إن الإشراك بالله انحراف خطير يعتري الفطرة البشرية التي فطرها الله تعالى على الإسلام والتوحيد وهو من أقبح القبائح، لأن صاحبه يجعل مع الله شريكاً في ملكه، ويسيء الظن به، وأجمع العلماء على أن صاحبه خالد في نار جهنم، لا يغفر الله له هذا الجرم العظيم. قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{48}) [النساء:48] .

والمشرك محروم من الشفاعة، مستباح الدم والمال والعرض، ولو كان يقر أن الله هو الخالق، الرازق، النافع، الضار، فالرب جل وعلا لم ينزل الكتب، ويرسل الرسل، إلا لكي يطاع ويعبد كما قال جل ذكره: (وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}56{) ]الذاريات:56[

الشرك: كالشريك، والشريك المشارك، وشاركت فلاناً: صرت شريكه ويقال: هذه شريكتي، وما ليس فيه إشراك أي ليس فيه شركاء، وأحدها شِرك وأشرك بالله: جعل له شريكاً في ملكه، تعالى الله عن ذلك" (1) .

والقرآن الكريم قد أطال في نفي الشرك وإقامة الأدلة على بطلانه خاصة في القسم المكي منه، ومن أنواع الشرك:

أولاً: شرك العبادة.

ثانياً: شرك الشفاعة.

ثالثاً: شرك الطاعة والاتباع.

رابعاً: شرك الدعاء.

وإليك بيان هذه الأنواع وأدلة بطلانها:

أولاً شرك العبادة:

وقد ذكر الله عز وجل هذا الشرك في قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{18}) [يونس:18].

وقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ{28} فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ{29}) [يونس:28-29] وقال تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{104}) [يونس:104] .

والعبادة هي الطاعة، وأصل العبودية الخضوع والتذلل، يقال طريق معبد إذا وطئته الأقدام (2) .

وهي في الشرع كما سبق تعريفها لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – هي "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة" (3) . ومن تعريفها اللغوي يتبين أن العبادة لابد أن يصاحبها خضوع وتذلل لله عز وجل والعبادة تشمل – كما سبق – جميع ما يحبه الله من صلاة وصوم، وحج، وصدقة، وجهاد، وصلة أرحام، وتلاوة قرآن، وذكر، ودعاء .. الخ، فمن صرف شيئاً من ذلك لصنم، أو ولي، أو كوكب، أو قبر، فقد أشرك في عبادته والله غني عن الشرك، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غير، تركته وشركه" (4) .

ولـهذا وصف الله أنبياءه بأنهم عبيد له وذلك في مجال التشريف والتكريم كما قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{1}) [الإسراء:1] .

ووصف عيسى عليه السلام بالعبودية رداً على النصارى الذين يدعون أُلوهيته قال تعالى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) [الزخرف:59].

وقال جل وعلا عن نوح عليه السلام: (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ{79} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{80} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{81}) [الصافات:79-81].

وقال عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ{45}) [ص:45]، وهكذا جميع الأنبياء.

ولنعد الآن إلى أصل ابتداع وحدوث الوثنية في الأرض، وانتقالها إلى جزيرة العرب، روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودُّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ.

وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع. أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت) (5) .

وأخرج الفكاهي (6) عن عبيدالله بن عبيد بن عمير (7) قال: (أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجل منهم فجزع عليه؟ فجعل لا يصبر عنه، فاتخذوا مثالاً على صورته، فكلما اشتاق إليه نظره، ثم مات ففعل به كما فعل، حتى تتابعوا على ذلك، فمات الآباء، فقال الأبناء: ما اتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم، فعبدوها) (8) .

وروى ابن جرير عن محمد بن قيس (9) (ويعوق ونسرا) قال: كانوا أقواماً صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصورهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم (10) .

ومن مجموع الروايات يتبين لنا أن أول شرك وقع في الأرض كان في قوم نوح – عليه السلام – ومن أسبابه:

1-     اندراس العلم، وانتشار الجهل.

2-     الغلو في الصالحين.

3-     اتخاذ التماثيل والصور، ثم عبادتها، بتسويل وتزيين من إبليس - لعنه الله.

أما عن انتقالها إلى الجزيرة العرب، وعبادتها هناك ففيها رأيان:

الأول: ما ورد في أكثر الروايات الصحيحة، إن أول من نصب الأوثان في جزيرة العرب ودعا إلى عبادتها عمرو بن لُحي الخزاعي (11) ، وهو من قبيلة خزاعة (12) .

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب" (13) .

الثاني: ذكره ابن إسحاق في قولـه: (ويزعمون أن أول من كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل، أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم، حين ضاقت عليهم، إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيماً للحرم، فحيثما نزلوا وضعوه، فطافوا به .. حتى خلف الخلوف، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان (14) ا.هـ. وهذا الرأي ضعيف والجواب عليه من أوجه:

الأول:

إنه لا ينافي القول السابق، إذ يمكن الجمع بينهما بالقول: إن العرب فعلت ذلك في بداية الأمر، فلما رأى ذلك عمرو بن لحي أعجبه، فجلب الأصنام من الشام ودعا إلى عبادتها، وتعظيمها ولم تكن كذلك(15) .

الثاني:

إنه لا يقوى على معارضة القول الأول لصحة دليله.

الثالث:

تصدير ابن إسحاق له بلفظ "ويزعمون" مما يدل على تضعيفه له.

وحديث ابن عباس المتقدم يبين أن كل قبيلة من العرب اتخذت صنماً تعبده، فود كانت لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ويغوث لمراد، ويعوق لهمدان، ونسر لحمير آل ذي الكلاع، واستحدثوا أصناماً أخرى كمناة،واللات، والعزى، ونائلة وإساف (16) .

ولم تكن عبادتهم قاصرة على عبادة الأصنام، بل عبدوا الملائكة، والأنبياء، والكواكب والشمس، والقمر، والنار، والجن (17) .

قال تعالى: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ{100}) [الأنعام:100].

وكانوا ينحتون أصنامهم على شكل من يعظمونه من بشر، أو كوكب، أو ملك، ثم يعكفون عليها ويعبدونها، وكانت الشياطين تدخل في هذه الأصنام وتخاطبهم، وتخبرهم ببعض المغيبات،وهم مع ذلك يبذلون أموالهم، وأبناءهم دونها، بل ويبذلون دماءهم في سبيلها - نعوذ بالله من الضلال -  (18) .

ومن أسباب ضلالهم وكفرهم القياس الفاسد، حيث قاسوا الخالق بالمخلوق وقالوا كيف يسمع حاجاتنا جميعاً في وقت واحد، وهذا ما ذكره الله تعالى في قوله: (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ{4} أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ{5})

[ص:4-5].

ومن أسباب ضلالهم - أيضاً - الغلو في الصالحين كما وقع لقوم نوح.

ومن أسباب ضلالهم زعمهم أن هذه الأصنام تقربهم إلى الله زلفى، ثم صرفوا العبادة كلها لها من دون الله.

ومع الإصرار والعناد فقد دعاهم – عليه الصلاة والسلام – إلى توحيد الله، وأفنى في ذلك عمره، وصبر على أذاهم، وما كادوا له حتى أظهر الله دينه وأعلى كلمته: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً{81}) [الإسراء:81].

وقد أخبر – عليه الصلاة والسلام – بأن عبادة الأصنام ستظهر في آخر الزمان كما جاء في الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالـت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى" فقلت: يا رسول الله: إن كنت لأظن حين أنزل الله  (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{33}) [التوبة:33] . إن ذلك تام.

قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة، فتوفي من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم" (19) .

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى تضطرب اليات نساء دوس حول ذي الخلصة (20) "(21) .

وهذا يشكل من حديث جابر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم" (22) .

وللعلماء آراء في الجمع بين هذه الأحاديث:

فقال بعضهم: المراد بهم أصحابه فمن بعدهم، بأنهم لا يعودون إلى عبادة الشيطان ذكر ذلك البيهقي في الدلائل بقول: "باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم بأن المسلمين لا يعبدون الشيطان في جزيرة العرب – يريد أصحابه فمن بعدهم فكان كما قال – ثم كان ما أخبر به من التحريش بينهم في آخر أيامه" (23) .

