليل العلم والإحاطة بمن سبق، وبمن يلحق، وهذا لا يكون إلا بما أطلعهم الله تعالى.

 

رابعاً: نصر الله لرسله وإهلاك عدوهم:

قال تعالى في شأن نصرة رسله: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ{73}) [يونس:73].

وقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ{88} قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ{89}) [يونس:88-89]  الآيات إلى قوله: (فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{102} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ{103}) [يونس:102-103].

قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{54}) [الأنعام:54] ا.هـ (74) .

فنصرة الله لرسله ومن أطاعه من المؤمنين، حقاً أوجبه الله على نفسه، وهو من دلائل نبوة الأنبياء "فهذا يدل مع صدق الأنبياء على الرغبة في اتباعهم والرهبة من مخالفتهم، ففيه العلم بصدقهم، والموعظة للخلق" (75) ولهذا يقول تعالى في سورة الشعراء بعد كل قصة من قصص الأنبياء: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ{67} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{68}) [الشعراء:67-68] وقد لا يتحقق النصر بداية الأمر لحكمة أرادها الله بينها جل وعلا في قوله: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{139} إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{140}) [آل عمران:139-140] وفي قوله: 

(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ{166} وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ{167}) [آل عمران:166-167] وقوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ{214}) [البقرة:214].

وفي نصر الله لرسله، ومحق أعدائهم، دلائل على النبوة أيضاً من حيث إن الله تعالى أبقى هذه المعالم والآثار في الأرض حتى بلغ العلم بها مبلغ التواتر، كتواتر العلم بالطوفان، وتواتر العلم بدمار فرعون وقومه (76) . قال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{9}) [الروم:9].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : "فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول بأنهم رسل الله وإن أقواماً اتبعوهم وإن أقواماً خالفوهم، وإن الله نصر الرسل والمؤمنين وجعل العاقبة لهم، وعاقب أعداءهم هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها، ونقل هذه الأمور أظهر وأوضح من نقل أخبار ملوك الفرس والعرب في جاهليتها، وأخبار اليونان وعلماء الطب والنجوم والفلسفة اليونانية" (77) .

 

ــــــــــــــــ

(1)   لسان العرب (1/162).

(2)   الصحاح (1/74).

(3)   انظر المفردات للراغب ص482.

(4)   لسان العرب (1/163).

(5)   الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني .. المعروف بالراغب: أديب، من الحكماء العلماء، من أهل "أصبهان" سكن بغداد .. من كتبه محاضرات الأدباء، ط والذريعة إلى مكارم الشريعة ط،والمفردات وغيرهما توفي سنة502هـ الأعلام (2/55).

(6)   انظر المفردات ص481.

(7)   انظر القاموس المحيط، ص1300.

(8)   المفردات، ص195.

(9)   لسان العرب مادة (رَسَل) (11/283)، وانظر المفردات ص195.

(10)   انظر المفردات ص195.

(11)   لسان العرب (11/284).

(12)   "علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي: أقضى قضاة عصره، من العلماء الباحثين، أصحاب التصانيف الكثيرة .. ولد في البصرة، وانتقل إلى بغداد .. وكان يميل إلى مذهب الاعتزال .. وفاته ببغداد سنة 450" الأعلام (4/327) وانظر ميزان الاعتدال (3/155).

(13)   أعلام النبوة ص38، وانظر كتاب الفقه الأكبر مع شرحه لملا القاري، ص53.

(14)   المرجع السابق، ص38.

(15)   المنهاج في شعب الإيمان (1/239)، وانظر الإعلام للقرطبي (3/238-239).

(16)   انظر الرسل والرسالات، ص14-15.

(17)   النبوات ص281، وانظر كتاب الإيمان لشيخ الإسلام، ص6-7.

(18)   هو البراء بن الحارث بن عدي بن الأوس الأنصاري يكنى أبا عمارة .. له ولأبيه صحبة وهو الذي افتتح الري سنة 24هـ وشهد مع علي الجمل وصفين وقتال الخوارج ونزل الكوفة ومات سنة 72هـ وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث، (انظر الإصابة 1/147) و(الإعلام 2/46).

(19)   الحديث في البخاري كتاب الوضوء باب فضل من بات على الوضوء رقم 244 ج(1/97)، ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، رقم: 2710 (ج4/2081-2082) عن البراء أيضاً.

