بســم اللــه الرحمــن الرحيــم

 

شروط التكفير وموانعه

  

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله .

  أما بعد فإن التكفير حكم شرعي لا يطلق على معين إلا بشروطه الشرعية, ومن ثبت في حقه بتلك الشروط أطلق عليه حكم الردة بلا تردد.

وكما انه ليس لأحد أن يحكم على قول أو فعل أنه شرك إلا بدليل شرعي وكذلك ليس لأحد أن يطلق حكم الردة على معين إلا بضوابط شرعية .

 و المسلم إذا تلبس بشيء من مظاهر الشرك لا يلزم أن نحكم عليه بالشرك بل قد يكون معذورا فلا يحكم بردته حتى تتحقق فيه شروط التكفير وتنتفي موانعه, فلا تلازم بين تلبسه بذلك الفعل وبين الحكم عليه بالردة.

والجزم بتكفير المعين و إخراجه من الإسلام خطر عظيم وتترتب عليه آثار كثيرة كانتفاء ولايته العامة على المسلمين, وانتفاء ولايته على ذريته, وتحريم زوجته عليه, وسقوط ارثه الذي يستحقه لو كان مسلما, وعدم حل ذبيحته , وعدم جواز تغسيله والصلاة عليه إذا مات, وأنه لا يدفن في مقابر المسلمين, وعدم جواز الاستغفار له وما إلى ذلك من أحكام .

 و لهذا ورد الوعيد الشديد فيمن كفر مسلما كما في الحديث المتفق عليه. " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " وفي رواية مسلم " إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " ..

خوف السلف من التكفير :

  سئل علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه_ عن أهل الجهل أكفار هم ؟ قال : من الكفر فروا سئل : أمنافقون هم ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا وأولئك يذكرون الله صباح مساء وإنما هم إخواننا بقوا علينا " أخرجه البيهقي في السنة 8/73 ) والصواب ( أهل النهروان )

فإن الإمام أحمد - يرحمه الله - لا يكفر المرجئة الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل لا يكفر من يفضل عليا على عثمان _رضي الله عنهما_ بل نصوص صريحة بالامتناع عن تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم وإنما يكفر الجهمية لأن حقيقة قولهم نفي وجود الإله " الإنكار والتشهير للجوعي صـ48

قاله شيخ الإسلام _أيضا_ " أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً تارة أخرى وإني أقر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها وذلك يعم الخطأ في المسائل القولية والمسائل العملية " مجموع الفتاوى(3_229)

قال الشيخ سليمان بن كمان_رحمه الله_:"قال شيخنا_المراد الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ_وهذا هو قولنا بعينه فإنه إذا بقيت معه أصول الإيمان ولم يتبع منه شرك أكبر وإنما وقع نوع من البدع فهذا لا نكفره ولا نخرجه من الملة " كشف الشبهتين لسليمان بن سحمان صـ78

افتراق الناس في تحديد شروط التكفير وموانعه :

 

عند البعض من تلفظ بالشهادتين لا يمكن تكفيره بحال, بل قالوا: إنه لا يجوز تكفير شخص بعينه , وإنما إطلاق وصف الكفر يكون على الأعمال , وعندهم أن سلطة الحكم على الأشخاص بالكفر ليست للأفراد بل للحاكم والقاضي المسلم .

_ وعند آخرين التكفير بالكبيرة أو عدم الحكم بإسلام من نطق بالشهادتين وصلى وصام وأدى فرائض الإسلام ما لم يتحققوا من إسلامه بشروط حددوها لم ترد في الكتاب ولا في السنة .

_ أهل السنة والجماعة وسيأتي بيان مذهبهم الحق .