وقيل: بل المراد المنع من ارتداد من أسلم، وعودته إلى عبادة الأصنام، وأجابوا عن ارتداد مانعي الزكاة وغيرهم، بأنهم لم يعبدوا الأصنام (24) .

وقيل: إن المراد بحديث جابر – رضي الله عنه – "إن المصلين لا يجمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان كما فعلته اليهود والنصارى" (25) .

وقيل: إن الشيطان يئس، وهذا اليأس لا يمنع من وقوع الشرك، فقد يقع ما يئس منه، أو لعل يأسه عندما رأى قوة الإسلام وانتشاره فلما ذهب ذلك الجيل، ذهب يأسه ووقع الشرك (26) .

والقول الراجح من هذه الأقوال – والله أعلم – القول الأخير، لأن حديث جابر ليس فيه تخصيص بالصحابة.

والردة قد وقعت في عهد أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – ولا يمنع وقوعها عودتهم إلى عبادة الأصنام كما كانوا.

والقول الثالث لا دليل عليه.

كما أن القول الأخير أمكن فيه الجمع بين النصوص.

 

ثانياً: شرك الشفاعة:

وقد ورد في قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{18}) [يونس:18].

وفي نفيها قال جل وعلا: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ{3}) [يونس:3].

والشفاعة في اللغة مأخوذة من "شفع وهي خلاف الوتر، وهو الزوج نقول: كان وتراً فشفعته شفعاً، وشفع لي يشفع شفاعة وتشفع: طلب. والشفيع: الشافع، والجامع شفعاء، واستشفع بفلان على فلان وتشفع له إليه فشفعه فيه" (27) .

إذن فالشفاعة بمعنى ضم شيء إلى آخر مساوياً له أو دونه لإعانته أو التوصل إلى محبوب عنده.

وهي تعني عند المشركين دعاء غير الله والتوجه إليه بالعبادة والتضرع والرغبة والرهبة والمحبة وسؤاله الحاجات، ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز وجل (28) .

والشفاعة نوعان:

الأولـى: شفاعة منفية.

والثانية: شفاعة مثبتة.

 

أولاً: الشفاعة المنفية:

وهي المذكورة في قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ) [يونس:18].

وقوله: (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ{51}) [الأنعام:51].

وهؤلاء المشركون يقولون: إن الله تعالى لعظمته لا نسأله إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك، ومعلوم بطلان قولهم هذا من عدة أوجه منها:

إن من يتقرب إليه بالوسائط إما أن يكون قادراً على سماع الحوائج بدون واسطة أو يكون قادراً على سماعها بواسطة. فإن كان الأول فلا داعي لهذه الوساطة، وإن كان الثاني كان الوسيط أفضل منه، والله تعالى له الكمال المطلق.

ومنها: إن الله تعالى أمر بسؤاله بلا واسطة، فيجب اتباع أمره، وعدم مخالفته.

ومنها: إن هذه الوسائط تكون على أحد وجوه ثلاثة وهي:

الأول: أن تخبر الملك بأحوال خفيت عليه في الرعية لم يعلمها، والله تعالى يعلم السر وأخفى.

الثاني: أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير أمور الرعية فهو محتاج إلى أعوان وأنصار يعينونه ويساعدونه ويقضون حاجات الرعية ومعلوم قطعاً وجزماً بأن الله الواحد جل وعلا لا يكرثه ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء لا تخفى عليه خافية، خالق كل شيء، ليس له ولي ولا ظهير من الذل، ولهذا لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فأصبحت الشفاعة له وحده لا شريك له.

الثالث:إن الملك قد لا يكون مريداً للإحسان للرعية ولكن إذا جاء الوسيط فكلمه ونصحه ووعظه قام بالأمر وحصلت الشفاعة، أما الرب جل وعلا فهو الرحيم بعباده المحسن إليهم.

إن الملوك قد تُكره على الشفاعة إما لحاجتها إلى الشافع وإما خوف الضرر إذا لم تحصل الشفاعة، أما الرب جل وعلا فهو الغني سبحانه، بل العباد كلهم يرجون رحمته ويخافون عذابه (29) .

ولهذا فطالبو الشفاعة من غير الله مشركون، لا تنفعهم شفاعتهم يوم القيامة، قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ{43} قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) [الزمر:43-44].

ومن ذلك ما حصل ويحصل من التمسح بقبور الأولياء والصالحين، أو غيرهم ممن يعتقدون ولايته، ودعاءهم وسؤالهم الحاجات والشفاعة مما عمَّ شره، وزاد خطره (30) .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله – : "لا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ – سواء كان حياً أو ميتاً – اغفر ذنبي، ولا انصرني على عدوي، ومن سأل ذلك مخلوقاً، فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه .. " (31) .

ثانياً: الشفاعة المثبتة:

فهي المذكورة في قوله تعالى: (مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس:3].

وقولـه تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) [البقرة:255] .

وقولـه: ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ{43} قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{44}) [الزمر:43-44].

وقولـه: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ{26} لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ{27} يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ{28}) [الأنبياء:26-28].

وقولـه:  (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{86}) [الزخرف:86].

وقولـه: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى{26}) [النجم:26].

وهي ثابتة أيضاً في السنة – كما سيأتي – وبإجماع أهل السنة والجماعة (32) بشروط هي:

1-     الرضا عن الشافع وكونه أهلاً للشفاعة والرضا عن الشافع يعني أن يكون من أولياء الله المقربين، فلا شفاعة لمن ليس الله راضياً عنه، وكونه أهلاً له، وهذا يخرج شفاعة الأصنام والأشجار والموتى والزنادقة، فهؤلاء ليسوا أهلاً للشفاعة ولا يملكون نفعاً ولا ضراً قال تعــــالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{18}) [يونس:18].

2- الإذن من الله عز وجل في الشفاعة كما قال عز وجل: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) [البقرة:255] وقولـه: (مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس:3].

3- الرضا عن المشفوع له قال تعالى: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) [الأنبياء:28].

فهؤلاء المشركون محرومون من شفاعة الشافعين لأن الله عز وجل ليس راضياً عنهم جزاء كفرهم وتكذيبهم، والله عز وجل لا يرضى إلا عن أهل التوحيد ( 33) .

ومن هنا يتبين الفرق بين الشفاعة عند الخالق والشفاعة عند المخلوقين فالشفاعة عند الخالق لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن يحب وممن رضي عنه، وأما عند الخلق فقد تكون بغير إذنه ورغماً عنه، وقد يجيب إليها مكرهاً خوفاً من إلحاق الضرر به نتيجة غضب الشافع، ممن قد يكون وزيراً أو زوجة أو ولداً.

وقد تكون لمن يحب ولمن لا يحب، ثم إن الشافع قد شفع المشفوع إليه، وشفع المشفوع له، والله تعالى وتر لا يشفعه أحد (34) .

وهذه الشفاعة المثبتة، تثبت لأهل التوحيد من الأنبياء – عليهم صلوات الله وسلامه – والملائكة، وصالح المؤمنين.

ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – أول شافع كما جاءت بذلك الأحاديث المتواترة فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : "أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً"(35) .

ولـه الشفاعة العظمى وهي شفاعته لأهل الموقف لفصل لقضاء وله ثبتت أنواع كثيرة من الشفاعة يطول ذكرها (36) .

ومن هنا يتبين بطلان دعوى المشركين شفاعة الأصنام لهم وأنه لا ينالها إلا أهل التوحيد والإخلاص كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال قيل: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه"(37) .

قال ابن القيم – رحمه الله – معلقاً على هذا الحديث: "وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته: تجريد التوحيد، عكس ما عند المشركين: أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياء شفعاء، وعبادتهم وموالاتهم من دون الله، فقلب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب، وأخبر أن سبب الشفاعة: هو تجريد التوحيد، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع" (38) . ا.هـ.