(20)   كما رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب قولـه تعالى: (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه)  الآية رقم: 3162 (3/1215-1216) ومسلم في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم: 194 (1/184-186).

(21)   انظر النبوات، ص281.

(22)   محمد بن المستنير بن أحمد، أبو علي، الشهير بقطرب: نحوي، عالم بالأدب واللغة، من أهل البصرة من الموالي، كان يرى رأي المعتزلة النظامية، ويقال إن سيبويه أستاذه لقبه بقطرب لمباكرته إياه في الأسحار، نزل بغداد مات عام 206هـ، الأٍعلام (7/95) وانظر تاريخ بغداد (3/298).

(23)   انظر شرح العقيدة الأصفهانية، ص123.

(24)   سبق تخريجه.

(25)   انظر فتح الباري (7/62).

(26)   انظر عقيدة المؤمن ص (280-281).

(27)   الحديث رواه أحمد في مسنده (5/178، 179، 265)، وقال ابن حجر – رحمه الله - : صححه ابن حبان ا.هـ فتح الباري (6/416)، وقال القرطبي – رحمه الله – بعد أن ذكر هذا الحديث: "هذا أصح ما روي في ذلك، خرجه الآجري وأبو حاتم البستي في المسند الصحيح له" ا.هـ الجامع لأحكام القرآن (6/19) والحديث ضعفه آخرون كالعراقي وغيره، انظر لوامع الأنوار (2/264).

(28)   انظر الرسل والرسالات للأشقر ص119-120.

(29)   بصائر ذوي التمييز (2/63).

(30)   القاموس المحيط، ص1526.

(31)   الألد: الخصم الجدل الشحيح الذي لا يزيغ إلى الحق، لسان العرب (3/390-391).

(32)   لسان العرب (13/51) مادة (رهن).

(33)   القاموس المحيط، ص663.

(34)   الجواب الصحيح (4/67).

(35)   الإعلام (2/239).

(36)   انظر المرجع السابق، ص569-571.

(37)   انظر المغني للقاضي عبدالجبار (15/259-260).

(38)   محمد بن الطيب بن محمد، أبو بكر القاضي المعروف بابن الباقلاني، المتكلم على مذهب الأشعري من أهل البصرة سكن بغداد، وسمع بها الحديث، له تصانيف كثيرة في الرد على المخالفين من الرافضة، والمعتزلة، والجهمية والخوارج توفي سنة 402هـ، تاريخ بغداد (5/379-381)، وانظر الأعلام (6/176).

(39)   البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسحر، ص35-36.

(40)   المرجع السابق، ص45-46 (باختصار) والأرقام من وضعي.

(41)   انظر النبوات، ص234.

(42)   النبوات ص308.

(43)   انظر المرجع السابق، ص34، وانظر الجواب الصحيح (4/261) وما بعدها.

(44)   مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة: متنبئ، من المعمرين .. ولد ونشأ باليمامة .. وتلقب في الجاهلية بالرحمن، عرف برحمان اليمامة، ادعى النبوة وأتى بكلام يضاهي به القرآن وحاربهم أبو بكر الصديق وقتل مسليمة سنة 12هـ انظر الأعلام (7/226)، وشذرات الذهب (1/23).

(45)   "عيهلة بن كعب عوف العنسي المذحجي، ذو الخمار، متنبئ مشعوذ، من أهل اليمن، كان بطاشاً جباراً. أسلم يوم أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبي صلى الله عليه وسلم فكان أول مرتد في الإسلام وادعى النبوة، ورأى قومه أعاجيب استهواهم بها .. وجاءت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بقى على الإسلام في اليمن، بالتحريض على قتله فاغتاله أحدهم في خبر طويل (ورواه ابن الأثير، وكان قتله قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم – بشهر واحد ..) الأعلام (5/111).

(46)   انظر النبوات ص63-73، وسيأتي الرد على المعتزلة في نفيهم الكرامات في الفصل الرابع من هذا الباب، إن شاء الله تعالى، انظر ص36-73، وسيأتي الرد على المعتزلة في نفيهم الكرامات في الفصل الرابع من هذا الباب – إن شاء الله تعالى – انظر ص 364، وما بعدها.