 

بواعث التكفير والتشهير :

إن للتكفير والتشهير بواعث منها ما يكون ناشئاً من بعض أمراض القلب وعلله فمن البواعث الصحيحة:

1_ الغيرة على دين الله: وذلك باعث حميد فقد كان رسول الله  r  لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله ذكر العلامة المحدث أحمد محمد شاكر_رحمه الله_فقال......... " تخرج طه حسين في الجامعة المصرية القديمة وكان أعمى وتقرر إرساله في بعثة إلى أوروبا فاستقبله السلطان حسين استقبالاً كريماً وحباه هدية كريمة المغزى والمعنى وبعد هذا الموقف خطب محمد المهدي خطبة الجمعة وكان حين ذاك خطيب السلطان ويحضر خطبته العلماء والوزراء والكبراء فمدح الخطيب السلطان مدحاً غالى فيه إلى أن قال عنه السلطان وقد جاءه الأعمى فما عبس وما تولى معرضاً بالنبي  r  ....." الخ. كتاب الأكفار والتشهير  ضوابط ومحاذيرصـ71_72

2_ فضح المنافقين: فإن المصلحة تقتضي بيان عوارهم ومثالبهم ليحذرهم المسلمين .

3_ تحقيق حكم الله في المرتد وإقامة الحجة عليه حتى يتبرأ مما قال أو عمل أو ينفذ فيه حكم المرتد .

 

البواعث الخاطئة:

1_ سوء الظن: فقد يحملك على تأويل أقوال وأفعال غيرك ولو كانت حسنة تأويلاً مشيناً.

2_ الجهل: وهو داء عضال ومرض فتاك.

3_ الهوى : فقد لا ينجو منه العلماء بله العامة.

4_ التعصب: التعصب للآراء والأوطان والعادات والتقاليد.

5_ الانتصار للنفس.

6_ الحسد.

الأصل في ثبوت وصف الإسلام للمعين:

يقول الإمام ابن رجب  -رحمه الله - " من المعلوم بالضرورة إن النبي  r  كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلما, فقد أنكر على أسامة بن زيد قتله لمن قال لا إله إلا الله لما رفع عليه السيف واشتد نكيره عليه ولم يكن r  ليشترط على من جاءه يريد الإسلام, ثم أنه يلزم الصلاة والزكاة " جامع العلوم والحكم صـ79

إذن صفة الإسلام تثبت للمعين بمجرد إقراره سواء كان ذلك بنطقه بالشهادتين كما دل على ذلك حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - كان يقوم مقامه كما ورد في حديث المقداد بن الأسود -رضي الله عنه - أن من قال أسلمت لله حكم بإسلامه . بل أنه يكفي في الإقرار أدنى دلالة عليه ولو كان المعين قد أخطأ في التعبير عن إقراره كما في قصة خالد بن الوليد لما بعثه رسول الله  r  إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل فيهم ويأسر ودفع إلى كل رجل من أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل من أسيره فقلت ( القائل عبد الله بن عمر ) والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره , حتى قدمنا على النبي  r  فذكرناه . فرفع النبي  r  يديه فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد "   رواه البخاري .

 وهذا معنى قول من قال من السلف أن الإسلام هو الإقرار مثل ما ورد عن الزهري - رحمه الله - أنه قال: ( كنا نقول الإسلام بالإقرار, والإيمان بالعمل والإيمان قول وعمل قرينان لا ينفع أحدهما إلا بالآخر )..

ومثله ما ورد عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه قال : ( الإيمان قول وعمل , والإسلام إقرار ) .

 فأهل السنة يفرقون بين ما يلزم لثبوت وصف الإسلام للمعين ابتداء وبين ما يلزم لبقاء ذلك الوصف واستمرار الحكم به للمعين..

 

حقيقة التوحيد ( أصل الدين على الحقيقة )

1_ الإخلاص وهو توحيد الله تعالى بالإرادة والقص.

2_ التوحيد لله بتحقيق شهادة ألا إله إلا الله.

3_ تجريد المتابعة للرسول  r  بتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله.

 ولهذا كان الإقرار بهما هو الأصل في الحكم للمعين بالإسلام ودخوله فيه, وكان تحقيقهما وعدم مناقضتهما شرطاً لبقاء ذلك الوصف وكانتا مفتاح الجنة وشرط النجاة في الآخرة فعليهما إذن مدار الدين كله.

نواقض الإسلام :

الشرك:

من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة.