 

ثالثاً: شرك الطاعة والاتباع:

إن من أعظم الذنوب، وأشدها عند الله عز وجل، الاعتداء على خصائص الربوبية، من قبل بشر لا يستطيعون لأنفسهم نفعاً ولا رشداً، زاعمين أن لهم سلطان التشريع، وتحليل ما حرمه الرب عز وجل، وتحريم ما أحله الله عز وجل، وهم في هذا الزعم يظنون أن زمام الأمور بأيديهم، وأن لهم سلطاناً ينبغي اتباعه، وقد غفلوا عن بشريتهم وضعفهم، لأن من كاد مشرعاً لابد أن يكون عالماً بالماضي، والحاضر والمستقبل وهم بلا شك لا يعلمون الماضي، وهم مدركون لشيء من الحاضر، جاهلون قطعاً بالمستقبل ومن كان هذا شأنه فلا يصلح أن يكون مشرعاً مع الله عز وجل، لهذا عاب الله عليهم هذا الزعم، وفنده، وأبطل ادعاءاتهم فيه، بل وجعله شركاً لا يغفر لصاحبه قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{21})

[الشورى:21].

وقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ{59} وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ{60})

[يونس:59-60].

وهؤلاء المشركون كانوا يحرمون على أنفسهم أنواعاً من الرزق، ويحللون أنواعاً أخرى، من تلقاء أنفسهم، مما تمليه عليهم شياطينهم، وقد ذكر الله عز وجل وذلك في الكتاب العظيم قال جل وعلا:

(وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{138} وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ{139}) [الأنعام:138-139].

وقال تعالى: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{143} وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{144})

[الأنعام:143-144].

وقوله: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{136}) [الأنعام:136].

وقال جل وعلا: (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ{103} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ{104})

[المائدة:103-104].

روى ابن جرير – رحمه الله – بسنده عن ابن عباس، في قولـه:

(وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا) قال: جعلوا لله من ثمراتهم ومالهم نصيباً، وللشيطان والأوثان نصيباً، فإن سقط من ثمره ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله التقطوه وحفظوه وردوه إلى نصيب الشيطان، وإن انفجر من سقي ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن انفجر من سقي ما جعلوه للشيطان في نصيب الله سدوه، فهذا ما جعلوا من الروث وسقي الماء، وأما ما جعلوا للشيطان من الأنعام، فهو قول الله تعالى: (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ) (39) .

وقد قيل إن المراد ترك التسمية (40) وقد رجح ابن جرير – رحمه الله – القول الأول، والذي يظهر لي والعلم عند الله أنه لا منافاة بين القولين، فالمشركون يعلمون هذا وذاك فهم قد يجعلون لأصنامهم نصيباً، وهم في الوقت نفسه لا يذكرون اسم الله تعالى إلا مقروناً بأسماء آلهتهم عند ذبح هذه الأنعام مما هو نصيب الله عز وجل – بزعمهم – وإن كان للآلهة. لم يذكروا اسم الله تعالى، تعالى الله عما يعملون ويقولون .. والله أعلم.

وقد جاء في تفسير معنى البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام أقوال ذكرها المفسرون وغيرهم أذكر بعضاً منها ليظهر ضلال هؤلاء المشركين وسفههم:

قيل: إن البحيرة: "الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن، والخامس ذكر بحروه فأكله الرجال والنساء، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها، أي شقوها وكانت حراما على النساء، لحمها ولبنها، فإذا ماتت حلت للنساء" (41) . وقيل إنها ابنة السائبة وهي التي تابعت اثنتي عشرة إناثا ليس بينهن ذكر، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم خليت وتسمى البحيرة (42) . وقيل البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس (43) .

وأما السائبة فهي: "البعير يُسيب بنذر يكن على الرجل إن سلّمه الله من مرض أو بلغه منزلة أن يفعل ذلك" (44) ، وقيل: إن السائبة هي الناقة إذا ولدت اثنتي عشرة إناثاً ليس فيها ذكر سيبت فلا تركب ولا يشرب لبنها ولا يؤخذ وبرها (45) .

وقيل: "إن الرجل كان يسيب من ماله ما شاء فيأتي به خزنة الآلهة، فيطعمون ابن السبيل من ألبانه ولحومه إلا النساء، فلا يطعمونهن شيئاً منه إلا أن يموت فيشترك فيه الرجال والنساء رواه أبو صالح (46) عن ابن عباس (47) .

وقال ابن إسحاق في تعريف السائبة هي "الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر، سيبت فلم يركب ظهرها (48) .

وقال سعيد بن المسيب: "السائبة: كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء" (49) ا.هـ.

وأول من سيب السوائب عمرو بن عامر الخزاعي – عليه لعنة الله – كما روى البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب" (50) .

وأما الوصيلة: قيل "من الغنم، كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكراً ذبح فأكل منه الرجال والنساء، وإن كان أنثى تركت في الغنم وإن كان ذكراً وأنثى قالوا: قد وصلت أخاها. فلم تذبح لمكانها، وكانت لحومها حراماً على النساء، ولبن الأنثى حرام على النساء، إلا أن يموت منها شيء فيأكله الرجال والنساء" (51) .

وقيل "الوصيلة:إن الشاة إذا نتجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت وصيلة، قالوا: وصلت، فكان ما ولدت بعد ذلك لذكورهم دون إناثهم، إلا أن يموت منها شيء، فيشتركون في أكله ذكورهم وإناثهم (52) .

وروي عن سعيد بن المسيب في قولـه تعالى "ولا وصيلة"، قال: فالوصيلة من الإبل كانت الناقة تبتكر بالأنثى، ثم ثنت بأنثى فسموها الوصيلة، ويقولون: وصلت انثيين، ليس بينهما ذكر، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم، أو يذبحونها" (53) .

وقال ابن كثير – رحمه الله – وكذا روي عن الإمام مالك بن أنس – رحمه الله –  (54) .

وأما الحام: قيل إنه "الفحل الذي ركب ولد ولده، ويقال إذا نتج من صلبه عشرة أبطن. قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلأ ولا ماء" (55) .

وروى ابن جرير عن الشعبي نحو هذا القول ونقل عن ابن عباس أيضاً ومالك (56) – رحمهم الله – وقيل: "إنه الفحل يظهر من أولاده عشر إناث من بناته، وبنات بناته، قاله عطاء" (57) .

فهذا التحريم والتحليل الذي يمارسه هؤلاء المشركون، من أكبر علامات الانحراف عندهم والضلال الذي يعتقدونه.

وقد سماه الله شركاً كما سبق في قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) [الشورى:21].

وفي الحديث عدي بن حاتم عندما أسلم وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عنقي صليب من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عدي اطرح هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) [التوبة:31] .

قال: أما أنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه (58) .

وعن عدي ابن حاتم – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة براءة فلما قرأ: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) قلت يا رسول الله، أما أنهم لم يكونوا يصلون لهم؟ قال: (صدقت ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون ما أحل الله لهم فيحرمونه) (59) .

ومثل هذا التحريم والتحليل الذي مارسه أهل الجاهلية الأولى، يمارسه الآن طواغيت الجاهلية المعاصرة، فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، تراهم يحلون الربا ويسمونه بغير اسمه ويزعمون أنه ضروري، وأنه عامل من عوامل انتعاش الاقتصاد!! ويحلون الزنى علناً، ويحرمون تعدد الزوجات!!. ويضعون القوانين التي يحكمون بها جميع المعاملات معرضين عن وحي رب الأرض والسماوات.

يقول سيد قطب – رحمه الله – :

"ولم يكن بد أن يكون "دين الله" هو الحكم بما أنزل الله دون سواه، فهذا هو مظهر سلطان الله، مظهر حاكمية الله. أن لا إله إلا الله وهذه الحتمية، لا تنشأ فحسب من أن ما أنزل الله خير مما يصنع البشر لأنفسهم من مناهج وشرائع، وأنظمة وأوضاع، فهذا سبب واحد من أسباب هذه الحتمية، وليس هو السبب الأول ولا الرئيسي، إنما السبب الأول والرئيسي، هي أن الحكم بما أنزل الله إقرار بألوهية الله، ونفي لهذه الألوهية وخصائصها عمن عداه وهذا هو الإسلام" ا.هـ (60) .

