وهو يلي الصرع حيث أن منه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يذهب العقل ومنه ما يفرق به بين المرء وزوجه.

وكل ذلك لا يحدث إلا بإذن الله . كما قال تعالى: ((وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)) ([1]) .

وهؤلاء السحرة إنما أعانتهم الشياطين، والسحر من عمل الشياطين والدليل على ذلك ما جاء في قــوله تعالى: ((يعلّمون الناس السحر)) ، وحققت لهم مرادهم لما تقربوا إليها بالشرك، والأفعال الخبيثة إذ يطلب من بعضهم كتابة كلام الله تعالى بالنجاسة، أو الذبح لغير الله تعالى، أو السجود للشياطين والذبح لهم إلى غير ذلك من الأفعال الشركية ([2]) .

قال ابن قدامة: (في تعريف السحر): هو «عقد ورقى وكلام يتكلم  به أو يكتبه أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة لـه ولـه حقيقة»ا. هـ([3]).

وقال الأزهري ([4]) : «السحر عمل تقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه، كل ذلك الأمر كينونة للسحر، ومن السحر الأُخْذَة. التي تأخذ العين حتى يظن أن الأمر كما يرى وليس الأصل على ما يرى، والسحر الأَخْذَة وكل ما لطف مأخذه ودقَّ فهو سحر... وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره...» ([5]) .

اختلف العلماء في السحر على قولين:

الأول: أنه تخييل ولا حقيقة له وعليه ابن حزم الظاهري ([6]) ، والمعتزلة وأبي بكر الرازي وذكروا أنه ضرب من التخييل ([7]) .

الثاني: إن له حقيقة

قال الإمام المازري ([8]) – رحمه الله – مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن لـه حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة خلافاً لمن أنكر ذلك ونفى حقيقته ([9]) . أ. هـ.

ومحل النزاع بين الفريقين هل بالسحر تنقلب العين أم لا؟!

فمن قال بالأول منع ذلك.

ومن قال بالثاني أجاز ذلك. ثم اختلفوا هل هذا الانقلاب ظاهري يحصل منه تغير المزاج كالمرض أو أن التغير يحصل بحيث يصبح الجماد حيوانا،ً وجمهور العلماء على الأول وهو الصحيح،  لأن الساحر لا يستطيع أن يصل في سحره إلى قلب الأعيان.

وأما حقيقة السحر فالصحيح الذي عليه الجمهور أن لـه حقيقة للأدلة الثابتة على ذلك والدالة ومنها:

قوله تعالى: ((واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم)) ([10]) .

وقولـه تعالى: ((قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب* ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد)) ([11]) .

«ولولا أن السحر له حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه» ([12]) .

وسحر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من أقوى الأدلة على ثبوت حقيقة السحر، وقد اتفق المفسرون على أن سبب نزول سورة الفلق هو ما كان من سحر لبيد بن الأعصم للرسول صلى الله عليه وسلم  ([13]) – كما سبق بيان ذلك ([14]) .

كما أن العقل لا ينكر ذلك بل قد يخرق الله العادة على يد ساحر ولا يكون ذلك من باب المعجزة ولا الكرامة لثبوت الفرق بينهما ([15]) .

وأما قولـه تعالى: ((يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى)) فلا حجة فيها على نفي حقيقة السحر قال ابن حجر – رحمه الله – : «هذه الآية عمدة من زعم أن السحر إنما هو تخييل، ولا حجة له بها لأن هذه وردت في قصة سحرة فرعون، وكان سحرهم كذلك ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل» ([16])  أ. هـ.

قال القرطبي – رحمه الله – : «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حُلّ السحر قال: (إن الله شفاني) والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقاً وحقيقة، فهو مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على وجوده ووقوعه.

وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق» أ. هـ ([17]) .

قال ابن القيم – رحمه الله – : «أنكر ذلك – يعني السحر – طائفة من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم وقالوا: إنه لا تأثير للسحر البتة لا في مرض ولا قتل ولا حل ولا عقد، قالوا: وإنما ذلك تخييل لأعين الناظرين لا حقيقة لـه سوى ذلك، وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف واتفق عليها الفقهاء وأهل التفسير والحديث وأرباب القلوب...» أ. هـ ([18]) .

وأما أضرار السحر على البدن فكثيرة، فالسحر خبيث، وعمل فاسد من شيطان ضال، يقارنه من باع دينه بدنياه ومن أبرز أضراره ما يلي:

1- التفريق بين الزوجين، كما قال تعالى: ((فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )) ([19]) ، وهنا يطلب الساحر ممن يأتيه أن يحضر له أثر من آثاراً من يريد سحره من شعر وثوب... وقد يفعل السحر دون أن يحتاج للأثر بواسطة ماء يسكبه في طريقه ([20]) .