من لم يكفر المشركين أوشك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفراً إجماعاً.

من اعتقد أن غير هدي النبي  r  أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه.

من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول r , ولو عمل به كفراً إجماعاً .

من استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه.

السحر من فعله أو من رضي به كفر.

مظاهر المشركين ومعاونتهم على المسلمين.

من اعتقد أن بعض المسلمين لا يجب عليه إتباع النبي r.

من أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.

ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائض إلا المكاره وكلها أعظم ما يكون خطراً وأكثر ما يكون وقوعاً.   مجموعة التوحيد صـ27

 

بماذا تحصل الردة:

قال الشيخ صالح البليهي _رحمه الله_

المرتد شرعاً: هو الذي يكفر بعد إسلامه نطقاً أو اعتقاداً أو فعلاً أو شكاً "..

المثال الأول من قال لمن عمل بدين الإسلام: أنت رجعي.

المثال الثاني اعتقاد حل شيء من المحرمات المجمع على تحريمها أو اعتقاد جواز الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة..

المثال الثالث من ذبح لغير الله ..

المثال الرابع : كمن شك في البعث أو الجنة والنار ونحو هذا " ..

عقيدة المسلمين صـ281 بتصرف

 

حقيقة الشرك:

- عدم إخلاص القصد والإرادة ..

- اتخاذ وسائط في جلب النفع أو دفع الضر ..

أنواع الشرك:

1_ الشرك الاعتقادي:

 وهو اعتقاد شريك مع الله بإثبات ماهو خاص بالله تعالى لغيره سواء كان ذلك الاعتقاد مناقضاً لوحدانية الله في ذاته أو أسمائه وصفاته وأفعاله .

1_ في الذات باعتقاد وجود أكثر من إله .

2_ الشرك في الصفات والأفعال يكون باعتقاد شريك له في ذلك فكما أن لله الوحدانية في الذات فكذلك له الوحدانية في الأسماء والصفات والأفعال . فمن وصف مخلوقاً بأنه يعلم الغيب أو أنه يتصرف في خلق الله بما لا يقدر عليه إلا الله أو نحو ذلك من صفات الكمال الذاتية أو الفعلية أو ما يتعلق بخصائص الربوبية فقد أشرك بالله في ربوبيته .

 

2_ الشرك في الطلب:

وحقيقته اتخاذ واسطة بين المخلوق والخالق سواء كانت تلك الواسطة فيما يتعلق بالتدبير والتصريف, أم فيما يتعلق بالتشفع إلى الله بتقريب طالب الشفاعة .

ضل قوم في هذه المسألة حيث ظنوا أن الشرك لا يكون إلا باعتقاد استقلال المطلوب منه في استقلال المطلوب إيجاد مالا يقدر عليه إلا الله لا مجرد اتخاذ واسطة في الطلب مع اعتقاد أن الخلق والتأثير لله وحده.

مثله من الاستغاثات بغير الله.

ذكره الشعراني في طبقاته عن أحمد البدوي يقول: ( وكان سيدي عبد العزيز إذا سئل عن سيدي أحمد- رضي الله عنه- يقول : هو بحر لا يدرك له قرار وأخبار مجيئه بالأسرى من بلاد الإفرنج وإغاثة الناس من قطاع الطريق , حيلولته بينهم وبين من استنجد به لا تحويها الدفاتر- رضي الله عنه- ........" الطبقات الكبرى للشعراني صـ1/162_163)..

عن أحمد البدوي يقول الشعراني أيضاً :( أخبرنا شيخنا الشيخ محمد الشناوي- رضي الله عنه- أن شخصاً أنكر حضور مولده (أي مولد البدوي) فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعره تحن إلى دين الإسلام فاستغاث بسيدي أحمد - رضي الله عنه - فقال : بشرط ألا تعود , فقال : نعم فرد عليه ثوب إيمانه )..

المرجع السابق (1/162)...