ولهذا عده شيخ الإسلام – محمد بن عبدالوهاب – من نواقض الإسلام العشرة قال – رحمه الله – : "الرابع: من اعتقد أن غير هدى النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر" ا.هـ (61) .

وعلى هذا فالعلمانية – التي تشدق بها المستغربون – ما هي إلا امتداد لجذور الوثنية منذ العصر الجاهلي، فهؤلاء المشركون يعترفون الربا وبأنه خالق السماوات والأرض، ومالك كل شيء، لكنهم يكتفون بهذا، وأما العبودية والتحليل والتحريم فلا يرون أنها له سبحانه، فما الفرق بينهم وبين من يدعي أن الدين في المسجد قط ولا دخل في سائر شئون الحياة. قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ) [البقرة:193] .

 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – "فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله" (62) ا.هـ. ويقول أيضاً: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين واتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً{150} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً{151}) [النساء:150-151](63)ا.هـ

ويقول أيضاً: "كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين، فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة .. وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة .. ا.هـ (64) .

والواقع أن دين الإسلام شامل لجميع جوانب الحياة فكيف وأنى لنا أن نلهث وراء القوانين البشرية والله سبحانه وتعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) [المائدة:3].

وهل لدين أكمله رب الأرباب أن يكمله البشر أو يدّعون ذلك؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم.

ومن اطلع على أسباب ظهور العلمانية في أوربا علم علماً يقينياً أنه لا مجال لها في ديار الإسلام، فأسباب ظهورها هناك لا وجود لها في بلاد الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله (65) .

 

رابعاً: شرك الدعاء (66) :

إن دعاء غير الله عز وجل من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، فالدعاء هو العبادة كما جاء في الحديث (الدعاء هو العبادة) (67) .

وقال جل وعلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{60}) [غافر:60].

وجاء في الحديث (الدعاء مخ العبادة) (68) ، وجاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء"(69) .

وهذه الأحاديث تبين أهمية الدعاء، ومكانته من العبادة وذلك لما يشتمل عليه من الخضوع، والتضرع، والذل للمسئول والاعتراف بالحاجة إليه، ولهذا ورد في الحديث أنه مخ العبادة "مخ الشيء: خالصه، وإنما كان مخاً لأمرين: أحدهما أنه امتثال أمر الله تعالى حيث قال: ادعوني. فهو محض العبادة وخالصها، والثاني أنه إذا رأى نجاح الأمور من الله قطع أمله عن سواه ودعاه لحاجته وحده، وهذا هو أصل العبادة" (70) .

ولهذا قال جل وعلا:  (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ{55} وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ{56}) [الأعراف:55-56].

والدعاء في اللغة بمعنى الرغبة إلى الله تعالى، ويأتي بمعنى الاستغاثة، كقولك للرجل إذا لقيت العدو خالياً فادع المسلمين، ومعناه استغث بهم، وقد يأتي بمعنى العبادة كما في قولـه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)  [الأعراف:194] .

وقال الله عز وجل: (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) [الصافات:125] أي تدعون رباً سوى الله (71) .

والدعاء على نوعين:

الأول: دعاء المسألة.

الثاني: دعاء العبادة.

وهما متلازمان فكل من دعا بكشف الضر، وسؤال الحاجات فقد عبده، وغالب ما جاء في القرآن ما ذكر ودعاء المشركين لآلهتهم، فالمراد به دعاء العبادة (72) .

والمرء إذا دعا فلا يخلو الأمر من ثلاث حالات سواء دعا بنفسه أو دعا له غيره بطلب منه أو بغير طلب:

الحالة الأولى: أن يدعو الله وحده لا شريك له.

الحالة الثانية: أن يدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.

الحالة الثالثة: أن يدعو غير الله ويدعو الله معه.

فأما الحالة الأولى: فلا خلاف في مشروعيتها، وفضلها وهي المراد بقوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم)]غافر:60[

وقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{186}) [البقرة:186].

وقال تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ) [يونس:10] .

وأما الحالة الثانية: فهي الشرك الأكبر الذي جاء التحذير منه.

والحالة الثالثة: تدخل معها في الحكم لأن الله أمر بدعائه وحده فمن دعا معه غيره، عد هذا شركاً والله غني عن الشرك (73) كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (74) .

وكان دعاء غير الله عز وجل متفشياً في الجاهلية وقد تعددت أساليب القرآن الكريم في إبطاله والرد على من فعله وذلك بعد طرق:

منها: إرشادهم إلى دعائه عز وجل وحده لا شريك له.

ومنها: بيان عجز وفقر من يدعون من الأصنام والأشجار، ونحوها.

ومنها: تذكيرهم بما هو كامن في نفوسهم من الإيمان والتوحيد ودعاء الله وحده وظهور هذا الأمر عند اشتداد الخطب، وانقطاع المعين.

ومنها: ذكر بيان حالهم وتعاديهم يوم القيامة مع أوليائهم الذين يدعون من دون الله (75) .

وإذا تأملنا بعض سور القران الكريم رأينا أنها اشتملت على جميع هذه الأساليب، فأما دعوتهم وإرشادهم إلى دعاء الله وحده لا شريك له ففي قوله تعالى: (كِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{104} وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{105} وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106}) [يونس:104-106] .

وأما في بيان عجز وفقر من يدعوهم من دون الله وأنهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً ففي قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{38}) [يونس:38].

وقوله تعالى: (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ{66}) [يونس:66].

وقوله تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106} وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{107}) [يونس:106-107].

وأما في تذكيرهم بما هو كامن في نفوسهم من الإيمان والتوحيد ودعاء الله وحده، وظهور هذا الأمر عند اشتداد الخطب، وانقطاع المعين، فقوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{12}) [يونس:12].

وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ{22}) [يونس:22].

وأما في ذكر بيان حالهم وتعاديهم يوم القيامة مع أوليائهم الذين يدعون من دون الله قوله تعالى:  (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ{28} فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ{29}) [يونس:28-29] .

وما يفعله الجهلة في زماننا من دعاء الأموات، وسؤالهم الحاجات، والتمسح بقبورهم – والعياذ بالله – من الشرك الأكبر.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –

"ولقد قصد الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدعاء عندهم مثل أن يتخذ قبورهم مساجد لكان ذلك محرماً منهياً عنه ولكان صاحبه متعرضاً لغضب الله ولعنته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (76) .

وقال "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (77) . فإذا كان هذا محرماً وهو سبب لسخط الرب ولعنته، فكيف بمن يقصد دعاء الميت والدعاء عنده وبه واعتقد أن ذلك من أسباب إجابة الدعوات ونيل الطلبات وقضاء الحاجات، وهذا كان أول أسباب الشرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في الناس .." ا.هـ (78) .

وهذا الذي يفعله هؤلاء عند قبور الموتى، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة من بعده – وحاشاهم – ولا فعلته القرون الثلاثة المفضلة، فهل يعقل أن يصرف عنه أولئك، ثم يوفق إليه هؤلاء؟ لاشك أن هذا من البدع المحدثة والشرك الأكبر (79) نسأل الله السلامة .

حتى قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو إمام الرسل، الشافع المشفع، عليه وعلى جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه، فكيف بقبر غيره ممن يزعمون أنهم أولياء، وقد لا يكون في القبر ميتٌ أصلاً؟!!

يقول العلامة الشيخ حمد بن عتيق – رحمه الله – : "أما ما يفعله أكثر الناس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم من دعائه، والتضرع إليه، وسؤاله، بأنواع السؤال، وكذلك ما يفعله عباد القبور من دعاء الأموات والاستغاثة بهم في الشدائد والملمات، والاستنجاد بهم في تفريج الكربات، وإغاثة اللهفان كل ذلك من أعظم المحدثات، وأكثر المنكرات لأنه من الدعاء الذي هو مخ العبادة" (80) .

وسؤال الميت والاستغاثة به على ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: أن يتوجه إليه مباشرة بطلب قضاء الحاجات، وكشف الملمات من شفاء مريض، ورد غائب، وقضاء دين ونحو ذلك، وهذا من الشرك الأكبر.