2- الجنون حيث يقوم الجني الموكل بالسحر بالتمركز في عقل المسحور ([21]) .

3- القتل فمن السحر ما يقتل ([22]) .

4- المرض فقد يتمركز في عضو معين ويعطله فيصاب بالعمى أو الشلل.

5- الوسواس ورؤية الأحلام المزعجة كالحيوانات المفترسة، والثعابين وغير ذلك.

6- النزيف عند المرأة، فيقوم الجنى المكلف بالتمركز في رحم المرأة، ويركض ركضة في العرق فيستمر نزول الدم عليها.

7- حبس الرجل عن امرأته وهو ما يعرف  «بالربط» فلا يستطيع مجامعتها.

قال ابن قدامة – رحمه الله – : «فمنه – أي السحر – ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الآخر أو يحبب بين اثنين...»  ([23]) أ. هـ .

وأما تعلم السحر فحرام وكذلك عمله، قال النووي – رحمه الله – السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع... وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر وإلا فلا، وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر واستتيب منه ولا يقتل عندنا ([24]) فإن تاب قبلت توبته.

وللوقاية من السحر وإبطاله ينبغي على العبد الإكثار من الذكر وقراءة المعوذتين وآية الكرسي وسورة البقرة.

قال ابن كثير – رحمه الله –: «أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر، ما أنزل الله على رسوله في إذهاب ذلك وهما المعوذتان... وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان» ([25]) أ. هـ.

وقراءة سورة الفاتحة فهي أم الكتاب فعن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل راجعاً من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله: «إنا قد حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فهل عنده شيء يداويه؟ قال: فرقيته بفاتحة الكتاب ثلاث أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائة شاة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: خذها فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق» ([26]) .

قال ابن القيم: مكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيراً عجيباً، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً فكان كثير منهم يبرأ سريعاً ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع  ([27]) .أ. هـ.

والتصبح بسبع تمرات ففي الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : «من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل» ([28]) . وفي رواية عنه: (من تصبح سبع تمرات عجوة ...)

وروي عن وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسي، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به، فإنه يذهب عنه كل مابه – إن شاء الله تعالى – وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله([29]) .

وأما ما يسمى بالنشرة فقد جاء أنه من عمل الشيطان، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: «هي من عمل الشيطان» ([30]) .

والنشرة هي من الانتشار وهي كالتعويذة والرقية ([31]) .

وهي: «إطلاق السحر عن المسحور» ([32]) .

وقيل: «ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أنه به مس من الجن»([33]).

قال ابن الجوزي: «ولا يكاد يقدر على ذلك إلا من يعرف السحر»([34]) . أ. هـ.

وعده الحسن من السحر ([35]) . وهو المقصود في الحديث أما النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية فلا يدخل فيها ([36]) .

قال ابن عثيمين – رحمه الله – معلقاً على كلام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في النهي عن النشرة: «تؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم : (هي من عمل الشيطان)، وهنا ليس فيه صيغة نهي، لكن فيه ما يدل على النهي، لأن طرق إثبات النهي ليست الصيغة فقط، بل ذم فاعله، وقوله: هذا من عمل الشيطان، وتقبيح الشيء، وما أشبه ذلك يدل على النهي» ([37]) أ. هـ.

  


([1])   سورة البقرة، الآية: 102.

([2])   انظر: آكام المرجان في أحكام الجان، ص 98.

([3])   المغني  لابن قدامة (10/113)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

([4])   هو أبو منصور محمد بن أحمد الأزهر الهروي، توفي (370هـ/ 981) أحد أئمة اللغة والأدب والفقه. ولد وتوفي في هراة بخراسان... له «تهذيب اللغة» و «تفسير القرآن»، الأعلام للزركلي، (5/311).

([5])   لسان العرب، مادة سحر، (4/348).

([6])   انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم الظاهري ، (1/248-249)، دار الجيل، بيروت.

([7])   انظر: فتح الباري، (10/272)، وشرح مسلم للنووي، (14/174)، والمسائل والرسائل، (2/103)، والجامع لأحكام القرآن، (2/41)، وما بعدها، وبدائع الفوائد، لابن القيم، (2/227).