 

3_ شرك النية والإرادة والقصد:

متى يكون شركاً أكبر وأصغر الضابط في ذلك هو النظر إلى النية والباعث على العمل فمن كان عمله اتباعاً للهوى مطلقاً وإرادة الدنيا أصلاً كان مشركاً شركاً أكبر ومن كان الباعث له على العمل حب الله وابتغاء رضوانه والدار الآخرة لكن دخل مع ذلك حب الجاه أو نحو ذلك من أسباب كان مشركاً شركاً أصغر .

 

4_ شرك التقرب والنسك:

كل ما يثبت أنه عبادة مشروعة وجوباً أو استحباباً مضر لأنها لغير الله شرك في العبودية ومن تحقق منه ذلك كان مشركاً سواء اعتقد مع ذلك استحقاق المعبود للعبادة من دون الله , أو اعتقد أنه لا يستحق العبادة لذاته وإنما هو وسيط وشفيع إلى الله .

 

كفر الردة:

ويكون إما بالتكذيب والاستحلال المناقض للتصديق وإما أن تكون بالتولي والإعراض المناقض للالتزام سواء الالتزام الباطن أو الظاهر وكل هذا داخل في كفر العناد الذي يكون بعد تبين الحجة الرسالية وظهورها للمعين بحيث لا يكون تكذيبه واستحلاله ولا تلبسه بما يناقض الالتزام المجمل عن تأول وشبهة يعذر بها.

 

 

كفر التكذيب والاستحلال:

 

إن التكذيب لا يتحقق إلا ممن علم الحق فرده وأما من لم يتبين له الحق, وكان له شبهه وتأول فلا يكون مكذباً ولا راداً للحق.

 و يدخل كفر الاستحلال في عموم كفر التكذيب لأن كل طلب _ واجب أو مستحب _

 يستلزم ابتداء التصديق به إذا قامت به الحجة على المعين فإن ارتكب معصية مع اعتقاده أنه مخالف فإنه لا يكون قد نقض إيمانه بذلك وإن كان الإيمان ينقص بارتكاب المعاصي. لكن لو لم يعتقد أن ما جاء به الرسول حق مع علمه بالحق في ذلك فإنه يكون مستحلاً للمعصية ارتكب مع ذلك المعصية أولم يرتكبها .

 

نقض الالتزام الإجمالي من جهة الشرك:

 إن الشخص لا يكون مؤمناً إذا ترك الالتزام بالعمل الظاهر لاشتراط ذلك في تحقيق أصل الدين الذي لا تكون النجاة يوم القيامة إلا به, وتقرر أيضاً أن المراد باشتراط العمل الظاهر بتحقيق الإيمان هو الالتزام المجمل بالعمل.

 

حكم تارك الصلاة:

 وردت نصوص في حكم تارك الصلاة وعدم الالتزام بها على الخصوص ولو مع الالتزام بغيرها من الأعمال ومجملها الحكم بكفر تارك الصلاة الكفر الأكبر المخرج من الملة.

وبهذا يعلم أن من قال أن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا كان جاحداً لوجوبها قد جعل مناط الحكم في هذه المسألة غير ما حدده الرسولr.

 ثم إنه على هذا التأويل لا فرق بين الصلاة وغيرها لأن من ترك شيئاً من شعائر الإسلام جاحداً لوجوبه أو حتى استحبابه مع قيام الحجة عليه بذلك فإنه يكفر لا فرق في ذلك بين الصلاة وغيرها.

ثم إن ترك الصلاة لا يعرف من....... كونه ناقضاً ولا يتحقق ذلك في المعين إلا بالإصرار على تركها لأن المفترض فيمن أقر بالشهادتين إقامة الصلاة ولهذا لا ينتظر من أقر بالشهادتين حتى تختبر حاله أهو يقيم الصلاة أم لا ؟ حتى نحكم بإسلامه . وإنما نعتبر أن هذا هو الأصل.

 

 

 

أنواع الردة:

ردة مجردة: وهي الردة لا يتبعها أذى ولا حرب ولاشتم للإسلام والمسلمين ومن كانت ردته هذا وصفها , فالسنة فيه أن يستتاب قبل أن يقتل فإن تاب وعاد عن كفره كان خيراً وإلا قتل.