الحالة الثانية: أن يطلب من صاحب هذا القبر، أن يدعو الله له، ليكون شفيعاً له عند الله، لكونه أقرب عند الله، وهذا من جنس قول الله عز وجل على لسان المشركين: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر:3] .

وقد بينت فساد هذا القول في شرك الشفاعة.

الحالة الثالثة: أن يسأله الدعاء له، كما يقال للحي: ادع الله لنا وطلب الدعاء من الحي مشروع ولا بأس به، وكان الصحابة – رضوان الله عليهم – يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم. وقال صلى الله عليه وسلم  لعمر – رضي الله عنه – عندما استأذنه في العمرة فأذن له وقال: "لا تنسنا يا أخي من دعائك" (81) .

وأما أن يطلب الدعاء من الميت، فهذا غير مشروع ولم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أمر به أحد من الأئمة، بل هو بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، والصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا من العباس أن يستسقي لهم بدعاء الله عز وجل، فلو كان هذا مشروعاً لذهبوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منهم أن يدعو لهم كما ثبت في الصحيح عن أنس – رضي الله عنه – أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –  : كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب. فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، قال فيسقون" (82) . وكان الصحابة – رضوان الله عليهم – إذا جاءوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم سلم أحدهم عليه، ثم إذا أراد أن يدعو انحرف إلى جهة القبلة يدعو الله وحده (83) .

 

 الأدلة على بطلان الشرك :

لم تخل سورة من سور القرآن الكريم، من الرد على المشركين،وإبطال الشرك، وخاصة في المكي منه، وذلك لأهمية أمر العقيدة وبنائها البناء الصحيح، ولأن إنكار ألوهية الخالق أمر في غاية الشناعة والفحش، وكيف يكون رباً خالقاً رازقاً، ثم لا يكون معبوداً، وهذا من أعجب العجب.

 

• بعض أدلة إبطال الشرك في القران الكريم :

أولاً: إبطال الشرك عن طريق إثبات الربوبية

فقد جعل الله عز وجل في هذا الكون من الآيات والدلائل ما تثبت وجوده وربوبيته مما لا يدع مجالاً للشك في وجود الله تعالى، واستحقاقه للعبودية، فالكون كله علويه وسفليه ينطق بالوحدانية لله سبحانه وتعالى(84) .

ومن الآيات التي تثبت وجوده وربوبيته عز وجل:

قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ{3}) [يونس:3].

وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{5} إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ{6}) [يونس:5-6].

وقوله تعالى: ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ{31} فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ{32}) [يونس:31-32].

وقوله جل وعلا: (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{56})[يونس:56].

وقولـه تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ{101}) [يونس:101] .

وقولـه تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{104}) [يونس:104] .

فهذه الآيات العظيمة فيها من الدلائل على عظمة الرب وسلطانه، وقدرته على كل شيء، ما يجعل هؤلاء الكافرين لا يستطيعون الإدلاء بأي حجة، بل هم يعترفون بهذا ويقرون به، لكنهم يصرفون العبادة لغيره، وهذا من الظلم والبغي وضلال القلوب والعياذ بالله، كيف تصرف العبادة للمملوك ولا تصرف للمالك، وتصرف للعبد، ولا تصرف للرب. 

ثانياً: إبطال الشرك عن طريق تذكيرهم بإخلاصهم وقت الشدة والخوف

ودعائهم الله وحده لا شريك له، فإذا عاد الأمن والرخاء عادوا في شركهم وكفرهم، ولهذا وبخهم الله وعاب عليهم فعلهم هذا، والعجب لماذا لا يدعون شركاءهم وقت الحاجة، ولماذا تنصرف قلوبهم إلى الله عز وجل ولا تنصرف لغيره؟! ولكنها فطرة الله التي فطر الله الناس عليها.

قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{12}) [يونس:12].

والآية تصور جزع هذا الإنسان وقلقه، وإكثاره من الدعاء في جميع حالاته سواءً مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً، وهذه أغلب الحالات التي يكون عليها الشخص فإذا كشف عز وجل الغمة عاد إلى كبره وعناده.

ويقول تعالى مصوراً حالة أخرى لهم تعتريهم عند ركوبهم البحر، وهيجان الأمواج، وارتفاع الأصوات، وانقطاع السبل: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ{22} فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{23}) [يونس:22-23] .

 

ثالثاً: إبطال الشرك عن طريق ذكر جزاء من أعرض عن التوحيد

وأن مصير من أعرض عنه، هو مصير المجرمين أولئك، وهذه سنة الله الكونية لا تتغير ولا تتبدل قال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ{13} ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ{14}) [يونس:13-14].

وقوله: (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{27}) [يونس:27] .

وقولـه: (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ{39}) [يونس:39].

وذكر جل وعلا قصة نوح عليه السلام ودعوته لقومه وتكذيبهم له ثم أعقب ذلك بقولـه تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ{73}) [يونس:73].

ثم ذكر تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون، وإعراضهم عن دعوته ثم بين مصيرهم وهلاكهم في قوله تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ{90}) [يونس:90].

وقولـه:  (وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ{95}) [يونس:95].

وقولـه تعالى تحذيراً لهم: (فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{102} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ{103})

[يونس:102-103].

 

رابعاً - إبطال الشرك وذلك بنفي ملكية هذه الآلهة للنفع أو الضر:

كما في قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{18}) [يونس:18].

وقولـه تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106}) [يونس:106].

وهي تنفي الشرك من وجوه:

منها: أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر سواء عبدت أو لم تعبد.

ومنها: أنه من المعلوم قطعاً أن المعبود لابد أن يكون أكمل من العابد، فإذا كانت هذه الأصنام المعبودة لا تملك نفعاً ولا ضراً، بل ولا تحسن التصرف، والذين يعبدونها يتصرفون حتى في شأنها هي وما يخصها من الإصلاح والإفساد فهم إذن أكمل حالاً منها.

ومنها:أن العبادة من أعظم ما يقوم به العبد من التعظيم لمن بعده، وإذا كان الحال كذلك فلا تصرف إلا لمن يستحقها، ومن يستحقها غير الله عز وجل، وإلا فلسان حالهم يقول، إن هذه الآلهة تستحق أن يصرف لها أعظم التعظيم وهذا ضلال (85) .

ومنها: أن هذه الأصنام لا تملك نفعاً ولا ضراً، ومن كانت هذه حاله فكيف تكون لديه من الوجاهة والسؤدد، حتى يكون شفيعاً عند الله، وسيقولون يوم القيامة لهم: (تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{98}) [الشعراء:97-98].

وهاهو سيد الخلق – عليه الصلاة والسلام – يدعو قرابته مبيناً لهم أنه لا يملك لهم من الله نفعاً ولا ضراً، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله: ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{214}) [الشعراء:214].

قال: "يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم لا أغني عنك من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبدالمطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً (86) .

فإذا كان هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بحال غيره من هذه الأوثان والأموات التي يدعونهم من دون الله، والزعم بأنهم يشفعون لهم، حرمهم شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء لأن هذا شرك والمشرك منتفية في حقه الشفاعة.

 

خامساً: بيان حالهم يوم القيامة مع شركائهم، ونفي الشركاء لهذه العبادة وتخليهم عن عابديهم:

قال تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ{28} فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ{29}) [يونس:28-29].

وبيان ذلك من وجوه منها: قولـه عز وجل: "فزيلنا" وهي بمعنى الفراق، والتباين كما ذكر هذا أهل اللغة (87) .

والمعنى أن هؤلاء الشركاء يفارقون عابديهم، عند الحشر، وهذا يبطل شفاعتهم لهم ونصرتهم، ومن كان هذا حاله فلا يستحق العبادة.

ومنها: غفلة هؤلاء الشركاء عن معبوديهم، بل وإنكارهم لعبادتهم قال ابن كثير – رحمه الله – في معنى هذه الآية ما كنا نشعر بها ولا نعلم بها، وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم، والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا أمرناكم بها ولا رضينا منكم بذلك.

وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئاً، ولم يأمرهم بذلك ولا رضي به ولا أراده بل تبرأ منهم وقت أحوج ما يكونون إليه" ا.هـ (88) .