([8])   محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، أبو عبدالله، محدث، من فقهاء المالكية. نسبته إلى مازر بجزيرة صقلية، ووفاته بالمهدية له كتاب «المعلم بفوائد مسلم» في الحديث، وعليه تعليقاته على صحيح مسلم وقد قام بتسجيلها طلابه حين قرائته عليه، توفي سنة 536، انظر: وفيات الأعيان، لابن خلكان، (1/486)، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر، الأعلام للزركلي (6/277).

([9])   صحيح مسلم بشرح النووي، (14/174).

([10])   سورة الأعراف، الآية: 116.

([11])   سورة الفلق، الآيات: 1-4.

([12])   المغني لابن قدامة (10/114).

([13])   انظر: أحكام القرآن للقرطبي، (2/46).

([14])   انظر ص 61 وما بعدها.

([15])   انظر: فتح الباري، (10/273)، وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي، (14/174) وما بعدها، والمسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل، جمع وتحقيق عبدالإله بن سلمان الأحمدي ، (2/102-103)، ط الأولى، 1412هـ، دار طيبة، الرياض، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، (2/44).

([16])   فتح الباري، (10/276).

([17])   الجامع لأحكام القرآن، (2/46).

([18])   بدائع الفوائد، لابن القيم، (2/227)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، وانظر تفسير ابن كثير، (1/257) وما بعدها.

([19])   سورة البقرة، الآية: 102.

([20])   انظر: الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار، لوحيد عبدالسلام بالي،ص107.، مكتبة الصحابة، ط. الثالثة، 1412هـ.

([21])   انظر: تفسير الرازي، (3/227).

([22])   انظر: في أضراره: الصارم البتار، لوحيد عبدالسلام بالي، ص 166-190. فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين، تأليف الأستاذين عبدالله الطيار وسامي المبارك، ص 176. السحر حقيقة لا خيال.

([23])   المغني لابن قدامة، (10/113)، وانظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، ص 323.

([24])   يعني عند الشافعية.

([25])   تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، (1/159).

([26])   رواه أبو داود في كتاب الطب، باب (كيف الرقى؟) رقم 3896، (405-406)، صححه الألباني. انظر: صحيح سنن أبي داود، (2/737)،ط الأولى، 1409هـ/ 1989م، ط. مكتب التربية العربي، نشر المكتب الإسلامي.

([27])   الجواب الكافي، لابن القيم، ص 15، وانظر: زاد المعاد، (4/126-127).

([28])   رواه البخاري في كتاب الطب، باب (الدواء العجوة للسحر)، 5435 (5/2176-2177).

([29])   ذكرها القرطبي في التذكر في أفضل الأذكار، ص 416، وقال: قال أبو الحسن بن بطال، أ. هـ. وانظر: الجامع لأحكام القرآن (2/50)، وذكرها الشيخ سليمان آل الشيخ في تفسير العزيز الحميد  ص 368، وذكرها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز في مجموع فتاويه، (3/279-280).

* ومما يحدر التنبيه لـه أن بعض الكتاب توسع في بعض ما يتعلق بالسحر بلا دليل ومن الأمثلة: ما ذكره صاحب كتاب «كيف نداوي السحر...» لأبي الفداء محمد عزت محمد عارف، حيث ذكر وصفة لفك السحر مفادها أنه يكتب تحت سرة المسحور بزعفران قوله تعالى: ((إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم)) سورة المجادلة، الآية: 5 ، ص 29, هذا لا دليل عليه، ولم يذكره أحد من السلف!!

([30])   رواه الإمام أحمد، (3/294)، وأبو داود في الطب، باب (في النشرة)رقم: 3868، (2/399). وصححه النووي في المجموع، (9/64)، وحسنه ابن حجر في فتح الباري، (10/286).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: «رواه البزار والطبراني في الأوسط، إلا أنه قال: ذكروا أنهما من عمل الشيطان، ورجال البزار رجال الصحيح» أ. هـ. (5/102).

([31])   انظر: لسان العرب، لابن منظور، (5/209)، مختار الصحاح، (1/275)، النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، (5/53).

([32])   غريب الحديث، لابن الجوزي، (2/408)،

([33])   المجموع للنووي، وهو قول الخطابي، (9/63)، وانظر النهاية في غريب الحديث (5/54)، وعون المعبود (10/348).

([34])   المرجع السابق نفس الجزء والصفحة.

([35])   انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، (5/53).

([36])   انظر: تيسير العزيز الحميد، ص 367، والقول المفيد، لابن عثيمين، (2/72-73).

([37])   القول المفيد، لابن عثيمين، (2/76).