عن عبد الله بن عتبه قال : أخذ ابن مسعود قوماً ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق قال : فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فكتب إليه أن أعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله فإن قبلوا فخلِ عنهم وإن لم يقبلوا اقتلهم فقبلها بعضهم فتركه ولم يقبلها بعضهم فقتله.

ذكره ابن تيميه في الصارم وقال رواه الإمام أحمد بسند صحيح.

 

الردة المغلظة:

 هي ردة يتبعها أذى وكيد وقتل وشتم للنبي r  والمرتد هذا وصفه لا يستتاب ولا تقبل توبته بعد القدرة عليه ولا يصح أن يعامل معاملة من كانت ردته مجردة هذا ما دلت عليه السنة.

عن أنس-0رضي الله عنه- قال :" قدم على النبي  r  نفر من عكل فأسلموا .... المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا فقتلوا رعاتهم و استاقوا الإبل فبعث في آثارهم ... بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم .... حتى ماتوا ."

قال ابن تيمية : ويفرق في المرتد بين الردة المجردة فيقتل إلا أن يتوبا وبين الردة المغلظة فيقتل بلا استتابه.      الفتاوى 20/103

و لكن لو تاب قبل القدرة عليه وسلم نفسه مختاراً للتوبة والرجوع إلى الحق هل تقبل توبته ؟ الراجح أن توبته تقبل لقوله تعالى {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة34

باختصار وتصرف من كتاب قواعد في التفكير صـ28_30 عبد المنعم حليمة

 

متى يكفر المعين:

قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق ينظر في أمرين:

1_ دلالة الكتاب والسنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق.

2_ انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه وتنتفي الموانع .

ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً ومن الموانع أن يتبع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه ".. أ هـ القواعد المثلى صـ 87 بحذف يسير ..

3_ قيام الحجة لتكفير المعين لابد من قيام الحجة الشرعية عليه والحجة تقوم عليه بأي وسيلة توصل إليه الدليل الشرعي وبالقدر الذي يدفع عنه جهله وعذره.

 

التكفير بالمعصية:

روى مسلم في صحيحه عن أبي سفيان قال: جاورت مع جابر بن عبد الله بمكة ستة أشهر فسأله رجل : هل كنتم تسمون أحداً من أهل القبلة كافراً فقال معاذ الله قال : فهل تسمون مشركاً قال : لا . قال شيخ الإسلام " ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة " .. الفتاوى 2/282

 وقال بعد ما سئل: هل يكفر العبد بالمعصية أم لا ؟  

" لا يكفر بمجرد الذنب فإنه ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف أن الزاني غير المحصن يجلد , والشارب يجلد والقاذف يجلد ولو كانوا كفاراً لكانوا مرتدين ولوجب قتلهم .. الفتاوى 2/282

وقال الشيخ حافظ حكمي في سلم الوصول " ولا نكفر بالمعاصي مؤمناً إلا مع استحلاله لما جنى

معارج القبول ( 2/328)

 

في التكفير قواعد:

القاعدة الأولى: الكفر العام لا يستلزم دائماً كفر المعين أي أن التكفير العام الوارد في النصوص الشرعية لا يصح حمله دائماً على الأشخاص بأعيانهم ممن قد وقع في ذلك الكفر لاحتمال وجود موانع التكفير فيهم وانتقاء لوازمه.

أمثله :

1_ القوم الذين يشربون الخمر متأولين قوله تعالى ( ليس مع الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ...... ) الآية المائدة 935

 فاستحلوا الخمر فحكم على بأن يستتابوا فإن لم يتوبوا جلدوا ثمانين لشربهم الخمر وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم. وذلك لأنهم متأولين.

2_ وقصة الرجل الذي أوصى بأن يحرق ثم يذر في البر والبحر... شك في قدرة الله ولكن كان جاهلاً .

3_قصة القوم الذين قالوا يا رسول الله اجعل لنا أنواطا كما لهم ذات أنواط.. عذرهم لحداثة عدهم بالكفر .