وإذا كانت الآلهة لا تعلم بهذه العبادة، فالواقع أن صرفهم لها العبادة سخف في العقل، وعماية عن الحق، والإنسان عندما يقوم بعبادة ما فهو يرجو ثوابها من المعبود، وعندما لا يعلم بها المعبود فهو قطعاً لا يثيب عليها فكيف والحال أن هذه الآلهة لا تعلم بهذه العبادة، ولا تستطيع أن تثيب عليها لو علمت بها.

 

سادساً: بيان عجز الشركاء:

كما في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{35}) [يونس:35].

وإبطال الشرك في هاتين الآيتين جاء من وجوه:

منها: الإتيان بهذه الحجة على طريقة الاستفهام، وتفويض الإجابة لهم، وذلك لجلاء هذا الأمر ووضوحه، وهذا أبلغ وأوقع في نفوس المخاطبين حيث هذا مشعر لهم بأن الأمر لا يحتاج إلى بينة (89) .

ومنها: لفت أنظارهم إلى خالق الكائنات، وأن منشئها وخالقها هو الله عز وجل يعترفون بذلك، فهل تستطيع هذه الآلهة أن تفعل ذلك، وهم حتماً لا يستطيعون ادعاء ذلك، حتى ولو قالوه فالواقع يكذبهم.

ومنها: تكرار الاستفهام عن الهداية إلى سبيل الحق والرشاد، هل تفعله هذه الآلهة أم أن الله عز وجل هو الذي يهدي، وإن كانت هذه الآلهة لا تستطيع الهداية ولا تملكها توصلنا إلى نتيجة حتمية وهي أن المالك للهداية إذاً أحق بالاتباع ممن لا يملكها وهو محتاج إليها.

ومنها قولـه تعالى: (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{35}) وهذا تعجب من أفعالهم ودليل على عدم انتفاعهم بالسمع والبصر والفؤاد.

ومنها: ما جاء بعد هذه الآيات من قوله تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ{36}) [يونس:36] .

والمعنى أنهم في عبادتهم لهذه الآلهة يتبعون الشك،وليس عندهم يقين، وإنما تقليد واتباع لآبائهم، وهذا لا يغني عن الحق شيئاً، ولهذا يطالبهم الله تعالى بالدليل والبرهان على استحقاق هذه الأصنام للعبادة فهم أولاً: مخلوقون، فكيف يكون المخلوق إلهاً؟! وكيف يكونون شركاء لمن خلقهم؟! ثم هم عاجزون عن النصرة، والنفع والضر حتى لأنفسهم، فتبين عجزهم عن نصر غيرهم أو نفعه من باب أولى (90) .

 

سابعاً: إثبات غنى الرب عز وجل، ونفي الحاجة عنه:

قال تعالى: (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{68}) [يونس:68].

وقد أبطل الله تعالى إشراكهم، بادعائهم نسبة الولد إليه (91) - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - في هذه الآية الكريمة من عدة أوجه:

منها: إنه الغني سبحانه ومن كان غنياً فليس محتاجاً للولد.

ومنها: إن التماس الولد يكون في حق من هو محتاج إليه في مصالحه الحاصلة أو المتوقعة والرب جل وعلا منزه عن هذا.

ومنها: إن الولد يكون منسوباً إلى الشخص بشرطين. الأول: كونه سبب حصوله وتولده منه. والثاني: أن يكون من جنسه ومعلوم قطعاً بأن الرب جل وعلا ليس كمثله شيء وأنه أحد صمد فرد لم يتولد منه شيء وليس له مساوياً ولا شبيهاً.

ومنها: لو كان للرب ولد للزم أن يكون متصفاً بالشهوة واللذة، وقد علم امتناع هذا وتنزهه عن الصاحبة.

ومنها: أنه جل وعلا قد تنزه عن الأم والأب فكذلك الولد (92) .

ومنها: "إن الولادة لا تكون إلا من أصلين سواء في ذلك تولد الأعيان التي تسمى الجواهر – وتولد الأعراض والصفات، بل ولا يكون تولد الأعيان إلا بانفصال جزء من الولد، فإذا امتنع أن تكون له صاحبة امتنع أن يكون له ولد، وقد علموا كلهم أن لا صاحبة لا من الملائكة ولا من الجن ولا من الإنس فلم يقل أحد منهم إن لـه صاحبة"(93).

بل لو ادعى أحدهم أن مريم أم المسيح عليهما السلام هي امرأة لله جل وعلا وتقدس لكفروه واعتقدوا شناعة قوله، وهم مع ذلك يقولون إن المسيح ولده الله ولادة عقلية، والقول السابق ليس بأفسد من هذا القول الأخير (94) .

ومنها: ما جاء في قوله تعالى: (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) [البقرة:284] فإذا كان مالكاً لجميع ما في السماوات وما في الأرض، خالقاً لها، وأن الجميع مخلوقون عبيد مماليك، والولد لابد أن يكون من جنس والده، فكيف يجوز ذلك والكل له جل وعلا مخلوق (95) .

ومنها: قوله تعالى في الآية: (إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{68}) [يونس:68] ،فالرب جل وعلا يطالبهم بأن يأتوا بسلطان أي حجة على ما يقولون فمن المعلوم أن كل من ادعى شيئاً لا يقبل منه إلا بعد إقامة الدلائل والبراهين على صدقه، وثبوته فأين برهانهم ودليلهم، على أن لله جل وعلا ولداً.

وحينما لم يأتوا بدليل مع مطالبة الله عز وجل لهم بذلك تبين عجزهم وكذبهم على الله جل وعلا، وقولهم عليه بلا علم.

ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي أن يقول: إني لن أعيده كما بدأته، وأما شتمه إياي أن يقول اتخذ الله ولدا، وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد" (96) .

 

ثامناً: تصوير مشاهد الحسرة والندم التي يعيشها هؤلاء المعرضون عن التوحيد يوم القيامة:

كما في قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ{50} أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ{51} ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ{52}) [يونس:50-52] .

وقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{54}) [يونس:54].

وفي الحديث: "يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملءُ الأرض ذهباً، أَكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقال له: قد كنت سئُلت ما هو أيسر من ذلك" (97) .

ويقول تعالى أيضاً: (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{27}) [يونس:27].

وفي المقابل صورة مشرقة لأهل التوحيد والتصديق يقول تعالى: 

(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{63} لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{64}) [يونس:62-64] .

ومن هنا يتبين بطلان الشرك، وأن المشرك يتعلق بوهم، وببيت أوهى من بيت العنكبوت، فإذا كان وجوب الوجود، والغنى المطلق، من خصائص الرب جل وعلا وليس لبشر مهما أوتي أن يشاركه في خصائصه كان الاستقلال بالفعل من خصائصه أيضاً، ومن كان كذلك فليس له شريك فكيف يجعل له شريكاً والشريك هو الند والمساوي، بل وكيف يعبد غيره ويسمى إلاهاً؟! إن ذلك لمن أعجب العجب (98) .

بل وهؤلاء المشركون، قد اتخذ كل واحد منهم وثناً يعبده، ويتقرب إليه بأنواع القربات، وهو يسيء الظن بالوثن الذي اتخذه غيره، ويزعم أن وثنه يستجاب عنده، ولا يستجاب عند غيره من الأوثان، ومن المحال أن يكونوا كلهم على صواب، وموافقة بعضهم دون بعض تحكــم بــــلا دليـــــل مرجـــــح، وموافقتهـــم جميعاً يؤدي إلى الجمع بين الأضداد، وهذا مما يبين ضلالهم وبطلان عقيدتهم (99) ، ولهذا ختمت السورة الكريمة بالبراءة من الشرك في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{104}) (100) [يونس:104] .

 ـــــــــــ

 

(1)   لسان العرب باختصار (10/448-449) مادة شرك، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة، ص28. والصحاح (4/1593)، والنهاية في غريب الحديث (2/466).

(2)   انظر لسان العرب مادة (عبد) (3/270-278).

(3)   رسالة العبودية، ص4.