(47)   انظر النبوات، ص180.

(48)   انظر ص213-214.

(49)   انظر النبوات، ص19.

(50)   سيأتي – إن شاء الله – مزيد بيان في الفصل الرابع انظر ص333 وما بعدها.

(51)   انظر النبوات، ص443.

(52)   انظر شرح الرسالة الأصفهانية، ص88 وما بعدها.

(53)   انظر النبوات، ص23، وانظر مجموع الفتاوى (11/312).

(54)   انظر الجواب الصحيح (4/70-71).

(55)   انظر دلائل النبوة للبيهقي (2/202-204).

(56)   رواه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء رقم: 2400 (7/124)، وقال: (هذا حديث حسن صحيح) ا.هـ ورواه ابن ماجة في كتاب الزهد، باب الصبر على البلاء رقم: 4023 (2/1334) عن مصعب بن سعد، ورواه الإمام أحمد في مسنده (1/172) عن مصعب بنحوه، ورواه الدارمي باب: أشد الناس بلاء (2/412) عن عاصم بنحوه، وانظر السلسلة الصحيحة حديث رقم: 143 (1/53-54).

(57)   "جَشَمَ الأمر، بالكسر، يَجشَمُه وجشامةً وتجشَّمه: تكلَّفَه على مشقة" لسان العرب

(12/100).

(58)   انظر مقدمة دلائل النبوة للأصبهاني، ص34-36.

(59)   انظر الشفا (2/746)، ومجموع الفتاوى (10/291)، ومنهاج السنة(1/470-471) ولوامع الأنوار (2/304).

(60)   مجموع الفتاوى (10/292-293)، وانظر الشفا 2/735 وما بعدها، وانظر العقيدة الإسلامية وأسسها، ص385-386.

(61)   مجموع الفتاوى (4/319) وانظر للاستزادة مجموع الفتاوى (10/293-313).

(62)   اسمه هرقل، ولقبه قيصر، ملك الروم، أرسل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي ليدعوه للإسلام، فدعا البطارقة والقساوسة فاستشارهم، فأبوا الإسلام، فخاف على ملكه وبقي على النصرانية، انظر البداية والنهاية (5/14).

(63)   رواه البخاري في كتاب بدء الوحي باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 7 (15/7-9) ورواه مسلم في المغازي باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، رقم 1773 (3/1393-1397).

(64)   تاريخ الأمم والملوك (4/102).

(65)   المرجع السابق ونفس الجزء والصفحة.

(66)   المرجع السابق (4/118).

(67)   انظر الجواب الصحيح (1/149-150).

(68)   الألثغ: الذي لا يستطيع أن يتكلم بالراء، وقيل: هو الذي يجعل الراء غيناً أو لاماً.. وقيل هو الذي لا يبين الكلام .." لسان العرب (8/448).

(69)   انظر تفصيل هذه الروايات في تاريخ الأمم والملوك (4/103-104).

(70)   طليحة بن خويلد الأسدي، من أسد خزيمة: متنبئ، شجاع، من النصحاء، يقال له "طليحة الكذاب" كان من أشجع العرب، قدم وفد أسد خزيمة سنة تسع، وأسلموا، رجعوا ارتد طليحة، وادعى النبوة، قاتله أبو بكر الصديق، فلحق بالشام، ثم عاد بعد وفاة أبي بكر وأسلم وحسن إسلامه مات سنة 21هـ. انظر تهذيب الأسماءو اللغات (1/254) والأعلام (3/230).

(71)   سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان، التميمية، من بني يربوع أم صادر: متنبئة مشهورة. كانت شاعرة أديبة عارفة بالأخبار، رفيعة الشأن في قومها .. ادعت النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت في بني تغلب بالجزيرة .. فتبعها جمع من عشيرتها "تزوجها مسيلمة الكذاب ولما قتل، أسلمت وهاجرت إلى البصرة وتوفيت بها عام 55هـ انظر الأعلام (3/78).

(72)   شرح الأصفهانية ص89.

(73)   انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص120.

(74)   تفسير ابن كثير (3/532).

(75)   الجواب الصحيح (4/274).

(76)   انظر شرح الأصفهانية، ص99.

(77)   شرح الأصفهانية، ص103، وانظر شرح العقيدة الطحاوية، ص119.