 هذه القواعد باختصار وتصرف من كتاب قواعد في التكفير عبد المنعم حليمة صـ53 وما بعدها

 

موانع التكفير  

  كل كفر يعجز صاحبه _لعلة شرعية_ عن دفعه فهو لا يكفره وبالتالي فإن جميع موانع التكفير يشترط فيها عجزهما....... عن دفعهما والتخلص منهما أما إذا توفرت لديه الاستطاعة والمقدرة على دفع السبب الذي يؤدي به إلى الكفر ثم لا يعمل على دفعه وقع في الكفر .

 

من موانع تكفير المعين

1_ عدم بلوغه الخطاب الشرعي .

كالذي أهدى إلى النبي  r  خمراً ومثل الذين كانوا يصلون نحو بيت المقدس.

2_ التأويل أو الفهم الخاطئ للمراد من النص .

كالذي استحلوا الخمر بسبب فهم خاطئ لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ……. }المائدة93

3_ حداثة عهده بالكفر .

كالذي قالوا ( اجعل لنا ذات أنواط.... ).

4_ العيش في منطقة نائية يتعذر وصول العلم إليها ولا يستطيع أن يسير الرجال إلى المناطق الذي يتوفر فيها العلم الشرعي.

يقول ابن حزم : من بلغه ذكر النبي  r  وما جاء به ثم لا يجد في بلاده من يخبره عنه ففرض عليه الخروج عنها إلى بلاد يستبرئ في الحقائق ... وفرض على جميعهم من رجل أو امرأة أن يرحلوا إلى مكان يجدون فيه فقيهاً يعلمهم دينهم ... " الأحكام (5/112).

5_ الخطأ غير المقصود . قصة الرجل الذي وجد راحلته فقال: " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " .

6_ الخطأ.  قصة أسامة بن زيد الذي قتل رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله.

7_ الإكراه. كمن أظهر الكفر مكرهاً وقلبه مطمئن للإيمان .

 

 

 

القاعدة الثانية : إنجاز الوعد إرجاء الوعيد .

قال ابن عمر: كنا نوجب لأهل الكبائر النار حتى نزلت هذه الآية على النبي r  ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ... ) فنهانا رسول الله  r  أن نوجب لأحد من أهل الدين النار ".

رواه ابن أبي عاصم في السنة, قال الألباني إسناده صحيح 973

 وقال  r  " من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له ومن وعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار ".. رواه ابن أبي عاصم في السنة .

في السلسلة الصحيحة رقم 2463

ويستثنى من ذلك الوعيد الخاص بحقوق العباد .

( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الحلماء من الشاة القرناء ) .. رواه مسلم

 

موانع...... الوعيد

1_ الحسنات الماحية.

2_ البلاء.

3_ التوبة والاستغفار.

4_ الشفاعة " شفاعة النبي  r  وشفاعة المؤمنين من بعده ".

5_ إقامة الحد.

6_ التأويل.

 

 

 

القاعدة الثالثة : الرضى بالكفر كفر .

من رضي بالكفر وحسنه أو أقر بشرعيته من غير إكراه ورضيه أن يكون أو يسود فهو كافر ظاهراً وباطناً.

ومن الأدلة على هذه القاعدة قوله تعالى {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ........ }النساء140

قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : إن معنى الآية على ظاهرها , وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين من غير إكراه ولا إنكار ولا قيام عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره فهو كافر مثلهم, وإن لم يفعل فعلهم لأن ذلك يتضمن الرضى بالكفر, والرضى بالكفر كفر . وبهذه الآية ونحوها استدل العلماء على أن الراضي بالذنب كفاعله, فإن ادعى أنه يكره ذلك بقلبه لم يقبل منه , لأن الحكم على الظاهر وهو قد أظهر الكفر فيكون كافراً (1)

قال ابن تيمية : تغيير المنكر يكون تارة بالقلب , وتارة باللسان , وتارة باليد , فأما القلب فيجب بكل حال, إذ لا ضرر في فعله, ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن .. الفتاوى (28/127)

 

القرائن الدالة على الباطن :

الرضى مقره القلب وهو أمر باطن لا سبيل لنا إلى معرفته والحكم عليه إلا من خلال قرائن لفظية وعملية ظاهرة على الجوارح تدل عليه , فمن أتى بشيء منها كان دالاً على حقيقة باطنه وما وقر في القلب .