(4)   رواه مسلم كتاب في الزهد والرقائق باب من أشرك في عمل غير الله، رقم 2985 (ج4/2289) ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق آخر عن أبي هريرة بمعناه (ج/340).

(5)   رواه البخاري في كتاب التفسير باب: (وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق) رقم: 4636 (4/1873).

(6)   محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي: مؤرخ. من أهل مكة، كان معاصراً للأزرقي، متأخراً عنه في الوفاة، ولم تحدد سنة وفاته، من مؤلفاته (أخبار مكة) انظر الأعلام (6/28) وانظر مقدمة أخبار مكة (1/5-32).

(7)   عبيدالله بن عبيد أبو وهب الكلاعي الدمشقي، صدوق، من السادسة، مات سنة اثنتين وثلاثين، (التقريب رقم 4319) ص 373، وانظر تهذيب التهذيب 7/32.

(8)   أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (5/162) ولم يذكر بقية إسناده، ونقله عن السيوطي في الدر المنثور (ج8/294)، ونقله الحافظ في الفتح (8/537).

(9)   محمد بن قيس المدني أبو أيوب، قال ابن سعد كان كثير الحديث عالماً، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو داود ثقة، وضعفه ابن معين قيل توفي أيام الوليد بن يزيد (انظر تهذيب التهذيب 9/367)، وانظر التقريب رقم 245 ص503.

(10)   رواه ابن جرير في تفسيره (29/98-99) وإسناده فيه موسى بن عبيدة قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (ضعيف لاسيما في عبدالله بن دينار) انظر ص522، وفيه أيضاً محمد بن حميد وهو ضعيف انظر التقريب ص 475، وباقي إسناده ثقات ومحتج بهم.

(11)   عمرو بن لحي بن حارثة بن عمر بن عامر الأزدي، وهو جد خزاعة، تولى الحجابة بمكة، وزار بلاد الشام فلما وصل مآب من أرض البلقاء وجدهم يعبدون الأصنام فأعجبه ذلك فطلب منهم أن يهبوه صنما فأعطوه "هبل" فقدم به إلى مكة ونصبه للعبادة والتعظيم، فكان أول من فعل ذلك من العرب، انظر السيرة (1/121-123)، وانظر البداية والنهاية (2/174)، وانظر الأعلام (5/84).

(12)   "سميت خزاعة لأنهم تخزعوا من ولد عمرو بن عامر، حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام فنزلوا بمر الظهران فأقاموا بها" السيرة: (1/136).

(13)   رواه البخاري في كتاب التفسير، باب: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة) رقم: 4347 (4/1690) ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب: النار يدخلها الجبارون، رقم: 51 (4/2192) عن صالح به.

(14)   السيرة النبوية (1/122).

(15)   انظر الأعلام (5/84).

(16)  انظر السيرة (1/120-132)، وانظر أخبار مكة (5/162 وما بعدها)، وانظر تاريخ الأمم والملوك (1/169) وانظر الملل والنحل (2/237)، وانظر إغاثة اللهفان لابن القيم (2/294) وما بعدها، وانظر فتح الباري (3/584-585).

(17)   انظر إغاثة اللهفان (2/317-318).

(18)   انظر إغاثة اللهفان (2/314 وما بعدها).

(19)   رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة رقم 2907 (4/2230)، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (9/181) عن عبدالحميد بن جعفر به، ورواه الحاكم في المستدرك عن عبدالحميد بن جعفر به (4/494) رقم: 8381.

(20)   ذو الخلصة: (بيت كان فيه صنم كان يسمى الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة ) الأمكنة والمياه والجبال للزمخشري ص99، وانظر السيرة (1/130).

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – عند شرحه لكتاب التوحيد في دروسه المسجلة على أشرطة كاسيت "وقد وقع ذلك بأن أعيد هذا وعبد في عهد قريب قبل قيام هذه الدولة وطافوا به" ا.هـ.

(21)   رواه البخاري في كتاب الفتن، باب تغيير الزمان رقم: 6699 (6/26.4)، ورواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة رقم 2906 (4/2230) عن الزهري به.

(22)   رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين، وأحكامهم باب: تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس .. رقم: 2812 (4/2166)، ورواه الترمذي في كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في التباغض رقم: 1937 (4/330)،ورواه الإمام أحمد في المسند (3/313).

(23)   دلائل النبوة (6/363).

(24)   انظر تحفة الأحوذي (6/67).

(25)   المرجع السابق (6/68).

(26)   انظر عقيدة المؤمن للشيخ أبي بكر الجزائري، ص342.

(27)   لسان العرب ج8/183-184 مادة (شفع) وانظر الصحاح (3/1238) والقاموس المحيط 947.

(28)   انظر جامع البيان (11/98).

(29)   انظر كتاب الزيارة لابن تيمية، ص77-84، والرسالة الأكملية لابن تيمية ص66-67 وهي في الفتاوى (6/133) والهدية السنية جمع بن سحمان، ص51-52.

(30)   كما يفعل اليوم عند القبور كقبر عبدالقادر الجيلاني، والبدوي في مصر واليمن، ومشهد الحسين – رضي الله عنه – ومشهد هود – عليه السلام – على حد زعمهم في جامع دمشق، وقبر بهاء الدين بباكستان، وقبر حواء كما يزعمون في جدة، وقبر ابن عباس – رضي الله عنه – في الطائف، وغيرها.

انظر اقتضاء الصراط المستقيم، ص316، وكشف الشبهات مع الهامش، ص11-19.

(31)   كتاب الزيارة، ص78-79.

(32)   انظر شرح العقيدة الطحاوية، ص223.

(33)   انظر مجموع الفتاوى (14/380-382) وانظر (14/414)، ومدارج السالكين (1/340-341).

(34)   انظر شرح العقيدة الطحاوية ص235-236.

(35)   رواه مسلم في كتاب الإيمان باب: قوله صلى الله عليه وسلم (أنا أول الناس يشفع في الجنة) رقم: 332 (1/188).

(36)   انظر النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير 2/312 وما بعدها، وشرح العقيدة الطحاوية 223-231، وفتح الباري (11/433-436) والشفاعة لمقبل الوادعي.

(37)   رواه البخاري في كتاب العلم باب: الحرص على الحديث رقم: 99 (1/49)، وفي كتاب الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، رقم: 6201 (5/2402) عن عمرو به وزاد في آخره (خالصاً من نفسه)، ورواه أحمد في مسنده من طريق آخر عن أبي هريرة – رضي الله عنه – بلفظ "نفسه (5/373). ورواه الآجري في الشريعة من طريق آخر عن أبي هريرة بنحوه ص 340.

(38)   مدارك السالكين (1/341).

(39)   رواه ابن جرير في تفسير (ج8/40)، وفي إسناده من تُكُلم فيه وقد ذكره ابن كثير في تفسيره(3/106) عن ابن عباس بمعناه وقال "وهكذا قال مجاهد وقتادة والسدي وغير واحد".

(40)   انظر جامع البيان (8/42)، وتفسير ابن كثير (3/106).

(41)   تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص147، وروى عن ابن عباس (انظر زاد المسير ج2/36.

(42)   انظر جامع البيان ج7/88، ونقل عن عطاء (انظر زاد المسير 2/436) وقاله ابن إسحاق السيرة 1/33.

(43)   روي عن سعيد بن المسيب – رحمه الله – كما روى ذلك البخاري بسنده في كتاب التفسير "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" رقم: 4347 (ج4/1690).

(44)   تفسير غريب القرآن ص147.

(45)   انظر جامع البيان (7/88).

(46)   باذام ويقال بأذان أبو صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب روى عن علي وابن عباس وأبي هريرة .. روى عنه الأعمش وإسماعيل السدي وسماك بن حرب وغيرهم قال عنه ابن حجر "ضعيف يرسل من الثالثة" ا.هـ انظر تهذيب التهذيب (1/364-365) وتقريب التهذيب رقم 634 ص120.

(47)   زاد المسير 2/437.

(48)   السيرة 1/133.

(49)   رواه البخاري (ج4/ 1690) وقد تقدم، وروى نحوه ابن جرير عن ابن عباس (7/90).