 

1_ قرائن لفظية :

وهي أشد القرائن دلالة على حقيقة الباطن كأن يعبر المرء عن نفسه من غير إكراه بكلام صريح يدل على رضاه بالكفر واستحلاله له كالذي يحسن الشرائع الوضعية التي تضاهي شرع الله تعالى , ويعتبرها الشرائع الأفضل التي بها يتحقق التقدم والازدهار وغير ذلك من العبارات التي تدل على حقيقة ماوقر في القلب واطمأنت إليه النفس .

2_ قرائن عملية :

وهي أعمال الجوارح الظاهرة التي تدل على حقيقة الباطن ومنها :

1_ الجلوس في مجالس الكفر والاستهزاء بالدين . الآية السابقة

قال القرطبي في التفسير : لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم والرضى بالكفر كفر .... الخ

الجامع لأحكام القرآن (5/418)

2_ الاستهزاء بالدين وهو على سبيل المثال الخوض واللعب .

قال أبو بكر بن العربي: " فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة ".  

الجامع لأحكام القرآن (8/197)

3_ إظهار الكفر من غير إكراه . " من كفر بالله من بعد إيمانه ...... " الآية

فدل على أن كل من أظهر الكفر البواح من غير إكراه فقد شرع بالكفر صدراً, سواء أقر بذلك أم لم يقر فإن لسان الحال يكذب لسان المقال .

4_ التحاكم إلى الطاغوت

كما في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء60

فدل على أن من يتحاكم إلى الطاغوت طوعاً فإن إيمانه الذي يدعيه هو عبارة عن ادعاء كاذب وزعم لا أصل له في القلب إذ لو كان صادقاً بأنه مؤمن لما تحاكم طوعا إلى الطاغوت وشرائع الطاغوت معرضاً عن شرع الله تعالى .

5_ الإعراض عن التحاكم إلى شرع الله عزوجل.

كما في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ *وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ }النور48,47

6_ طاعة المشركين فيما كفروا . كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ }محمد25, 26

7_ حصول الحرج وانتقاء الرضى بحكم الله عز و جل . قال تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65

8_ من لوازم الإيمان الحاصل في القلب رد المنازعات إلى الله والرسول r  .

قال تعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ  }النساء59

9_ انتقاء المتابعة الظاهرة. كما في قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ }آل عمران31

 قال ابن كثير- يرحمه الله - " هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله "..  التفسير  (1/366)

10_ عدم الحكم بما أنزل الله .

11_ موالاة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين .

12_ ترك مجاهدة الكفار .

13_ قرائن عملية أخرى تدل على فساد الباطن وسوء الاعتقاد .

القاعدة الرابعة: 

اعتبار الظاهرين في الكفر والإيمان..  أي أن المرء يحكم عليه بالكفر أو الإيمان بناء على ظاهره فإن أظهر الكفر يحكم عليه بالكفر وإن أظهر الإيمان يحكم عليه بالإيمان من دون أن نتتبع باطنه أو نسأل عن حقيقة ما وقر في قلبه.

 

القاعدة الخامسة :

الكفر العملي الأصغر لا يقال إلا بقرينة شرعية تدل عليه.

إذا أطلق الشارع على فعل معين حكم الكفر فالأصل أن يحمل هذا الكفر على ظاهره ومدلولاته الشرعية وهو الكفر المناقض للإيمان الذي يوجب لصاحبه الخلود في نار جهنم ولا يجوز صرف هذا الكفر عن ظاهره ومدلوله إلى كفر النعمة أو الكفر الأصغر الرديف للمعصية أو الذنب الذي يستوجب الخلود في نار جهنم إلا بدليل شرعي آخر يقيد هذا الصرف والتأويل .