(50)   سبق تخريجه ص 58.

(51)   تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص147، وقال ابن الجوزي رواه أبو صالح عن ابن عباس بنحوه انظر زاد المسير (2/438).

(52)   جامع البيان (ج11/88) وقاله محمد بن إسحاق انظر السيرة (1/133).

(53)   رواه ابن جرير في تفسيره (والشك منه) (ج7/91) وفي إسناده الحسن بن يحيى بن الجعد ابن أبي الربيع الجرجاني أبو علي قال فيه الحافظ في التقريب صدوق (انظر التقريب ص164) وأما باقي رجال إسناده فثقات، وقد رواه أيضاً ابن كثير في تفسيره (2/665) قال: قال عبدالرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب هو الحسن بن يحيى بن الجعد أو الحسن بن يحيى بن كثير العنبري والأول قال فيه الحافظ في التقريب صدوق، والثاني قال فيه لا بأس به، (انظر التقريب ص164) وأما باقي رجال إسناده فثقات، وقد رواه أيضاً ابن كثير في تفسيره (2/665) قال: قال عبدالرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب.

(54)   انظر تفسير ابن كثير (ج2/665).

(55)   تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص148، وقاله ابن إسحاق انظر السيرة (1/133).

(56)   انظر جامع البيان ج7/89.

(57)   زاد المسير 2/89.

(58)   رواه الترمذي في سننه كتاب التفسير تفسير سورة التوبة رقم 3094 (8/248) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبدالسلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث. ا.هـ. ورواه ابن جرير من طريق آخر عن عبدالسلام بن حرب به بنحوه (10/114).

(59)   رواه ابن جرير في تفسيره (10/114) وفي سنده غطيف بن أعين السابق ذكره، وقد روى ابن جرير نحوه من عدة طرق، ورواه أيضاً موقوفاً على حذيفة بن اليمان وابن عباس والحسن وابن البختري وغيرهم.

(60)   في ظلال القرآن (2/828).

(61)   مجموعة التوحيد ص27.

(62)   الفتاوى الكبرى (4/280).

(63)   الفتاوى الكبرى (4/286).

(64)   المرجع السابق 4/279.

(65)   انظر في العلمانية وأسباب ظهورها كتاب العلمانية للشيخ سفر الحوالي وكتاب تهافت العلمانية لعماد الدين خليل.

(66)   الشرك في الدعاء يتضمن الشرك في العبادة وقد سبق ولكن أفردته هنا لأهميته، ولكثرة وقوعه.

(67)   رواه الترمذي في كتاب التفسير في تفسير سورة المؤمن من حديث النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول .. الحديث وفي آخره ثم قال "وقال ربكم ادعوني استجب لكم" الآية 60 غافر رقم 3244 (ج8/372) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل الدعاء من طريق آخر عن النعمان بن بشير به رقم 3369 (9/92) ورواه الإمام أحمد عن النعمان بن بشير به (4/267، 271، 286)، ورواه ابن ماجة في كتاب الدعاء باب فضل الدعاء من طريق آخر عن النعمان بن بشير بنحوه رقم 28 38 (2/1258) وعزاه العجلوني في كشف الخفاء لمسلم (1/485) وهو وهم.

(68)   رواه الترمذي عن أنس بن مالك في كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل الدعاء رقم 3368 (ج9/92)، وقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة" ا.هـ.

(69)   رواه الترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل الدعاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – رقم 3367 (ج9/91) وقال: هذا حديث حسن، ا.هـ، ورواه ابن ماجة في كتاب الدعاء باب فضل الدعاء عن محمد بن يحيى به رقم 3829 (ج2/1258) ورواه البخاري في الأدب المفرد عن عمر بن مرزوق به رقم 712 ص249.

(70)   لسان العرب مادة مخخ (3/52).

(71)   انظر لسان العرب 14/257 (مادة دعا)، وانظر القاموس المحيط ص1655، وانظر الصحاح 6/2336-2337.

(72)   انظر مجموع الفتاوى (15/10-13).

(73)   انظر كتاب الزيارة لابن تيمية 75-86.

(74)   رواه مسلم في كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك في عمله غير الله رقم 2985 (4/2289)، ورواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – كتاب الزهد باب الرياء والسمعة رقم 4202 (2/1405) بنحوه، ورواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد بن فضالة الأنصاري بمعناه (3/466) (4/215).

(75)   انظر رسالة الشرك ومظاهره لمبارك بن محمد علي، ص193.

(76)   رواه البخاري من حديث عائشة بلفظ (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) كتاب الجنائز باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور رقم 1265 (1/447).

ورواه مسلم في كتاب المساجد باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد عن عائشة – رضي الله عنها – بلفظ البخاري رقم 19 (1/376).

(77)   رواه البخاري كتاب المساجد باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور رقم 426 (1/168) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه به رقم (20) (1/376).

(78)   مجموع الفتاوى (1/166-167).

(79)   انظر الهدية السنية، ص42.

(80)   مجموعة رسائل الشيخ حمد بن عتيق، ص18.

(81)   رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب الدعاء رقم 1498 (ج1/470). ورواه البيهقي في كتاب السنن الكبرى كتاب الحج باب التوديع من طريق آخر عن شعبة به (5/251) وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله، انظر ضعيف الجامع الصغير (رقم 6278).

(82)   رواه البخاري في كتاب الاستسقاء باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا رقم الحديث 964 (ج1/342-343) ورواه في كتاب فضائل الصحابة باب ذكر العباس بن عبدالمطلب رقم 357 (ج3/1360) عن أنس – رضي الله عنه – به.

(83)   انظر فيما سبق: كتاب الزيارة ص82 وما بعدها، واقتضاء الصراط المستقيم، ص320-321.

(84)   انظر مدارج السالكين (ج1/59).

(85)   انظر تفسير الفخر الرازي (17/62-63).

(86)   رواه البخاري في كتاب تفسير باب، (وأنذر عشيرتك الأقربين) ..  رقم 4493 (4/1787-1789)، ورواه في كتاب الوصل باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب رقم 2602 (ج3/1298 من حديث أبي هريرة بمعناه، ورواه مسلم في كتاب الإيمان باب قولـه تعالى:  (وأنذر عشيرتك الأقربين)  بألفاظ متقاربة نحوه عن أبي هريرة وعائشة – رضي الله عنهما – رقم (349) (350) (351) (1/192-193).

(87)   انظر لسان العرب مادة (زيل) ج11/ 316.

(88)   تفسير ابن كثير ج3/500.

(89)   انظر تفسير الفخر الرازي 17/93.

(90)   انظر قرة عيون الموحدين، ص94-95.

(91)   وهذا من الشرك في الربوبية، وإذا بطل الشرك في الربوبية فبطلانه في الألوهية من باب أولى.

(92)   انظر تفسير الفخر الرازي (17/138-139).

(93)   مسائل الجاهلية، ص64.

(94)   انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (3/130).

(95)   انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير لكلام المنان 2/331-332، وانظر تفسير الطبري 11/140.

(96)   رواه البخاري كتاب التفسير باب قولـه (الله الصمد) حديث 4691 (ج4/6903) ورواه أيضاً في كتاب التفسير في تفسير قل هو الله أحد من طريق أخرى عن أبي هريرة – رضي الله عنه – به رقم 4690 (4/1903).

وأخرجه ابن منده في التوحيد عن أبي هريرة بنحوه (ج1/6).

(97)   رواه البخاري كتاب الرقاق باب من نوقش الحساب عُذب عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – رقم 6173 (ج5/2395)، ورواه أيضاً في كتاب الأنبياء باب قوله تعالى:  (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة) عن أنس بن مالك بمعناه رقم 3156 (3/13)، ورواه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب طلب الكفار الفداء بملء الأرض ذهباً عن أنس بن مالك بمعناه رقم 2805 (4/161).

(98)   انظر الفتاوى: (1/34-935)، وانظر قرة عيون الموحدين، ص94-95.

(99)   انظر اقتضاء الصراط المستقيم، ص345.

(100)   انظر في تفسيرها جامع البيان (11/176).